توجس أميركي من جيش أوروبي يتجاوز الحلف الأطلسي
شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء، هجوما على حليفه الفرنسي، منتقدا مرة أخرى اقتراح إيمانويل ماكرون إنشاء جيش أوروبي موحد وذلك بعد يومين من عودته من باريس حيث شارك في احتفالات الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، فيما تدعم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاقتراح بقوة، ما يدفع نحو المضي فيه قدما رغم الانتقادات الأميركية.
وكتب ترامب على تويتر “إيمانويل ماكرون اقترح إنشاء جيش خاص لحماية أوروبا من الولايات المتحدة والصين وروسيا، لكن الأمر كان يتعلق بألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية”.
وأضاف “كيف يمكن أن يحصل هذا في فرنسا؟ لقد بدأوا بتعلم الألمانية في باريس قبل أن تصل الولايات المتحدة”، مشيرا كما يبدو إلى الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية وداعيا إلى تسديد المدفوعات لحلف شمال الأطلسي. ويطالب ترامب -بشكل منتظم- الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بزيادة مساهماتها العسكرية معتبرا أن الولايات المتحدة تسدد قسما كبيرا من موازنة الحلف.
وفي تغريدة أخرى كتب الرئيس الأميركي “المشكلة هي أن إيمانويل ماكرون يعاني من هامش شعبية ضعيف جدا في فرنسا، (نسبته) 26 بالمئة، و(يعاني أيضا من) معدل بطالة يقارب الـ10 بالمئة”، مضيفا “اِجعل فرنسا عظيمة مجددا”. ونشر الرئيس الأميركي خمس تغريدات الثلاثاء بخصوص فرنسا وإيمانويل ماكرون، وهو ما يتناقض مع التقارب الذي ظهر بين الرئيسين وخصوصا خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي لواشنطن في أبريل.
واقترح ماكرون الأسبوع الماضي إنشاء “جيش أوروبي فعلي” لحماية أوروبا، متحدثا أيضا عن ضرورة “حمايتها من الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة” في مجال المعلوماتية، ما أثار غضب البيت الأبيض.
وحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أوروبا من تقويض العلاقات على جانبي الحلف بعد خلاف حول الدفاع بين الرئيس الأميركي ونظيره الفرنسي.
ودون الإشارة تحديداً إلى دعوة ماكرون لإنشاء جيش أوروبي، رحب ستولتنبرغ بتعزيز جهود الاتحاد الأوروبي بشأن الدفاع والتي من شأنها تقوية حلف شمال الأطلسي، إلا أنه حذر الأعضاء الأوروبيين من محاولة القيام بعمل مماثل لعمل الحلف وتعريض العلاقات مع الولايات المتحدة للخطر.
وقال خلال منتدى في برلين إن “بذل أوروبا المزيد من الجهود في مجال الدفاع أمر عظيم، ولكن ذلك يجب ألا يقوض مطلقا قوة العلاقات على جانبي الأطلسي”.
وتابع “إذا رغب الحلفاء الأوروبيون فإنهم يستطيعون القيام بعمليات مع أو دون الولايات المتحدة في إطار حلف شمال الأطلسي”، إلا أنه أبدى معارضته لتطوير الاتحاد الأوروبي بنى تحاكي عمل التحالف.
وبدورها دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الثلاثاء، أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إلى إنشاء “جيش أوروبي حقيقي”، في دعم مباشر وقوي للاقتراح الفرنسي.
وقالت ميركل “علينا وضع رؤية تتيح لنا الوصول يوما ما إلى إنشاء جيش أوروبي حقيقي”، مذكرة بأنها اقترحت “إنشاء مجلس أمن أوروبي مع رئاسة دولية يمكن من خلاله اتخاذ قرارات مهمة بشكل أسرع”. وأضافت ميركل بخصوص اقتراح تشكيل جيش أوروبي “ليس جيشا ضد حلف شمال الأطلسي”، مشيرة إلى أنه “يمكن أن يشكل مكملا جيدا لحلف شمال الأطلسي، لا أحد يريد أن يشكك في العلاقات الكلاسيكية”.
ويرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تأسيس دفاع أوروبي مشترك باتخاذ خطوات تدريجية، مثلما تم تأسيس الاتحاد بعد إجراءات بسيطة حول التجارة والتعاون الاقتصادي انطلقت مند أواخر خمسينات القرن الماضي.
وأثار انسحاب الرئيس الأميركي من عديد الاتفاقيات الدولية، مخاوف حلفائه الأوروبيين من مدى التزام الولايات المتحدة بتعهداتها تجاه شركائها، ما دفعهم إلى التفكير في إيجاد آليات تعاون أكثر استقلالية خاصة في المجال الأمني، فيما عزز تلويح ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع روسيا مخاوف الأوروبيين بشأن أمنهم، ما وفر أرضية خصبة للدفع نحو تأسيس جيش أوروبي موحد. وأثارت مبادرة الدفاع الأوروبية مخاوف أميركية، ما يهدد بالانعكاس سلبا على وحدة حلف شمال الأطلسي، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة دفع شركائها الأوربيين إلى الترفيع في نفقات الدفاع المخصصة للحلف.
وقالت مسؤولة الأمن الدولي لدى وزارة الدفاع الأميركية كيتي ويلبارجر “ندعم المبادرة الأوروبية شرط أن تكون مكملة ولا تنتقص من نشاطات وحاجات الحلف الأطلسي”، مضيفة” لا نريد أن ينتقص الاتحاد الأوروبي من وسائل حلف شمال الأطلسي”. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز دفاعاته العسكرية والأمنية من خلال العمل على إيجاد صيغ تشاركية أوروبية ترقى بالعمل المشترك إلى مستوى التحديات الأمنية المطروحة على دول الاتحاد، حيث يقود الرئيس الفرنسي جهودا حثيثة لتعزيز أمن القارة معولا على دعم ألماني.
ودشنت وزارة الدفاع الفرنسية في يونيو الماضي، قوة عسكرية أوروبية قابلة للانتشار لمواجهة الأزمات خارج نطاق جهود الاتحاد الأوروبي الحالية، ضمن حزمة إصلاحات يقودها الرئيس الفرنسي، قوبلت كذلك بدعم ألماني وتحفظ أميركي.