العاهل المغربي يعيد تشكيل مجلس المنافسة بصلاحيات واسعة
أنهت الرباط أخيرا حالة الجمود المستمرة منذ سنوات في مجلس المنافسة بتعيين إدارة جديدة وتوسيع صلاحياتها لتعزيز استقطاب الاستثمارات وتشديد معايير حماية المنافسة في أعقاب حملة المقاطعة الشعبية التي اجتاحت البلاد قبل أشهر.
عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس مسؤولا على رأس مجلس المنافسة باختصاصات واسعة بعد أن ظل المنصب شاغرا لسنوات، في خطوة تعكس عزم الرباط على تعزيز الاقتصاد من خلال ترسيخ مبادئ المنافسة في السوق.
وتهدف الرباط من تشديد معايير المنافسة إلى جذب المزيد من الاستثمارات للسوق المحلية خاصة مع تزايد ثقة المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف الائتماني بمناخ الأعمال المستقر في البلاد.
وذكر بيان للديوان الملكي أن “الملك محمد السادس أعطى توجيهاته للرئيس الجديد إدريس الكراوي من أجل قيادة المجلس باستقلالية وحياد والمساهمة في ترسيخ الحوكمة والرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني ومن قدرته على توفير القيمة المضافة وفرص عمل”.
ويأتي تعيين الكراوي، الذي كان أمينا عاما للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعد انتظار دام لأكثر من أربع سنوات.
ونظرا إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المغرب فمهمة الكراوي ستكون صعبة، وفق خبراء اقتصاد، كونها ستظهر قدرته على تفعيل المهام الجديدة للمجلس في السوق المحلية والدولية.
ويعتقد محمد ياوحي، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس في تصريح أن المنافسة هي الحلقة المفقودة في اقتصاد البلاد، وهي التي بإمكانها جلب الاستثمارات المحلية والأجنبية وإعادة الثقة لمناخ الأعمال وإلى الإدارة كحكم محايد ونزيه بين مختلف الفاعلين.
وبعد حملة مقاطعة شعبية في شهر أبريل الماضي، استهدفت 3 شركات كبيرة تعمل في قطاعات الوقود وصناعة المياه المعلبة والحليب ومشتقاته، ارتفعت الأصوات على ضرورة إخراج مجلس المنافسة للوجود من أجل ضبط السوق، وأساسا الإسهام في حماية المواطنين من استغلال التجار.
ووجهت للمجلس انتقادات لاذعة خلال حملة المقاطعة وقد شكّل الفراغ على مستوى تشكيلته فرصة للحكومة للتهرب من تسقيف سعر الوقود على سبيل المثال.
وبات المجلس منذ أغسطس 2014 مؤسسة تقريرية وشبه قضائية ومن أقوى صلاحياتها “المبادرة الذاتية” في ضبط وتقنين الأسواق، ومعاقبة كل من يخلّ بقواعد وقانون المنافسة، علاوة على مهام الاستشارة وإبداء الرأي وإنجاز الدراسات.
وقال الخبير المغربي ياوحي إن “الدولة تجد نفسها أمام ضغط شعبي غير مسبوق بسبب تغوّل المحتكرين وتضرّر المواطن من هيمنتهم”.
ولفت إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تعيش حالة ركود غير مسبوقة، إلى جانب إفلاس البعض منها بسبب صعوبة سداد القروض ودفع رواتب الموظفين والعمال.
ولذلك يعتقد ياوحي أن رئيس مجلس المنافسة الجديد مطالب أن يتشجع ويواجه لوبيات الاحتكار، كما يجب النهوض بمجلس المنافسة كمؤسسة دستورية تقريرية حتى لا تبقى تقاريره حبيسة الرفوف، وحتى تعطى الآليات اللازمة لأعضائه للاشتغال في استقلالية وأريحية بعيدا عن كل المضايقات المحتملة.
ووفق الفصل 166 من الدستور المغربي، يعتبر مجلس المنافسة هيئة مستقلة مكلّفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة عبر تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.
ورغم أن القانون السابق جعل من مجلس المنافسة مؤسسة استشارية فقط، لكن الدراسات التي أنجزها حسب خبراء اقتصاد كانت فعّالة، وأثارت نقاشات واسعة وسط الرأي العام بالنظر إلى الاختلالات التي أثبتتها، خصوصا وأنها شملت قطاعات اقتصادية حيوية مثل سوق الاتصالات.
ويعتبر مجلس المنافسة جهة حكومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، ويضم في تركيبته جهازا إداريا متنوّعا، ولديه موارد مالية عامة وخاصة، وقد أُسندت إليه عدة اختصاصات تقريرية في مجاله، كانت إلا حدود 2014 بيد الحكومة.
وحاليا، بات المجلس ذا طابع تنفيذي، لهذا يقول ياوحي إنه يتوجّب عليه القيام بدوره على أكمل وجه عبر ملاحقة الشركات أو الجهات أو التحالفات الاقتصادية التي تمارس الاحتكار والإخلال بمبدأ المنافسة في السوق.
وحتى يقوم المجلس بمهامه، فإن القانون وفر تركيبة متماسكة تشمل خبراء ومختصين، فإلى جانب الرئيس والكاتب العام، الذي تم تعينه وهو محمد أبوالعزيز، فهناك 12 عضوا آخر من ذوي الاختصاص يعيّنون بمرسوم لرئيس الحكومة.
ويتشكّل المجلس من 4 نواب للرئيس، منهم اثنان من القضاة يقترحهم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، و8 مستشارين، أربعة منهم يختارون بالنظر إلى كفاءتهم في الميدان الاقتصادي أو المنافسة، و3 أعضاء يزاولون أو سبق لهم أن مارسوا نشاطهم في قطاعات الإنتاج أو التوزيع أو الخدمات، وعضو يختار بالنظر إلى كفاءته في ميدان حماية المستهلك.