مسلسل الإقالات في السلطة الجزائرية يقترب من النهاية
أسر مصدر سياسي مطلع بأن خطوة التغيير الحكومي المنتظرة ستنهي مسلسل التغييرات في البلاد وستكشف عن معالم مرحلة جديدة في الجزائر تكرسها صفقة سياسية بين أركان النظام، استعدادا لخوض الاستحقاق الرئاسي بعد جدل خيم على المشهد العام في المدة الأخيرة.
وأضاف المصدر أن “أهمية التغيير والحلقة الأخيرة تكمن في تنحية رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى، الذي لم يدخل في حسابات الحلقة التي ستفرض القرار، بسبب طموحاته السياسية المبكرة، وفي الموقع الذي سيشغله الجنرال أحمد قايد صالح في المرحلة المقبلة، فهو مرشح لحمل حقيبة وزارة الدفاع الوطني”.
يتطلع الشارع الجزائري إلى الكشف عن مضمون الحلقة الأخيرة من المسلسل المشوق الذي خيم على أعصاب الجزائريين طيلة الأشهر الأخيرة، بسبب التغييرات المفتوحة في مؤسسات الدولة، تمهيدا للوصول إلى صفقة نهائية بين أركان السلطة، تحسبا لخوض الانتخابات الرئاسية المنتظرة في أبريل القادم.
وأعادت التسريبات الأخيرة في الجزائر واحدا من السيناريوهات المطروحة منذ مدة، والمتمثل في استحداث منصب نائب رئيس للجمهورية، في تعديل دستوري طفيف يتم تمريره عبر البرلمان، يكفل للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الاستمرار في السلطة، بينما يضطلع نائبه بكل المهام والصلاحيات.
وتهدف الخطوة لإضفاء الحركية على مؤسسة الرئاسة المشلولة منذ إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية في أبريل 2013، والخروج من مأزق سياسي يخيم على البلاد في السنوات الأخيرة. وإذ لم يحسم في هوية الرجل الذي سينوب عن بوتفليقة، فإن بعض التكهنات ترشح الجنرال أحمد قايد صالح لشغل المنصب، وهو ما يعزز التوقعات التي تحدثت خلال الأيام الأخيرة عن تنحية قايد صالح من منصبي قائد أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الوطني، الأمر الذي يمهد الطريق إلى بروز أجندة جديدة لإنهاء الصراع المحتدم داخل دوائر السلطة حول المخرج النهائي لأزمة الاستحقاق الرئاسي.
ووفق التسريبات الأخيرة، فإن رئيس الوزراء الحالي سيكون الضحية الأبرز للسيناريو المحتمل، رغم تسريع جناحه لوتيرة المناورة والضغوط في كل الاتجاهات، بما فيها تقديم أوراق المهادنة لقصر الإليزيه، خلال الخطاب الذي ألقاه في باريس
بمناسبة تنظيم مئوية نهاية الحرب العالمية الأولى، لما ألمح إلى “تنازلات رمزية وتطبيع تاريخي” يتعلق بالمرحلة الاستعمارية (1830-1962).
ورغم نجاح جناح أويحيى في فرض ما أسماه بسياسة “الأمر الواقع″ في عدد من المحطات السياسية، بدل الامتثال للشرعية الدستورية والقانونية كما حدث مع تنحية رئيس البرلمان السابق سعيد بوحجة نهاية الشهر الماضي، فإنه اصطدم بمقاومة شرسة في أروقة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم.
فالاستقالة المثيرة للأمين العام جمال ولد عباس واستخلافه برئيس البرلمان الحالي معاذ بوشارب، لم تكن محل اطمئنان وقبول “حراس المعبد” في ضاحية حيدرة بأعالي العاصمة.
وطرح التغيير الحكومي في الجزائر منذ أشهر، إلا أنه تعطل بسبب ضغط التغييرات العميقة في مختلف المؤسسات الرسمية، فضلا عن عدم وصول الأجنحة النافذة إلى صيغة مقبولة من طرف الجميع، قبل أن يستعيد أويحيى هامش المناورة بعد أشهر من الانكفاء على نفسه، والاكتفاء بعباءة حزبه ‘التجمع الوطني الديمقراطي’ للدفاع عن مواقفه وخياراته. واعتبر مراقبون الهجوم الأخير لوزير العدل طيب لوح على مسؤوله المباشر أحمد أويحيى، تمردا يعكس موقف جناح قوي داخل السلطة، خاصة لما جهر بـ”اتهامه بالتعسف وتوظيف القضاء لتنفيذ حملة الأيادي النظيفة التي شنها في تسعينات القرن الماضي ضد كوادر ومسؤولين سامين في الدولة، وتلغيم شعبية الرئيس بفرض رسوم وضرائب عشوائية في قانون الموازنة العامة الأخير”.
الجنرال أحمد قايد صالح مرشح لتولي حقيبة الدفاع ومنصب نائب رئيس الجمهورية الذي سيستحدث بتعديل دستوري مرتقب
ورفض طيب لوح، المرشح لخلافة أويحيى، ما وصف في دوائر إعلامية بـ”اعتذار الوزير لرئيس الوزراء”، ونفى في بيان رسمي أي شكل من أشكال الاعتذار وتمسك بما ورد على لسانه في الخطاب الذي ألقاه في مدينة وهران أمام جمع من المدعوين ونشطاء المجتمع المدني، مما يرسم القطيعة بين الرجلين والجناحين.
ولا يزال ولد عباس وقياديون بارزون في الحزب، غير معترفين بقرار الاستقالة ولا مطمئنين للوافد الجديد معاذ بوشارب، حيث جهر عضو المكتب السياسي أحمد بومهدي بنفي الاستقالة وبرفض تعيين بوشارب في هرم الحزب.
وشدد على “الكيفية التي يعالج بها القانون الداخلي للحزب حالات شغور منصب الأمانة العامة”، لقطع الطريق على الرجل الذي تنامت الشكوك حول خدمته لأجندة خارجة عن الحزب، في إشارة إلى مناورات جناح أويحيى في تمهيد الأرضية لخلافة بوتفليقة في قصر المرادية.
ويتجه الوضع داخل الحزب الحاكم إلى تعيين قيادة جماعية تضطلع بمهمة تسيير شؤون الحزب إلى غاية عقد مؤتمر استثنائي بعد الانتخابات الرئاسية، كما سجّل غياب لافت للمنسق المعين خلفا لولد عباس عن أشغال الحزب الأخيرة، مما يوحي إلى ضعف موقفه وموقف الجهة التي تراهن عليه لترويض جبهة التحرير لحساب أجندة معينة.