“طنجة للفنون المشهدية” يفتح ملف المسرح العربي المهاجر؟
اختتم، مساء الثلاثاء، مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية الذي افتتح في الثالث والعشرين من نوفمبر الجاري، بمدينة طنجة المغربية، حيث تضمنت فعاليات دورته الرابعة عشرة ندوات ومحاضرات فكرية، وعروضا فرجوية ومسرحية، وورشات فنية، إلى جانب جلسات فكرية للباحثين الشباب، ولقاءات مفتوحة.
يعتبر العرض المسرحي التجريبي “هكذا يتحدث جلجامش”، للمخرجين الكرديين العراقيين شمال أمين ونيكار حسيب المقيمين في فيينا، والذي يؤديه ممثلون من مختلف المدن المغربية، محاولة لاكتشاف التحول الذي يمارسه الكائن الحي الفاعل في الفضاءات، بوصفه فعلا إراديا من أجل إيجاد أقصى مستوى للطاقة، ومن ثم الوصول، عبر “الكيفية” إلى “النوعية” بغية التخلص من كل شيء للوصول إلى الإنسان الكامل.
وعلى الرغم من اعتماد العرض على الصوت الخام والقليل من الحركة، انطلاقا من منهج “مختبر لاليش” الذي يقوم على “الحدث الصوتي”، وندرة الحوار، باللغة الكردية القديمة حينا والسومرية حينا آخر، فقد استطاع المؤدون، أو المحتفلون أن يأسروا مشاهدي العرض طوال المدة الزمنية التي استغرقها في اختتام فعاليات الدورة الـ14 لمهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية، بمدينة طنجة المغربية.
وعرض المهرجان الذي اختتم في السابع والعشرين من الشهر الجاري، في سياق محور الندوة الفكرية التي نظمها، والتي حملت عنوان “عبر الحدود: المسرح وقضايا الهجرة”، شريطا وثائقيا يحكي قصة شاب سينغالي، غادر وطنه بشكل غير قانوني ليجد نفسه من غير وطن، ومن ثم تبدأ معه رحلة البحث المضنية عن الانتماء، وصعوبة نيله لسبب أو لآخر.
هذا وكانت للباحثين والأكاديميين صبيحة يوم الاختتام جلسة علمية ختامية مع الطلبة والباحثين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، حيث خلص المتدخلون إلى أن مسرح ما بعد الهجرة يتميز بتنوع المنجز وتعدد الفاعلين فيه، إذ يمكن تصنيف مسرحيي المهجر إلى صنفين: من غادر البلاد في سياقات مختلفة بعدما درس في الوطن وناضل داخله ليجد نفسه في النهاية موزعا بين المنافي، ومن ولد وترعرع في الضفة الشمالية، وهذا الصنف، تحديدا من الجيل الثالث أو الرابع، هو موضوع نقاش ندوة المهرجان في دورته الرابعة عشرة.
وأشار المتدخلون في خلاصاتهم إلى أن الجيل الأول من المسرحيين العرب هاجر إلى الغرب حاملا مسرحه؛ وهو الأمر الذي مكن من تحقيق تداخل ثقافي بين أساليب فرجوية تنتمي إلى الوطن الأم وبلد المهجر، إذ تفاعلت الخصوصية الثقافية مع الثقافات الفنية الأخرى، وبذلك أسس هذا الجيل شراكة إبداعية بين الثقافات، وبلور علاقة الذات بالآخر من خلال الجسد المسرحي.
مع تعاقب الأجيال في المنافي ظهر جيل جديد من الفنانين من خلفيات ما بعد الهجرة في مجال المسرح الذي ينتج فنا عابرا للحدود
وهنا لم تعد الهوية رهينة موروث ثقافي جامد وثابت، بل حصيلة سيرورة وانبناء دون فقدان السمات المميزة للثقافة الخاصة، وأنه ومع تعاقب الأجيال في المنافي ظهر جيل جديد من الفنانين من خلفيات ما بعد الهجرة في مجال المسرح الذي ينتج فنا عابرا للحدود، ويعيش في فضاء “بيني” منطقة اتصال يصبح التبعثر فيها تجمعا؛ فمسارح أبناء المهاجرين وأحفادهم هي انعكاس لهويات هاربة تروم تأزيم مفاهيم من قبيل: الوطن الأم، اللغة الأم، الثقافة الأم، إذ يقوم فنّانو المهجر بإعادة كتابة جدلية “نحن” و”هم”.
وقد أصبح هؤلاء الفنانون، أمثال سيدي العربي الشرقاوي، كريم تروسي، إيميلي جاسر ونوري السماحي ليس فقط أكثر تأثيرا في البنى الثقافية لدول المهجر كفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وأميركا، بل أيضا أكثر حضورا في مهرجانات وملتقيات المدن الكبرى مثل باريس، بروكسل، أمستردام، وبرلين ما بعد هدم الجدار.
وفي الصبيحة نفسها احتضنت كلية الآداب لقاء مفتوحا مع الكاتب المسرحي الطنجاوي الزبير بن بوشتى لما حققته نصوصه المسرحية من انتشار وإشعاع على المستوى العربي والأوروبي، حيث ركز اللقاء، الذي شارك فيه كل من الأكاديمي خالد أمين والباحثة صوفي بروست، على كيفية هجرة النصوص عبر اللغات من ثقافة إلى أخرى.
وشهد اللقاء تفاعلا مع ضيوف المهرجان ومع الطلبة الباحثين لأهمية موضوع الترجمة الأدبية وإشكالياتها من جهة، ولكون أعمال الزبير بن بوشتى تُرجمت إلى 5 لغات هي الأمازيغية، الفرنسية، الإسبانية، الإيطالية والإنكليزية من جهة أخرى.
وكانت فعاليات حفل الافتتاح قد انطلقت في الـ23 من نوفمبر الجاري، حيث اختار المهرجان في دورته الحالية أن يحتفي بمسار الألمانية غابرييل براندشتيتر، أستاذة الدراسات المسرحية والرقص بالجامعة الحرة ببرلين والمديرة المساعدة للمعهد الدولي لتناسج ثقافات العرض، لإسهاماتها العديدة، تنظيرا وتطبيقا، في حقل الدراسات المسرحية، خاصة في المسرح المعاصر وفن الرقص والمسرح والنوع، إضافة إلى كتاباتها وأبحاثها العلمية حول الجسد والحركة في فنون العرض.
وكذلك مسار المسرحي المغربي الحسين الشعبي، لإسهاماته المتنوعة في المشهد المسرحي المغربي، تأليفا وإخراجا وإنتاجا على مدى أربعة عقود من الزمن، كان محصلتها ما يناهز ثلاثين عملا مسرحيا، إضافة إلى متابعات وكتابات نقدية نشرها في عدد من الصحف والمجلات والكتب الجماعية.