لطيفة رأفت رمز من رموز جمال المغرب ومدنيته يواجه الإسلاميين بصلابة
كان لها نصيب من تداخل الفني بالسياسي، كما يحدث في مرات كثيرة، حين يتحول الفنان إلى نجم كبير ورمز من رموز بلاده الثقافية تستند إليه في منعطفات هامة عديدة. وكذا حال لطيفة رأفت التي لازالت صلدة، متحمسة ومحافظة على نضارتها وصوتها وعلاقاتها داخل كل الأوساط الفنية والسياسية والشعبية، فأدت أغاني الحب وتغنت بالوطن والغربة والأمل والمآل.
ونظرا لموقعها على الساحة الفنية تسلمت الفنانة المغربية في التاسع من يناير العام 2018، منصبها كسفيرة لمنظمة الأمم المتحدة للفنون ومديرة إقليمية للمنظمة في المغرب وشمال أفريقيا بالقاهرة.
بالنسبة للطيفة، فإن السياسة تختصرها في الملك والشعب، لا أقل ولا أكثر، وأن الحب والفن سياسة، وهي تنفي وجود أي علاقة تجمعها بالأحزاب السياسية ولا تعاني من خلافات سياسية بالمغرب، فمسيرتها الفنية والشخصية ليست كلها ميسّرة ودون عقبات، وكان صعودها سلم الفن ببلدها المغرب صعبا في زمن الأصوات القوية والأسماء اللامعة محليا وعربيا.
لطيفة وإخوان المغرب
اللافت هذه الأيام أن رأفت دخلت صراعا سياسيا دون إرادتها مع قيادي في حزب العدالة والتنمية رفعت ضده شكاية لدى القضاء، بعدما صرح علانية أنها تسلمت مقابل مشاركتها في المهرجان الثالث للحوافات مبلغا يتراوح بين 200 و300 مليون درهم من جماعة الحوافات بإقليم سيدي قاسم. اعتبرت رأفت أن ما قام به ذلك القيادي من تشهير واستغلال اسمها في حسابات سياسية ليست لها أي علاقة بها.
وحتى تتوضّح الأمور بشكل جلي، فإن مشاركتها في المهرجان الثالث لجماعة الحوافات تزامنا مع احتفالات عيد العرش المجيد كانت مجانية وتطوعية، في إطار المواكبة للمشاريع التي تعرفها جماعة الحوافات، وفي إطار حبها للجماهير القروية أرادت أن تنزل إلى هذه الجماعة القروية وغيرها من الجماعات من أجل الاقتراب من جمهورها في “المداشر”والقرى.
إنه تشهير لا أخلاقي وامتداد للصراع الذي تعيشه الفنانة مع حزب العدالة والتنمية إبان المقاطعة التي أعلنت فيها صراحة وقوفها في صف الشعب المغربي، الشيء الذي لم يرق للحزب، إذ اتصل بها في تلك الفترة سعدالدين العثماني محاولا ثنيها عن موقفها، لكن رغم هذه الاتصالات والضغوط من طرف الحزب ظلت متشبثة بالمقاطعة.
وحتى يبرّئ ذمته، فسّر عبدالرزاق العسلاني الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بسيدي قاسم، ما قام به أنه جاء كإشارة بسيطة إلى سوء تدبير أموال الجماعة، وبدوره ألقى باللوم على الفنانة، معتبرا أن خصوما أغروها بذلك واستدرجوها لمعركتهم الانتخابية. لكن رأفت استمرت مدافعة عن نفسها ومبادئها، نافية أن تكون لعبة بيد سياسيين أو في خدمة حساباتهم، فهي تقول “لست مع حزبه ولا ضده، وشكايتي ضده هي شكاية لرد الاعتبار ولم أتقدم بها بالتنسيق مع أي جهة”، وطالبت الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعدالدين العثماني، بتحمل مسؤوليته تجاه ما تفوّه به القيادي في حزبه ضدها، معتبرة أنه لا يعقل أن واحدا ينتمي لحزب كبير يتحكم في الحكومة يقول هذا الكلام.
ليس للفنان في النهاية سوى سمعته، فإن تم خدشها بسلوك مشين أو شائعة فهذا يؤثر على نفسيته ومسيرته خصوصا إذا كان هذا الفنان له مكانة في قلوب محبيه، فالتشهير برأفت كما يرى دفاعها بكيفية علنية وطرحها عبر وسائل الاتصالات الإلكترونية والنيل من سمعتها، علاوة على جهل المشتكى به لحقيقة تطوعها وسعيها إلى الخير كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، قد ألحق بها ضررا كبيرا.
المنطقة التي أقيم فيها المهرجان خرجت حديثا من الفيضانات وذهابها كان بنيّة أن تبين للناس أنه مازال الخير، وقد عبرت فعلا عن مواقف مناهضة للمهرجانات التي تخسر عليها ميزانيات ضخمة، حيث قالت “أنا كنت دائما مع الشعب ضد مهرجان تخسر عليه المليارات”، لهذا فالتحامل عليها لا ينبني على موقف بريء.
ولدت الفنانة المغربية في 25 نوفمبر 1965 بمدينة القنيطرة، وكانت أول تجربة لها في تسجيل الأغاني في سن 17 عندما سجلت أغنية لها “موال الحب”، ودخلت غمار الحياة الزوجية في العام 1984 وكان زوجها الراحل حميد العلوي قد ساندها بصفته منتجا وفنانا، ففازت بعد سنة بلقب أفضل مغنية مغربية بأغنية “خويي خويي”، لتضع أولى خطواتها في طريق النجاح والتميز بأغان هي الأجمل في “ريبرتوار” الأغنية المغربية.
قوة المغرب الناعمة
ترشحها لمسابقة “أضواء المدينة” ونيلها إعجاب لجنة التحكيم وكل الملحنين من ذوي التجربة والمكانة الفنية الكبيرة وفي مقدمتهم عبدالقادر الراشدي، كانا بمثابة بداية الطريق نحو النجومية، فمجايلتها للعمالقة في الفن الموسيقي واهتمامها بالكلمات الراقية واللحن المتميز إضافة إلى حب الجمهور والتزامها باللهجة المغربية، كانت كما تقول عوامل نجاحها واستمرارها، فهي دائمة الافتخار بتميّزها المغربي الذي جعل منها اليوم الفنانة المغربية الوحيدة التي ظلت متشبثة بلهجتها المحلية والتي استطاعت أن تفوز بهذا اللقب المهم من بلاد الشرق.
انفتاحها على الأسماء المغاربية دفعها إلى تسجيل أغنية على شكل دويتو مع الفنان الجزائري محمد لمين بعنوان ”توحشتك بزاف”، وفي العام 2010 تعاملت مع الفنان الجزائري سمير التومي في أغنية ”حابة نشوفك”، وبعد عامين سجلت ”يا ريت” مع الفنانة فلة الجزائرية ومحمد الراوي الجزائري الجنسية وأيضا بلقاسم زيطوط.
وقبل سنوات رفضت رأفت الغناء في مهرجان موازين، بسبب ذكرى أخيها الذي كان قبل موته بست ساعات حاضرا معها، وغنت له على مسرح موازين أغنية “يا خوي”، وبكت فيها بشدة.
حين قاطعت موازين 2018 لاقت استحسانا كبيرا من جمهورها، وقالت “نحن مقاطعون من أجل هذا الوطن الحبيب، مغاربة حتى النخاع كفاكم استفزازا واستهزاء بالشعب المغربي، فلا يمكن أن أكون متضامنة مع الشعب وأشارك في موازين، أكيد لا ولا وثم لا حتى تسوّى الأوضاع، فبلادنا وعائدات موازين كثيرة هي أماكن صرفها”.
حضور البلاط في حياتها
كان اتصال العاهل المغربي الملك محمد السادس بها سببا في تراجعها عن قرار اعتزال الفن بعد وفاة شقيقها. فعدلت عن الاعتزال بعدما قال لها الملك “إن مكانها محفوظ في صدارة الفنانين المغاربة من أجل تشريف الوطن”.
ولازالت إلى حد الساعة لا تستبعد فكرة الاعتزال، وبأن الفكرة تراودها، لكنها حينما تلتقي جمهورها تشعر بالحماس فتتراجع عن الفكرة، وبأنها إن اعتزلت يوما الفن، فسيكون اعتزالا بشكل نهائي لا رجعة فيه.
حياة الفنان تتراوح بين المتعة والألم وقد تألّمت صاحبة “مغيارة” و”أنا في عارك يا يما” و”دنيا” و”يا هلي يا عشراني” و”الحمد لله”، خصوصا بعد تجربة طلاق في العام 1993 والتي أثرت على معنوياتها وجسدها الذي لم يتحمل الصدمة فوقعت مشلولة، ولكنها ناضلت لأجل الاستمرار والتميز وكان لها ذلك، فعادت مرة أخرى إلى الساحة الفنية بوجه مشرق وصوت صادح.
وبما أن متعة الفنان تتجلى في التفاتة أو تصفيق أو توشيح، فقد غمرها شعور جارف بعدما وشحها العاهل المغربي بالوسام الملكي في عيد العرش، معتبرة أنه أغلى وسام تفتخر به بالرغم من تعدد أوسمتها وتكريماتها. لتبقى فنانة متألقة لها جمهورها الكبير والذي التفّ حول صوتها الذي لم يكن عاديا وإلا ما استحسنه الراحل الحسن الثاني الملك الفنان، الذي تفتخر رأفت بأنها كانت تحت رعاية سامية من جانبه، فنيا وعائليا، وتُرجع إليه الفضل في عدم
مغادرتها المغرب.
تعترف بأن الملك الراحل كان دائما يشجعها ويطلب منها البحث في التراث المغربي وفي الأغاني القديمة، وقد أدت أغنية “أش داني” لأول مرة أمامه ونالت إعجابه كثيرا وطلب منها تسجيلها ففعلت.
هدية الحسن الثاني
تفسر رأفت إعجاب الحسن الثاني ورضاه عليها، بأنهما كانا لتميزها الفني وتشبثها بوطنيتها. تقول “لازلت أتذكر إلى اليوم جملة مؤثرة قالها لي، وأنا على فراش المرض (الله لا يوريني فيك شر يا لطيفة) وكانت أعظم هدية قدمها لي أن بعثني برفقة والدي رحمه الله لأداء مناسك الحج سنة 1991، حيث كانت أول فرصة تتاح لي لأداء فريضة الحج على يد الحسن الثاني، لأنه كان يعرف على الرغم من أنني مطربة، تشبثي بديني خصوصا وأنا أنتمي لمدينة وزان المعروف عن سكانها أنهم محافظون جدا، وكان يعرف أنني من الناس الذين يحفظون القرآن ويجوّدونه، فكانت هذه أعظم هدية تلقيتها منه”.
شاركت رأفت في احتفالات زواج الملك محمد السادس، وهي تحتفظ بصورة خاصة له هو والأميرة لالة سلمى عندما كانا يتوجهان صوب منصة “البرزة”، وهي تغني له “علاش يا غزالي”، وكانت حاضرة في حفل عقيقة ولي عهد الأمير مولاي الحسن، وقالت إن هناك محبة وصداقة بينها وبين الأميرات.
وبعد مبادرة العاهل المغربي لمد جسور الحوار والتواصل مع الجارة الجزائر، علقت رأفت بالقول “كفنانة، بعد الخطاب الملكي، مازال لدي أمل أن أتغنى بقطعة (الجزائر والمغرب خاوة) مجددا، وأؤكد للجميع معرفتي بالشعب الجزائري. أقسم بالله أنه من أخير الشعوب ومن أكثرهم حبا لإخوانهم في المغرب”.
لم تكن لطيفة رأفت بعيدة في يوم من الأيام عن السياسة، وإن لم تمارسها. واليوم هناك من يقول إن رأيها السلبي حول منجزات الحكومة التي كان يقودها عبدالإله بن كيران، كان سببا في حنق الإسلاميين عليها، ومنها حصيلة وزارة التضامن والأسرة التي تقودها الوزيرة بسيمة الحقاوي عن حزب العدالة والتنمية في ما يتعلق بالمرأة، إذ أكدت رأفت أن الوزيرة لم تفعل شيئا للمرأة.
واليوم، هاهو القضاء المغربي يأمر باستدعاء العثماني بصفته أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، بعد لجوء الفنانة المغربية إليه لإنصافها من افتراءات الحزب عليها.