أصابع روسية خفية تدير حركة “السترات الصفراء” في فرنسا

تراقب فرنسا أدوارا روسية محتملة في الاحتجاجات المتصاعدة من قبل حركة “السترات الصفراء”، مستعيدة أنشطة موسكو السياسية داخل دول الاتحاد الأوروبي حيث نجح الروس في تضخيم بريكست، إضافة إلى الأدوار التي تحقق بها السلطات القضائية الأميركية عن تدخل روسي مزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.

ونقل عن أوساط قريبة من وزارة الداخلية الفرنسية أن الحكومة الفرنسية أبدت قلقا من إمكانية حصول تدخلات خارجية على منوال ما ظهر خلال الانتخابات التي جرت في عدد من الدول الأوروبية للتأثير على الرأي العام المحلي. في وقت حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطالبا إياه “بأن يكون حذرا بشأن ما يقوله حول فرنسا”.

ويرى معلقون فرنسيون أن التظاهرات التي أطلقتها حركة “السترات الصفراء” أخذت بعدا خطيرا بات يهدد الاستقرار الداخلي، واعتبر هؤلاء أن التغطية الإعلامية الدولية للحراك الشعبي في فرنسا وانتقال الظاهرة إلى دول أوروبية أخرى، سلطا المجهر على ظواهر قد تكون محلية في الشكل لكنّ أدوات خارجية تعمل على تأجيجها.

وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير إن حراك “السترات الصفراء” الذي شهدته فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة يشكل “كارثة على الاقتصاد الفرنسي”، ما طرح أسئلة عما إذا كانت هناك أجندة خارجية تودّ النيل من الاستقرار الفرنسي ودفع البلاد إلى الفوضى العارمة.

وأطلقت “الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني” وهي الهيئة المكلفة بتنسيق عمليات التحقيق الجارية بعد تزايد الحسابات الإلكترونية المزيفة التي تهدف إلى تضخيم حركة “السترات الصفراء” الاحتجاجية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ممارسة ضغوط شتى لإضعاف الاتحاد الأوروبي، دون أن يدعم جهة على أخرى. فيما يهم روسيا أن تبقى الدول الأوروبية منشغلة بنفسها.

ويأخذ بوتين على الاتحاد دوره في حرمان روسيا من نفوذها داخل أوروبا الشرقية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، فيما تعتبر الدوائر الروسية أن دفع دول أوروبا الشرقية للانضمام إلى عضوية “النادي الأوروبي” شكّل مسّا مباشرا بالأمن الاستراتيجي للاتحاد الروسي.

وترى موسكو أن موقف الاتحاد الأوروبي من المسألة الأوكرانية، كما الموقف من قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، يقف في مواجهة طموحات بوتين في استعادة نفوذ موسكو القديم داخل القارة العجوز.

وذكر مصدر قريب من الملف الذي يتم درسه في باريس، أن الاستخبارات الفرنسية حذرة جدا من التلاعب بالمعلومات، لكن لا يزال من المبكر البت في مسألة صحة معلومات نشرتها صحيفة “التايمز″ البريطانية التي أكدت أن المئات من الحسابات المزيفة التي تدعمها روسيا تسعى إلى تضخيم ثورة “السترات الصفراء”.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن تحليلات أجرتها شركة “نيو نولدج” للأمن الإلكتروني، أن نحو مئتي حساب على موقع تويتر تنشر صورا ومقاطع فيديو لأشخاص أصابتهم الشرطة بجروح بالغة يُفترض أن يكونوا من محتجي “السترات الصفراء”، في حين تعود هذه المشاهد إلى أحداث لا تمت بصلة إلى التظاهرات الجارية في فرنسا منذ أسابيع.

أعمال نهب وسرقة
شغب وسرقة

وعلى الرغم من الطابع المحلي لتحركات المتظاهرين والتي بدأت على خلفية ضرائب على المحروقات، إلا أن تطور هذه التظاهرات وانزلاقها نحو العنف، لا سيما في العاصمة باريس، دفع المراقبين للميل إلى الاعتقاد بأن المسألة باتت تتجاوز الإطار الفرنسي، ولا يستبعدون وجود تدخلات خارجية للسيطرة على مسار الحراك ومصيره.

وتلبية لمطالب هذا التحرك الذي أنشئ على مواقع التواصل الاجتماعي، تخلت الحكومة الفرنسية خصوصا عن رفع الرسوم على المحروقات الذي كان مرتقبا في يناير 2019. ومع ذلك تمسكت حركة “السترات الصفراء” بالتحرك، فيما بدا أن مطالب هذه الحركة باتت تتجاوز المطلب المتعلق بإلغاء الإجراءات الضريبية، على نحو بدأ يطرح أسئلة عن أجندة خارجية قد تكون وراء الاستمرار في صب الزيت على النار بهدف تهديد النظام السياسي الفرنسي برمته.

ولم يصدر عن الحكومة الفرنسية أي موقف بشأن اتهامات لجهات أجنبية بالوقوف وراء حركة “السترات الصفراء” أو استغلال التوتر الاجتماعي الداخلي في البلاد من قبل جهات خارجية. غير أن باريس أبدت امتعاضا من المواقف التي صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي تشتم منها شماتته بفرنسا وبالرئيس إيمانويل ماكرون.

وفيما وجد ترامب في المصاب الفرنسي مناسبة لتبرير قراره بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، رأت السلطات الفرنسية أن الأمر يعد تدخلا في الشؤون الفرنسية ولا يعبر عن تضامن بين دول تعتبر حليفة وصديقة وتتقاسم قيما واحدة.

وحذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الرئيس الأميركي مطالبا إياه “بأن يكون حذرا بشأن ما يقوله حول فرنسا”. وقال لودريان إن بلاده لا تتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، مضيفا “دعنا نعش حياتنا الوطنية” دون تدخل.

وفيما استغرب مراقبون أن تتقاطع التقارير حول احتمال وجود تدخل لروسيا في الشأن الفرنسي مع ما تصفه باريس بتدخل لترامب في شأنها، رأى متخصصون في الشؤون الأوروبية أن أجندات الرئيسين الأميركي والروسي تتقاطع في كره الاتحاد الأوروبي والعمل على إضعافه وتهديد وحدته.

ويقول هؤلاء إن ترامب وبوتين أيدا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويعولان على أحصنة اليمين المتطرف داخل البلدان الأوروبية للنفخ في المشاعر القومية والدعوة إلى هدم المؤسسة الأوروبية. ولفت هؤلاء إلى العلاقات الممتازة التي تربط بين أحزاب اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية الأوروبية مع ترامب كما مع بوتين في الوقت عينه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: