الجزائر.. السلبية المغاربية
من الواضح أن الهدف الحقيقي لهذه الدعوة متعدد الذيول، ويمكن لنا تحديد بعض أقسامه الأساسية في صرف الأنظار بالدرجة الأولى عن أزمة الشرعية التي تؤرق المسؤولين الجزائريين في سدة الحكم، وفي التغطية على المشكلات المزمنة التي يعاني منها هذا النظام وفي صدارتها تكريس تحنيط الحياة السياسية في البلاد، وتوفير المقدمات لعودة أشباح المظاهر السلبية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية التي أدت في السابق إلى تحطم آمال الجزائريين الأمر الذي أدى وقتذاك إلى انفجار بركان العشرية الدموية، وإلى الزج بالجزائر في دوامة العنف الشامل. وزيادة على هذه الظواهر المذكورة فإن المسؤولين الجزائريين لا يرغبون في خلق البيئة التي يمكن أن تساعد على خلق الانفراج بين البلدين الشقيقين، المغرب والجزائر.
وتبرز التجربة أن أقطاب السياسة الجزائرية المهيمنين على النفوذ في الأجهزة التي تحكم البلاد لا يهمهم مصير مواطني الاتحاد المغاربي من قريب أو من بعيد، لأن الشلة الحاكمة في الوقت الحالي تمكنت من تفريغ المواطنين الجزائريين من قيم الوطنية ومن الحس التاريخي والحضاري في عمقه المغاربي والأفريقي، كما صفّحت الأسوار دون مواطني الدول المغاربية وحولتهم القطيعة المفروضة عليهم إلى جزر معزولة.
إن قراءة تضاريس السياسات الجزائرية في المنطقة المغاربية تؤدي إلى بروز واقع يتميز بالإمعان في رفض فتح صفحة جديدة مع المغرب , والشروع في إجراء الحوار البناء معه على مستوى المجتمع المدني والمجتمع السياسي وذلك سعيا إلى تصفية الأجواء، ثم الانتقال إلى مرحلة القضاء على كل الخلافات المزمنة التي ما فتئت تطيح بأي أمل في بناء العلاقات الثنائية المستدامة على مستوى البلدين وفي عموم المنطقة المغاربية، وذلك في الميادين الحيوية وفي طليعتها الشراكة في تشييد الاقتصاد العصري والثقافة المتطورة والتواصل الاجتماعي الذي يرقى بالترابط النفسي والروحي لدى المواطنين.
لا يعقل أن ترتجل عملية بعث الحياة في هيئات الاتحاد المغاربي في ظل تصفيح الحدود المغلقة على مدى سنوات عجاف بين المغرب والجزائر، وفي مناخ التنزه على طواحين الاقتتال في ليبيا، وتغييب أي أفق مغاربي مشترك يمكن تونس من الاستقرار السياسي وإنجاز التنمية فيها.
لا شك أن الرأي العام الجزائري على بينة من كل هذه الأوضاع المزرية وهذه العراقيل، كما يدرك أن النظام الجزائري لا يسعى حقا إلى لعب دور طليعي قصد نفخ الحياة في الاتحاد المغاربي الذي تحوّل إلى مجرد سراب.
وفي هذا السياق يبرز للعلن أن النظام الجزائري ليس جادا على المستوى العملي في تحريك آليات فاعلة بموجبها يتمّ تأسيس قطب مغاربي موحّد له حضور اقتصادي وثقافي وأمني متميز وقادر فعليا على ربح رهان التوازن الأمني بين الضفة الجنوبية والضفة الشمالية في منطقة البحر المتوسط. وهنا نتساءل ماذا فعلت الجزائر مثلا من أجل بلورة استراتيجية اقتصادية فاعلة داخل هياكل الاتحاد المغاربي يمكن أن تعزز الأمن الغذائي المغاربي، وأن تحمي اليد العاملة المغاربية من البطالة ومن الهجرة؟
من الملاحظ مثلا أن غياب الشراكة الاقتصادية المغاربية له عواقب وخيمة منها أن الدخل الإجمالي العام للدول المغاربية الخمس، التي يبلغ تعداد سكانها ما لا يقل عن 107 ملايين نسمة، يقدر بمبلغ 388 مليار دولار وهو أقل بكثير من الدخل السنوي الإجمالي لدولة صغيرة مثل بلجيكا والذي يناهز 489 مليار دولار مع أن تعداد سكانها أقل من 13 مليون نسمة. بالنظر إلى ما تقدم فإن دور الجزائر داخل الاتحاد المغاربي لم يقدر أن يفكّ عقدة النكوص إلى الموروث الجغرافي للاستعمار الأوروبي في المنطقة المغاربية.