مفاوضات أممية جديدة حول قضية الصحراء المغربية بعناوين فضفاضة
شارك المغرب، الأربعاء بجنيف، في مائدة مستديرة حول النزاع الإقليمي في الصحراء المغربية، داعما التحرك الأممي الذي شهد جمودا على مدى سنوات. وأجريت آخر جولة مفاوضات برعاية الأمم المتحدة في مارس 2012 دون أن تؤدي إلى أي تقدم في ظل تشبث طرفي النزاع بمواقفهما، واستمرار الخلافات حول وضع المنطقة وتركيبة الهيئة الناخبة التي يفترض أن تشارك في الاستفتاء.
قبل المغرب دعوة الأمم المتحدة لاستئناف المفاوضات حول ملف الصحراء المغربية، منتهجا سياسة “المواجهة المكشوفة”؛ فالرباط، مقتنعة بشدة بعدالة قضيتها الوطنية، ولديها من الحجج والدلائل المادية ما يؤكّد صحة توجهاتها ويبين مكامن الخلل في هذه الأزمة التي تشهد جمودا منذ ست سنوات، والمستمرة منذ أواخر خمسينات القرن الماضي.
منذ ذلك التاريخ، تغيرت معطيات إقليمية ودولية كثيرة، وخفتت شعارات الجماعات الانفصالية، كما تقلّص الدعم الذي تقدمه جهات خارجية عدّة لجبهة البوليساريو الانفصالية، والتي تجد نفسها أمام ضرورة تقرير مصيرها هي، لا مصير اللاجئين الصحراويين الذين تحتجزهم في مخيمات قرب مدينة تندوف بالجزائر، وتستغلهم في أجندتها، التي لم تعد تخدم حتى داعمتها الجزائر، المنهكة اقتصاديا وسياسيا، فيما تبدو موريتانيا الطرف الآخر المعني بالقضية حريصة على تعزيز التعاون مع المغرب العائد بقوة إلى محيطه الأفريقي.
ويتوسط رئيس ألمانيا الأسبق، هورست كولر، المبعوث الأممي لملف الصحراء المغربية في مفاوضات الأمم المتحدة التي تستمر يومي 5 و6 دجنبر في جنيف. وعبّر كولر، المكلف بهذا الملف منذ العام 2017، عن أمله في “فتح فصل جديد في العملية السياسية” بهدف التوصل إلى مخرج سياسي ينهي آخر نزاع من هذا النوع في أفريقيا ما بعد المرحلة الاستعمارية.
لكن، خبراء أكدوا أن الأمر منوط باستيعاب كامل زاويا القضية وتطوراتها ومصلحة الأهالي في أقاليم الصحراء المغربية، بعيدا عن الشعارات الكبرى، حول تحقيق المصير، والقضايا الفضفاضة التي تضع الجميع في سلة واحدة رغم الاختلافات الجذرية والعميقة. من هنا، ينتقد المراقبون ما جاء على لسان الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التي يدعو فيها كل الأطراف إلى “الانخراط في المحادثات دون شروط مسبقة وفي جو بنّاء”.
جدول أعمال محادثات جنيف يتعلق عموما بالوضع الحالي والاندماج الإقليمي، والمراحل المقبلة للمسار السياسي
ويشير المراقبون إلى أن مثل هذا الحديث يؤكد استمرار النهج الأممي على حاله في التعامل مع قضية استعصت سبل حلها وباتت تشكل أزمة إقليمية في منطقة تعاني من تحديات أمنية وسياسية كبيرة. وتطالب جبهة البوليساريو التي أعلنت في 1976 “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” من جانب واحد، إجراء استفتاء حول تقرير المصير من أجل حل النزاع الذي بدأ عند انسحاب إسبانيا من المستعمرة السابقة.
ويدافع المغرب عن حل سياسي “دائم” مطبوع بـ”روح التوافق”، لكنه لا يقبل أي نقاش “حول وحدته الترابية” و”مغربية الصحراء”، كما أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس مؤخرا. وتطرح الجزائر التي تشارك في لقاء جنيف بصفتها “بلدا جارا” إجراء “مفاوضات مباشرة، بين المغرب والبوليساريو من أجل حل نهائي”، حسب بلاغ رسمي صدر مؤخرا. وحسب مصدر جزائري قريب من الملف، فإن النقاش حول “الوضع في المغرب العربي” هو الذي “يفسر حضور الجزائر وموريتانيا” في جنيف.
تقرير المصير
يسيطر المغرب على 80 بالمئة من مساحة الصحراء المغربية الممتدة على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع، مع شريط ساحلي غني بالسمك على مدى 1000 كيلومتر على المحيط الأطلسي. وتتعامل السلطات المغربية مع المنطقة، الغنية بالفوسفات، مثلما تتعامل مع باقي جهات المملكة. وترفض الرباط أي حل آخر خارج منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، منبهة إلى ضرورة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
ويشير تقرير لمعهد الدراسات الخارجية الأميركي إلى أن “الزخم الجديد للنمو في المغرب يمثل سلاحا قويا من أسلحة ‘القوة الناعمة’ ضد الإرهاب في المنطقة الأفريقية، بما في ذلك الإرهاب الصادر عن مجموعة انفصالية تتخذ من الجزائر مقرا لها، وهي جبهة البوليساريو التي تعد من الآثار المتبقية لمساندة السوفييت للثوار الأفارقة”.
ويضيف التقرير أنه “منذ السبعينات وهذه المجموعة تنفذ هجمات مسلحة بهدف اقتطاع النصف الجنوبي للمغرب وتكوين جمهورية على طراز المجلس العسكري الجزائري. وفي الجيب الذي تقوم فيه الجزائر بالدوريات، تحكم البوليساريو كدكتاتورية حزب واحد على اقتصاد مقايضة. ويدفع الفقر بعض عناصر البوليساريو إلى إرشاد الإرهابيين عبر الصحراء أو بيعهم الأسلحة”.
في المقابل، يرصد التقرير “ارتفاعا سريعا لمستوى العيش في الأرض التي تدعي البوليساريو ملكيتها، أي الجنوب المغربي، إذ كان الدخل للفرد الواحد قبل ثلاثة عقود في الجنوب تقريبا نصف الدخل الفردي في الشمال، لكن اليوم تلاشى هذا الفارق. ويرجع الفضل في الانتعاش الذي حصل في جنوب المغرب إلى إصلاحات اقتصادية وقانونية، ساعدت على تحويل المنطقة إلى قبلة للمستثمرين الأجانب والشركات الغربية لتشييد فنادق وشركات ومرافق وموانئ، وفي ذات الوقت ضغط الملك على الحكومة لتمويل المطارات والمدارس والمستشفيات والمحطات المائية والطاقية”.
وفي السنوات الأخيرة، أطلق الملك محمد السادس في العيون المزيد من المشاريع بما في ذلك منشآت صناعية لإنتاج الأسمدة وميناء جديد، وهي مشاريع تهدف كلها إلى خلق مواطن عمل جديدة. وفي مدينة الدخلة في الجنوب المغربي، أطلق مخطط تنمية اجتماعي اقتصادي واسع بميزانية بعدة ملايين من الدولارات، وهو مشروع يمثل حسب قول الملك “فلسفة ورؤية وتوجها” وهو يهدف إلى تطوير المدينة وخلق فرص للسكان. ومثلما هو الشأن لمشروع مماثل أطلق في السنة الماضية في عاصمة إقليم العيون، يدعو المخطط إلى الاستثمار المباشر في الصناعة والخدمات ومصائد السمك والفلاحة والسياحة، وتوسيع وتحسين البنية التحتية الأساسية.
البحث عن الرفاه
عبر توسيع ميناء الدخلة، يتحول جنوب المغرب إلى مركز للموانئ الأفريقية الأطلسية مما يجعل المنطقة بوابة بارزة للقارة. ويتم جلب خبرات هائلة في تطوير الميناء، وهو يهدف إلى ربط البنية التحتية للميناء بأوروبا عبر جزر الكناري خاصة (لاس بالماس)، وبشمال أميركا. وسيكون هذا الميناء قريبا جدا من مصائد السمك النامية في المنطقة والمشاريع التجارية.
هنا، يخلص التقرير إلى أنه بإمكان هذه المشاريع أن تغيّر حياة سكان الصحراء المغربية، مشيرا إلى أنها “حياة يتطلع إليها أيضا أقاربهم في مخيمات البوليساريو، ويريدون من زعمائهم التوصل إلى تسوية سلمية مع المملكة حتى يتمكنوا هم أيضا من التمتع بالرفاه والحرية”، وإذا كانت الجبهة الانفصالية تؤمن حقا بمبدأ “تقرير المصير” فإن عليها أن تترك الأمر للسكان المحتجزين في المخيمات لتقرير مصيرهم، لكنها تعلم أن هذا الأمر سيعني تحديد مصيرها هي، حيث يبدو طريق الاختيار واضحا بالنسبة لسكان تندوف و”الصحراويين” بعد سنوات طويلة من الفشل والفقر.
يقوم الاقتصاد المغربي بجذب الناس خارج مخيمات تندوف إلى حياة الرفاه، وهو أمر تحتاج الأمم المتحدة وضعه بعين الاعتبار
ويلفت التقرير الأميركي إلى مقاربة مهمة في حديثه عن فقدان البوليساريو السيطرة على المخيمات، بقوله “لم يعد بإمكان الانفصاليين عزل المخيمات، حيث فقدت قيادة البوليساريو قبضتها على تدفق الأخبار من الخارج، وأضحى بإمكان سكان المخيمات مشاهدة الرخاء في الجهة الأخرى من الحدود بالألوان الحية على هواتفهم الذكية التي يشحنونها من بطاريات السيارات ليتمكنوا من مشاهدة عمارات شاهقة وطرقات سيارة مكتظة وتيار كهربائي دون انقطاع وماء جار ساخن وبارد”.
تعتبر هذه المرافق “عجائب” بالنسبة لسكان المخيمات وتتسبب في جذب زهاء عشرة آلاف شخص في السنة خارج معاقل البوليساريو، ليتمكنوا من حياة كريمة في المغرب؛ ويتضاعف الإحساس بالغبن لدى سكان المخيمات عند رؤيتهم مشاركة مواطنين من الأقاليم الجنوبية في مفاوضات جنيف باعتبارهم المعنيين المباشرين بالقضية محل المناقشات.
بالإضافة إلى عمر هلال الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك، يمثل الأقاليم الجنوبية للمملكة منتخبون سيتقدمون بتمثيليتهم المشروعة لأبناء الصحراء المغربية، والمؤهلين أكثر للدفاع عنها. ويضم وفد الأقاليم الجنوبية سيدي حمدي ولد الرشيد رئيس جهة العيون- الساقية الحمراء، وينجا الخطاط رئيس جهة الداخلة- وادي الذهب، وفاطمة العدلي الفاعلة الجمعوية وعضو المجلس البلدي للسمارة.
ويعتبر التقرير أنه “مثلما كان الترياق المضاد لشيوعية ألمانيا الشرقية يتمثل في رخاء العيش في ألمانيا الغربية، يقوم الاقتصاد المغربي النشط بجذب الناس خارج نمط عيش قتالي إلى حياة الرفاه”، وهو أمر تحتاج الأمم المتحدة وضعه بعين الاعتبار عند الحديث عن ضرورة حل قضية الصحراء وطرح مقاربات وأطروحات للحل تبدو بعيدة عن استيعاب هذه التطورات. وفي انتظار التوصل إلى حل، يعيش لاجئون صحراويون في مخيمات. ويقدر عددهم بما بين 100 ألف إلى 200 ألف شخص، في ظل غياب إحصاء رسمي، وممارسات قمعية من جبهة البوليساريو واختراق مقلق للجماعات الجهادية في المنطقة بما يشكل خطرا أمنيا على المنطقة والعالم عموما.