واشنطن تضغط لضمان نفط سعودي أوفر في السوق
تظهر الولايات المتحدة أكثر من وجه في تعاطيها مع مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فهي من ناحية تظهر ثقتها في أن التحقيق الرسمي السعودي في القضية على الطريق الصحيح، لكنها من ناحية أخرى تستبقي هذه الورقة للضغط على الرياض وثنيها عن خفض معروضها النفطي في السوق والحفاظ على الأسعار في الحدّ الذي يتماشى مع مصلحتها.
تظهر الولايات المتحدة أكثر من وجه في تعاطيها مع مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فهي من ناحية تظهر ثقتها في أن التحقيق الرسمي السعودي في القضية على الطريق الصحيح، لكنها من ناحية أخرى تستبقي هذه الورقة للضغط على الرياض وثنيها عن خفض معروضها النفطي في السوق والحفاظ على الأسعار في الحدّ الذي يتماشى مع مصلحتها.
ويقول مراقبون إن الإدارة الأميركية انضمت إلى جوقة التسريبات التركية ووسائل الإعلام الأميركية لإبقاء الضغط على الرياض ومنعها من التحرك لتعديل وضع الإنتاج والأسعار، مشيرين إلى تسريبات وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي.آي.أي” التي تهدف إلى الزج بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في القضية.
ونقلت واشنطن بوست تسريبات عن أنّ “سي.آي.أي” قامت بتقييم معطيات استخبارية عدّة، بينها خصوصا اتّصال هاتفي بين جمال خاشقجي والأمير خالد بن سلمان، شقيق وليّ العهد السعودي، والذي يشغل منصب سفير المملكة في واشنطن.
وبحسب الصحيفة، فقد نصح خالد بن سلمان خاشقجي بالتوجّه إلى القنصليّة السعوديّة في إسطنبول للحصول على المستندات التي كان بحاجة إليها، مؤكدا له أنّه لن يتعرّض لأذى، وأن هذا الاتصال تم بناء على طلب من شقيقه ولي العهد.
وسارع الأمير خالد إلى الردّ عبر تويتر على هذه الاتّهامات التي رفضها بشدّة. وكتب “هذا اتّهام خطير، ويجب ألّا يُترك لمصادر مجهولة”، مُرفقا تغريدته ببيان قال إنّه أرسله إلى واشنطن بوست.
وجاء في هذا البيان أنّ “الأمير خالد لم يُناقش في أيّ وقت من الأوقات مع جمال أيّ شيء يتعلّق برحلة إلى تركيا”.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنّ مسؤولين أميركيين حذّروا من أنّ وكالتيْ الاستخبارات الأميركيّة والتركيّة لا تملكان دليلا واضحا يربط وليّ العهد السعودي بقضيّة قتل خاشقجي.
ويعتقد المراقبون أن واشنطن تمتلك المعطيات الكافية عن مسعى تركي لتسييس القضية والزج بالأمير محمد بن سلمان، وهي وإنْ كانت ترفض هذا التسييس لكنها تستثمره في الضغط على السعودية للاستمرار في ضخ كميات إضافية من النفط، ليس للتغطية على غياب المنتوج الإيراني الذي ظل بالسوق في سياق إعفاءات أميركية غير مبررة، ولكن لضمان تراجع لافت للأسعار، وهو ما ترفضه الرياض.
وقالت مصادر بأوبك إن السعودية لم تتلق تحذيرا مسبقا عندما تراجع ترامب عبر منح إعفاءات سخية تُبقي المزيد من النفط الإيراني في السوق بدلا من دفع صادرات المنافس اللدود للرياض إلى الصفر.
وقالت مصادر لرويترز هذا الأسبوع إن السعودية، التي أغضبها التحرك الأميركي الذي أثار مخاوف بشأن فائض في المعروض، تدرس حاليا خفض الإنتاج مع أوبك وحلفائها بنحو 1.4 مليون برميل يوميا أو ما يعادل 1.5 بالمئة من الإنتاج العالمي.
وقال مصدر بارز مطلع على سياسات الطاقة السعودية “السعوديون غاضبون جدا من ترامب. هم لن يثقوا به بعد الآن ولديهم قناعة قوية بإجراء خفض. لم يتم تحذيرهم بشأن الإعفاءات”.
وتقول واشنطن إن الإعفاءات هي امتيازات مؤقتة لحلفاء يستوردون النفط الإيراني وربما واجهوا صعوبات في العثور سريعا على موردين آخرين حين بدأ سريان العقوبات الأميركية في الرابع من نوفمبر الحالي.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الخامس من هذا الشهر الجاري إن خفض الصادرات الإيرانية “إلى الصفر على الفور” سيحدث صدمة في السوق. وأضاف قائلا “لا أريد أن ترتفع أسعار النفط”.
وقال مصدر أميركي مطلع على المسألة “السعوديون كانوا سيغضبون في كلا الحالين في ما يتعلق بالإعفاءات، سواء أحيطوا علما قبلها أم بعد الإعلان عنها”.
وقال مصدر ثان على دراية بالتفكير السعودي بشأن النفط “السعوديون يشعرون بأن ترامب خدعهم تماما. قاموا بكل شيء لزيادة الإمدادات مفترضين أن واشنطن ستدفع باتجاه عقوبات قاسية للغاية على إيران. ولم يتلقوا أي تحذير من الولايات المتحدة بأن إيران ستتلقى عقوبات أضعف”.
ومنذ الصيف، تقود الرياض منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا ومنتجين آخرين لزيادة الإمدادات بأكثر من مليون برميل يوميا بهدف كبح الأسعار مع تطبيق العقوبات الأميركية.
وارتفع خام برنت فوق 86 دولارا للبرميل في أكتوبر بفعل مخاوف من شح في الإمدادات، لكن الأسعار هبطت منذ ذلك الحين إلى 66 دولارا جراء مخاوف من فائض الإمدادات.
وكان ترامب يريد أن تنخفض أسعار النفط قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي التي أُجريت في وقت سابق من الشهر الحالي. ومنحت واشنطن إعفاءات في نوفمبر إلى ثمانية مشترين كي يشتروا النفط الإيراني لمدة 180 يوما. وتفوق هذه الإعفاءات التوقعات الأولية.
وقالت مصادر مطلعة على التفكير السعودي إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحليف الرئيسي لإدارة ترامب، يريد أن تكون الأسعار عند 80 دولارا للبرميل أو أكثر من أجل إصلاحاته الاقتصادية.
وقال مصدر نفطي خليجي بارز مطلع على المناقشات بين أوبك وحلفائها بشأن سياسة الإنتاج “الإعفاءات كانت غير متوقعة بالمرة، خاصة بعد دعوات إلى زيادة الإنتاج”.
وبينما وضعت الولايات المتحدة حدا زمنيا للإعفاءات، فإنها لم تبلغ متلقيها الثمانية بحجم النفط الذي بمقدورهم أن يشتروه ولم تخفف قيودا على المدفوعات تجعل المشتريات أكثر صعوبة.
ومن المتوقع أن تنخفض صادرات إيران النفطية بشدة إلى حوالي مليون برميل يوميا في نوفمبر من ذروة بلغت 2.8 مليون برميل يوميا في وقت سابق من العام الجاري. وعلى الرغم من أن من المتوقع أن يتعافى الإنتاج في ديسمبر بفضل الإعفاءات، فإن حجم هذا التعافي يظل غير واضح.
والرياض مهتمة بتفادي فائض في المعروض بالسوق على غرار ذلك الذي أدى إلى انهيار الأسعار في 2016 إلى أقل من 30 دولارا للبرميل.
لكن الافتقار إلى الوضوح بشأن مستوى إمدادات إيران يجعل من الصعب على السعودية أن تحدد المستويات الملائمة للإنتاج، خصوصا بعد أن زادت روسيا الإنتاج بشكل حاد في الأشهر القليلة الماضية وقالت إنها تريد أن تنتج المزيد في 2019.