الرباط تستخدم سلاح الدفع الإلكتروني لمحاصرة السوق الموازية
اعتبر خبراء أن تحركات المغرب نحو إصلاح النظام المالي انتقلت إلى مرحلة جديدة بإطلاق خدمة الدفع الإلكتروني، في مسعى لتعزيز دور التجارة الرقمية في الاقتصاد وتخفيف التعامل بالسيولة النقدية، التي أرهقت المصارف وفتحت الباب على مصراعيه أمام ازدهار السوق السوداء.
أطلق المغرب رسميا خدمة التعامل النقدي الإلكتروني عبر الهواتف المحمولة بهدف تقليص تنامي التعامل بالسيولة النقدية، في خطوة تهدف إلى دمج الاقتصاد الموازي ضمن الاقتصاد الرسمي وفق أسس مدروسة لتعزيز معدلات النمو.
وتبدو مسألة رقمنة الاقتصاد المغربي من بين أهم الخطوات التي تركز عليها الحكومة في الوقت الحالي من أجل مكافحة الفساد، الذي ينشأ داخل بيئة القطاع الموازي، وبالتالي قطع الطريق على المتعاملين في هذا القطاع.
وبحسب بيان مشترك للبنك المركزي المغربي والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، تمكّن الخدمة الجديدة من تنفيذ عمليات تحويل الأموال وسحبها وإيداعها في حساب مصرفي بشكل إلكتروني عبر الهاتف.
وينتظر أن تمكن هذه الآلية الفئات غير المنخرطة في النظام البنكي أو تلك غير المنخرطة بشكل كاف من الاستفادة من الخدمات المالية، وكذلك المساهمة في تطوير الاقتصاد الرقمي.
ويعول بنك المغرب على أن يبلغ عدد مستخدمي هذه الخدمة 400 ألف بنهاية العام المقبل على أن يصل العدد إلى حوالي 6 ملايين مستخدم خلال السنوات الخمس المقبلة.
11 ترخيصا تم منحها لشركات الاتصالات وشركات تحويل الأموال ومصارف لتنفيذ خطة رقمنة التعاملات
وحتى تعطي هذه الخدمة دفعة قوية في السوق وخاصة تجارة التجزئة، منحت الحكومة 11 تراخيصا لشركات الاتصالات العاملة بالبلاد وهي اتصالات المغرب المملوكة للدولة وشركتا ميديتل وإنوي، فضلا عن شركات تحويل الأموال وعدة مصارف حكومية وخاصة.
ويؤكد بنك المغرب أن هذه الخدمة سيتم التداول بها بشكل رسمي خلال الفترة القليلة المقبلة، وستتيح لأكثر من 14 مليون مستهلك في البلاد إمكانية تسديد مشترياتهم عن طريق تطبيقات ذكية مثبتة في هواتفهم المحمولة.
واستغرق توفير هذه الخدمة النقدية الرقمية ما يناهز العامين، بحسب ما أشار إليه المسؤولون، من أجل وضع مجموعة من القواعد الضرورية لضمان حسن سيرها.
وكشفت مسؤولة في بنك المغرب أن المغرب يتوقع أن يصل حجم المدفوعات عبر الهاتف المحمول في البلاد إلى 50 مليار درهم (5.3 مليارات دولار) في العام بحلول 2023 مع الاستعداد لتدشين خدمة مدفوعات عبر الهاتف المحمول بحلول نهاية الشهر الجاري.
وقالت أسماء بناني مديرة المدفوعات المالية في البنك المركزي، خلال مؤتمر صحافي بالرباط هذا الأسبوع إن “الخدمة الجديدة تهدف إلى تقليص حجم السيولة النقدية المستخدمة في المدفوعات وتعزيز الشمول المالي”.
ووفقا لبيانات البنك المركزي، يبلغ معدل تغلغل الهواتف الذكية في المغرب 130 بالمئة، مما يعني أن عدد مشتركي المحمول أكبر من تعداد السكان، لكن 56 بالمئة فقط من المغاربة البالغين كانت لديهم حسابات مصرفية بنهاية العام الماضي.
وأشارت بناني إلى أن خدمة الدفع عبر الهواتف المحمولة ستسمح للأشخاص بتحويل الأموال وسداد الفواتير ودفع قيمة السلع والخدمات بشكل فوري باستخدام الهواتف المحمولة.
ويقول خبراء إن إطلاق هذه الخدمة جاء متأخرا وأنه كان نتيجة ضغوط الأوساط الاقتصادية في الفترة الماضية على الحكومة، التي يقودها سعدالدين العثماني، لتقليص هيمنة التعامل النقدي في البلاد.
وترى بناني أن هذا الوضع مستمر في وقت نجحت البلدان الصاعدة في تقليص استخدام النقود بشكل كبير، مشيرة إلى أن 82 بالمئة من التعاملات بواسطة البطاقات البنكية تعادل من حيث القيمة السحوبات النقدية، والتي تبلغ وفق البيانات الرسمية نحو 514 مليار درهم (53.8 مليار دولار) سنويا.
ووفق اقتصاديين، تؤدي هيمنة التعامل النقدي إلى انعدام الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها تنطوي على تكلفة كبيرة بالنسبة للوحدات الاقتصادية، تصل إلى قرابة 0.7 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي.
وترتكز معظم هذه المعاملات بين الأفراد والتجار، والتي يمكن حاليا تحقيقها عن طريق حلول أداء بواسطة الهاتف النقال، وهي التجربة التي أثبتت نجاحها عالميا، لا سيما في ظل ارتفاع نسبة انتشار استخدام الهواتف المحمولة.
وتؤكد التقارير الصادرة عن مركز النقديات وبنك المغرب أن المعاملات المالية الإلكترونية تواصل نموها في البلاد بشكل لافت، وسط تزايد الطلب على المنتجات الاستهلاكية والخدماتية على المنصات الرقمية.
ومنذ سنوات طويلة، يطالب رجال الأعمال والشركات، التي تعمل ضمن القطاع المنظم للدولة بالإسراع في اعتماد خارطة طريق واضحة المعالم لامتصاص السوق السوداء لإحلال مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس العادل بين كافة القطاعات.
ويقدر خبراء حجم المعاملات في السوق الموازية المغربية بين نحو 13 و20 مليار دولار، عكس تقديرات المندوبية السامية للتخطيط التي تحصره في 13.22 مليار دولار.
وأشارت دراسة حديثة نشرها الاتحاد العام لمقاولات المغرب في وقت سابق هذا العام إلى أن الاقتصاد الموازي المغربي يمثل نحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 10 بالمئة من صادرات البلاد، الأمر الذي يؤثر بشكل متفاوت على مختلف القطاعات الاقتصادية.