الدعوة إلى الحفاظ على نظام تعددي في مئوية الحرب العالمية الأولى
بعد مرور 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى تشابكت يدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيدي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وألقى كل منهما برأسه على الآخر في احتفال مؤثر بذكرى توقيع اتفاق الهدنة لإحلال السلام التي أعلنت نهاية الحرب يوم 11 نوفمبر 1918. واستغل ماكرون الاحتفاء بهذا الحدث التاريخي بمشاركة نحو 65 من قادة العالم، بتذكير حلفائه بضرورة الحفاظ على أوروبا موحدة، منتقدا النزعة القومية التي يدعو إليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تؤجج الصراع بدل أن يعم السلام في العالم.
تجمع نحو 70 من زعماء العالم تحت سماء ملبدة بالغيوم عند قوس النصر في باريس الأحد، لإحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى. وانضم الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والعشرات من الملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإحياء لحظة توقف نيران البنادق في مختلف أرجاء أوروبا قبل مئة عام.
وشارك الزعماء في مراسم مهيبة عند قبر الجندي المجهول، وهو رمز لتضحية الملايين الذين لقوا حتفهم في الفترة بين 1914 و1918.
والمراسم التي شهدتها باريس هي محور فعاليات عالمية لتكريم نحو عشرة ملايين جندي قتلوا خلال الحرب. وتأتي إحياء لذكرى لحظة دخول الهدنة التي جرى توقيعها في شمال شرق فرنسا حيز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من عام 1918 بين فرنسا وألمانيا.
ووقف زعماء العالم تحت مظلة زجاجية كبيرة عند قوس النصر الذي بناه الإمبراطور نابوليون عام 1806 لحضور المراسم. ووقف ماكرون في وضع انتباه في حين عزفت الفرقة الموسيقية العسكرية النشيد الوطني الفرنسي قبل أن يسير تحت المطر لتفقد الجنود، ثم احتل مكانه تحت قوس النصر في حين أدى عازف التشيلو يو-يو ما جزءا من إحدى سيمفونيات باخ.
ناشد الرئيس الفرنسي الأحد قادة نحو 65 دولة بالحفاظ على السلام والتعاون، ودعا إلى نبذ “الانطواء والعنف والهيمنة” وخوض “المعركة من أجل السلام”.
وقال ماكرون في الكلمة التي ألقاها بمناسبة ذكرى توقيع الهدنة في 11 نوفمبر 1918 “دعونا نوحد آمالنا بدل أن نضع مخاوفنا في مواجهة بعضها”. وقال أمام حشد شمل الرئيسين الأميركي والروسي “بإمكاننا معا التصدي لهذه التهديدات المتمثلة في شبح الاحتباس الحراري وتدمير البيئة والفقر والجوع والمرض وعدم المساواة والجهل”.
وانتقد النزعة القومية التي أعلن ترامب اعتناقها مرارا في الأسابيع الأخيرة، وقال إن “الوطنية هي نقيض القومية تماما. القومية هي خيانة” الوطنية.
وماكرون من كبار المدافعين عن النهج التعددي الذي تقوم عليه العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في وقت يندد به عدد متزايد من القادة والناخبين في العالم باسم الدفاع عن المصالح الوطنية.
ودعا ماكرون نظراءه باسم الوفاء لذكرى “القافلة الهائلة من المقاتلين الذين قدموا من أنحاء العالم بأسره لأن فرنسا كانت تمثل بنظرهم جميعا كل ما في العالم من جمال”، إلى نبذ “الافتتان بالانطواء والعنف والهيمنة”.
وبعدما قضى أسبوعا يجول على ساحات المعارك في شمال فرنسا، خاطب ماكرون قادة العالم قائلا “دعونا نتذكر! يجب ألا ننسى بعد مئة عام على مذبحة لا تزال آثارها مرئية على وجه العالم”.
وقال “خلال تلك السنوات الأربع، كادت أوروبا تنتحر” مشيدا بـ“الرجاء الذي حمل جيلا كاملا من الشباب على القبول بالموت، الأمل بعالم يعمه السلام من جديد أخيرا”، مختتما كلمته بالإشادة بالمؤسسات الدولية وأوروبا اليوم والأمم المتحدة.
وحذر ماكرون من أن “الشرور القديمة” و“الأيديولوجيات الحديثة” تهدد السلام والتعايش، مطالبا الحضور بالعمل معا “من أجل إبعاد أطياف التغير المناخي والفقر والجوع والمرض، وجميع التفاوتات والجهل”.
وأشار ماكرون في مقابلة مع قناة “سي أن أن” الأميركية الأحد، إلى أنه على أوروبا أن “تبني استقلالية” دفاعها بدلا من شراء الأسلحة من الولايات المتحدة.
وأوضح بقوله “لا أريد رؤية الدول الأوروبية ترفع من ميزانيات الدفاع لشراء أسلحة أميركية أو أخرى أو معدات من إنتاج صناعتكم”، مضيفا أنه “إذا زدنا ميزانيتنا، فالغرض بناء استقلاليتنا”.
ونظّم ماكرون منتدى دوليا للدفاع عن التعددية، وهي الركيزة الأيديولوجية التي تؤطر العلاقات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وينتهكها بعض رؤساء الدول بشدة، وضمنهم ترامب.
أوروبا موحدة
اتسقت آراء ماكرون مع رأي بابا الفاتيكان فرنسيس الذي اعتبر أن ذكرى الحرب العالمية الأولى تحفز كل شخص على “رفض ثقافة القتل والسعي إلى كل السبل المشروعة” لإنهاء الصراعات الراهنة.
أما الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين، حيث يمثل الدولة التي أصدرت أول إعلان للحرب ولكنها تعرضت للهزيمة عام 1918، فرأى أنه من المهم أن نتذكر ما أدت إليه النعرة القومية في الثلاثينات.
وأضاف فان دير بيلين أن الهدنة بين الحلفاء المنتصرين وألمانيا أنهت القتال، ولكن الأعوام العشرين التي أعقبتها حتى الحرب العالمية الثانية شهدت كل أنواع الانشقاق، التي نجمت أيضا عن مفاوضات السلام سيئة التوجيه، لافتا إلى أن أوروبا الغربية تعلمت الدرس فقط عقب الحرب العالمية الثانية، عندما أسست الاتحاد الأوروبي.
في تعبير نادر لعواطف الزعماء، تشابكت أيدي ماكرون وميركل السبت خلال مراسم مؤثرة لإحياء ذكرى توقيع الألمان والفرنسيين على اتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب.
وتفقد ماكرون وميركل قوات من فرقة فرنسية ألمانية مشتركة قبل إزاحة الستار عن لوحة تعبر عن الصلح والصداقة المتجددة بين الدولتين اللتين كانتا عدوين في حربين عالميتين.
ووقع وفد ألماني اتفاق الهدنة في الحادي عشر من نوفمبر عام 1918 في قطار خاص بقائد القوات الفرنسية فرديناند فوش كان يقف على شريط للسكة الحديدية يمر في غابة كومبيانيه فوريست. وبعد ذلك بساعات، وفي الساعة الحادية عشرة صباحا، انتهت الحرب.
وقال ماكرون مخاطبا عددا من الشبان وقد وقفت ميركل إلى جانبه “أوروبا تعيش في سلام منذ 73 عاما لأن ألمانيا وفرنسا تريدان السلام”.
وكان ماكرون يشير إلى الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية التي انتهت في عام 1945. وقالت ميركل إنها تأثرت بالاحتفال. ووصفت دعوة ماكرون لها لحضوره بأنها “بادرة لها معنى كبير”.
وفي استعراض قوي للوحدة جلس ماكرون وميركل داخل عربة القطار التي أعيد بناؤها والمبطنة بالخشب والتي وقع فيها ميثاق السلام ثم نظرا في كتاب للذكرى. وبعد أن وقع كل منهما على الكتاب تشابكت أيديهما للمرة الثانية.
أهم المحطات الكبرى للحرب العالمية الأولى
الحرب العالمية الأولى كانت قبل كل شيء نزاعا أوروبيا واسعا انتهى على الجبهة الغربية في فرنسا وبلجيكا حيث جرت المعارك التي سقط فيها العدد الأكبر من القتلى. وقد ابتدأت الحرب مع اعتداء ساراييفو في 28 يونيو 1914 وانتهت عند توقيع الهدنة في 11 نوفمبر 1918.
- اعتداء ساراييفو: قام الطالب غافريلو برانسيب وهو قومي من صرب البوسنة، بقتل ولي عهد إمبراطورية النمسا-المجر الأرشيدوق وزوجته. حملت النمسا صربيا مسؤولية عملية الاغتيال وبدأت بذلك الآلية التي أفضت إلى اندلاع الحرب بعد شهر من الحادثة.
- إعلان الحرب: في 28 يوليو، أعلنت النمسا الحرب على صربيا وقصفت بلغراد بعدما وجهت إليها إنذارا في 23 يوليو. وفي 30 يوليو، أعلنت روسيا التعبئة العامة لترهيب النمسا. وفي الأول من أغسطس أعلنت ألمانيا حليفة النمسا، وفرنسا حليفة روسيا التعبئة العامة أيضا. وفي اليوم نفسه أعلنت برلين الحرب على روسيا.
- معركة المارن: في الأيام الأولى من سبتمبر 1914، وبعد شهر على هجوم خاطف في بلجيكا وشمال شرق فرنسا، وصلت القوات الألمانية إلى مواقع تبعد بضع عشرات من الكيلومترات عن باريس. وانكفأت الحكومة الفرنسية إلى بوردو. وفي السادس من سبتمبر، شنت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال جوزف جوفر، ومعها البريطانيون هجوما مضادا لتجري معركة المارن.
وبما أن شبكة سكك الحديد حول باريس تعاني من سوء التنظيم، لجأ الجنرال جوزف غالييني حاكم باريس العسكري إلى استخدام حوالي 700 سيارة أجرة لنقل بين خمسة آلاف وستة آلاف مقاتل بسرعة إلى الجبهة. وكانت هذه أول عملية نقل بآليات لجنود في التاريخ، لكنها لعبت دورا هامشيا فقط.
- الدردنيل: في 25 أبريل 1915، قامت القوات البريطانية والفرنسية بإنزال في غاليبولي في مضيق الدردنيل التركي يهدف إلى الالتفاف على ألمانيا والنمسا وإقامة خط ارتباط مع روسيا.لكن الإنزال باء بالفشل
- الولايات المتحدة تدخل الحرب: في يناير 1917، ولكسر الحصار البحري البريطاني الذي يخنقها، أطلقت ألمانيا حرب الغواصات على أمل إنهاء النزاع وخنق المملكة المتحدة اقتصاديا. لكن هذه الإستراتيجية جاءت بنتائج عكسية، إذ أن الولايات المتحدة التي حرصت على الحياد في النزاع على الرغم من إصابة عدد من سفنها، بينها في 1915 “لوزيتانيا” التي كانت تقل أميركيين مدنيين، أعلنت الحرب على ألمانيا.
- الثورة الروسية: بين 1914 و1917، خسرت روسيا في المعارك أكثر من مليوني جندي وضابط خصوصا بسبب نقص الأسلحة. وفي مارس 1917، أدت ثورة أولى إلى تخلي القيصر نيكولاس الثاني عن العرش وتشكيل حكومة مؤقتة، لكنها لم تكن تسيطر على شيء ولم تفكر في الانسحاب من النزاع الذي بات يثير غضبا شعبيا في البلاد. وفي نوفمبر استولى البلاشفة على السلطة وكان أول قرار لهم أن يعرضوا على الدول التي تحارب روسيا وقف الأعمال العدائية.
- ريتوند: بعدما واجهت في الربيع أربع هجمات من قبل الألمان الذين نجحوا في نهاية المطاف في اختراق الجبهة، شن الحلفاء، في الصيف من منطقة المارن هجوما مضادا شاملا استخدموا فيه للمرة الأولى دبابات.
وسمح هذا الهجوم الذي أعد له الجنرال فرديناند فوش قائد قوات الحلفاء، بقلب مسار الحرب نهائيا وأدى إلى تراجع ألماني على كل الجبهات. وفي 11 نوفمبر وعند الساعة 05:20 في فسحة ريتوند في الغابة (شمال باريس) وفي عربة قطار الجنرال فوش، وقع وفد ألماني بموافقة الحكومة الجديدة في برلين، الهدنة.