من يعيق الولاية الخامسة لبوتفليقة: المعارضة أم أجنحة السلطة
رسالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الأخيرة إلى شعبه التي عاد بها إلى دائرة الجدل، تحمل بدورها رسائل مبطّنة لكل الطامحين إلى خلافته من معارضة أو موالاة، إذ تقطع عليهم الطريق للفوز بالسباق الرئاسي القادم، حيث اتهمهم بشكل غير مباشر بتقويض الاستقرار لانشغالهم بالمناورات السياسية مع اقتراب الانتخابات، في حين يشير مراقبون إلى أن كلمة بوتفليقة دعائية تمهّد لولاية خامسة له.
لا يزال الجدل قائما في الجزائر حول هوّية الدوائر المتربصة التي تحدث عنها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في رسالته الأخيرة، حيث لم يرد في كلمة الرئيس المزيد من التوضيح حول طبيعة تلك الدوائر أو من يقف خلفها، والتي اتهمها باستهداف استقرار البلاد مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، ولم يُتبيّن ما إذا كان يقصد المعارضة السياسية الراديكالية أو الأجنحة المتصارعة داخل السلطة على خلافته.
وأفصحت رسالة بوتفليقة الأخيرة إلى الرأي العام عبر منبر اجتماع للحكومة والولاة (المحافظين)، عن نوايا الرجل في البقاء بهرم السلطة إلى عهدة أخرى، بعدما ضمّنها خطابا دعائيا لإنجازات العقدين الأخيرين، فيما وجه تهم المغامرة والكيد والترصد لمعارضيه، الأمر الذي سيغلق لعبة السباق إلى قصر المرادية في ربيع العام القادم.
وقال بوتفليقة في رسالته إلى المشاركين في الاجتماع “من الطبيعي اليوم أن تستهدف الدوائر المتربصة والخلايا الكامنة استقرار البلاد وتتكالب عليها قصد تثبيط همتها والنيل من عزيمة أبنائها”. وأضاف “ما نلاحظه من مناورات سياسية مع اقتراب كل محطة حاسمة من مسيرة الشعب الجزائري إلا دليل واضح يفضح هذه النوايا المبيّتة التي سرعان ما تختفي بعد أن يخيّب الشعب الأبي سعيها.”
ورغم الشكوك الحائمة حول مصدر الرسالة، ووصفها من طرف بعض الأطراف بـ”الرسالة المنسوبة” للرئيس في إشارة لما تسميه بـ”الدائرة الضيقة التي تدير شؤون البلاد باسمه وتقرر في مكانه”، فإنها تمهد الطريق لمخرجات تكرس استمرار الوضع السياسي في البلاد، على النحو الحالي، عقب الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد أربعة أشهر.
وتستعد الجزائر لإجراء الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل، ولا تستبعد الأوساط السياسية ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
واحتفظ هامش الضبابية الذي تضمنته رسالة بوتفليقة، حول المستهدفين فيها بانتقاداته اللاذعة، بمجال المناورة بين الأجنحة المتصارعة داخل أركان السلطة، لأن إسقاطها على المعارضة السياسية، يكون بنفس التطابق على الأجنحة المذكورة، وحينها يمكن اعتبارها تصفية حسابات بشكل استباقي لقطع الطريق على الطامحين إلى قصر المرادية (قصر الرئاسة) خلفا له.
لكنّ عارفين بشخصية بوتفليقة، شككوا في بعض قرارات ورسائل بوتفليقة، لتضمّن الخطاب مفردات ومواقف تتنافى مع شخصية الرجل المعروف بحنكته السياسية وبأساليبه الخاصة حتى في خطاباته، كما أن العدوانية التي تضمنتها الرسالة الأخيرة ليست من خصائصه ولا أساليب إدارته لشؤون البلاد، الأمر الذي يعزز استحواذ محيطه على سلطاته.
ولم يكن للرجل أن يناقض نفسه، بعد توجيه انتقادات لجهات معينة قد تكون من صناعته، إذا كان القصد من وراء ذلك الحكومات المتعاقبة والمنظومة الإدارية التي أفشلت تنفيذه لمشروعه، وهو ما يقود إلى اعتراف مبطن بفشله، وهذه ليست من الخصال السياسية لبوتفليقة.
واعتبر الوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي أن رسالة بوتفليقة بمثابة “اعتراف غير مباشر بمسؤولياته في الجمود الذي تعيشه الساحة السياسية في الجزائر، لا سيما وأنها تضمنت جردا لعيوب سياسته دون رقابة شعبية أو قضائية، كما أن لهجتها لم تصب في اتجاه طمأنة الشعب ولا القادة أنفسهم”.
وذكر عبدالعزيز رحابي على صفحته الرسمية في فيسبوك، أن “الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يتحمّل مسؤولية الأزمة، حيث أنه لم ينظم خلافته التي ستضمن استمرارية النظام، كما لم يحدد شروط منافسة سياسية مفتوحة وشفافة وذات مصداقية، مما يبرّئ ساحة المعارضة في ما يتعلق بالأزمة السياسية في البلاد”.
ووصف الرسالة بـ”خطاب التخويف والتهديد الأمني، لتبرير الوضع الراهن ورفض البدائل خارج الرئاسة، من خلال وضع نفسه في قلب كل شيء، بعيدا عن الاهتمام بالأساسيات التي تتعلق في الأساس بكرامته وكرامة شعبه وصيانة صورة بلده”.
وذهب محسن بلعباس، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، إلى وصف خطاب بوتفليقة الذي تُلي باسمه من طرف المستشار في الرئاسة حبة العقبي بـ”العنيف جدا”، ويوحي بـ”شكوك تنتاب رموز النظام في هذه المرحلة التي تسبق الاستحقاق الرئاسي”.
واستبعد بلعباس أن يكون الخطاب موجها للمعارضة السياسية رغم تعالي أصوات المقاطعة من طرف بعض القوى، كحزب جيل جديد، وشدّد على أنه موجه إلى أطراف من داخل النظام تعلن مساندتها للرئيس ومحيطه، لكنها في الواقع تتصرف بشكل يناقض ما تصرّح به.
ويشير بلعباس بشكل صريح إلى بعض الأجنحة الفاعلة داخل السلطة، على غرار رئيس الوزراء الحالي، وزعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، المتّهم من طرف حلفائه في معسكر الموالاة، بالتخطيط والمناورة لأجل تقديم نفسه كخليفة أو بديل لبوتفليقة في قصر المرادية.
ولم يستبعد المتحدث، أن تكون مسألة “المساس بالمؤسسات والدستور”، التي تصدّرت الرسالة، تلميحا لبعض رموز السلطة وإلى قضية البرلمان أو الأشخاص الذين أطاحوا برئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة، رغم تنافي مخططهم مع التشريعات الداخلية للمؤسسة ومع دستور البلاد.
ولفت محسن بلعباس إلى أن “الأشهر التي أعقبت الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت العام الماضي أفرزت مجموعة من الرموز لا تتوانى في انتهاك الدستور والمؤسسات”.
ورأى بلعباس أن “رسالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة تكشف حجم الارتباك في هرم السلطة، بدليل التردد المسجل لغاية الآن، بشأن مرشح السلطة للانتخابات الرئاسية، وما ورد فيها هو جس نبض قبل اتخاذ قرار نهائي”.