ضعف الأحزاب المغربية يحد من تأثيرها الاجتماعي
لاحظ مراقبون تراجع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في المغرب عن أداء الأدوار المنوطة بها، ومدى انعكاس ذلك على علاقة الدولة بالمواطن في الوقت الذي أبدت فيه مناطق متعددة تذمّرها من السياسية التنموية والاجتماعية عبر تحركات احتجاجية.
وتسعى العديد من الدوائر الرسمية على غرار الفاعلين الأكاديميين والحقوقيين إلى إعادة الاعتبار لهذه المؤسسات الوسيطة، المطالبة بالإصغاء إلى صوت الشارع ولكل فئات المجتمع، حتى تستعيد نجاعتها وفاعليتها.
وناقش خبراء وأكاديميون وقيادات سياسية الأربعاء، خلال يوم دراسي نظمه مجلس المستشارين، مسألة “الديمقراطية وأسئلة الوساطة بالمغرب”.
واعتبر مصطفى الرميد، وزير الدولة لحقوق الإنسان، أن “المغرب يعرف تقدما على مستوى مؤسسات الوساطة (الأحزاب والمجتمع المدني) مقارنة بما قبل 2011، حيث تم التصويت عليها برلمانيا وننتظر ترجمتها على أرض الواقع”.
ويتسق رأي الرميد مع رأي رئيس مجلس المستشارين، حكيم بن شماش، الذي اعتبر أن وضعية مؤسسات الوساطة الاجتماعية ارتقت، مع دستور يوليو 2011، إلى مستوى الوساطة المؤسساتية المؤطرة بمقتضى الدستور والقوانين المحدثة لها، مشيرا إلى أن الدستور خصص بابه الثاني عشر لـ”الحكامة الجيّدة” وحدّد المؤسسات التي يمكن أن تنهض بها، مبرزا أن الهيئات الأخرى تتقاطع صلاحياتها، كل واحدة في مجالها، مع مهمات الوساطة الاجتماعية.
ورغم ما ضمنه دستور 2011 للأحزاب السياسية والمجتمع المدني، إلا أن مراقبين يؤكدون ضعف أدوارها وانعكاسه السلبي على الأوضاع السياسية والاجتماعية في المملكة.
ويعتقد محمد الهاشمي، أستاذ التعليم العالي بالمغرب، أن فقدان الشباب الثقة في الأحزاب السياسية وراء تراجع الثقة في مؤسسات الدولة، لشعورهم بأنهم منبوذون من طرف القيادات السياسية، ما انعكس في ضعف المشاركة في الانتخابات، إذ لا يَرَوْن أي تأثير لأصواتهم في تغيير الأوضاع في بلدانهم.
ويعتقد المراقبون أن الشباب المغربي بحاجة إلى تفاعل الأحزاب معهم والاهتمام بمشاغلهم واحتواء مطالبهم، باعتبارهم ركيزة أساسية للنظام الديمقراطي، سواء تعلق الأمر بالتأطير السياسي المستمر والنوعي وتجديد النخب والقيادات وإتاحة الفرص أمام مختلف فئات المجتمع، والحرص على نشر ثقافة المواطنة والديمقراطية.
وأشار الصبار إلى أن الجمعيات تضطلع بدور استراتيجي في التثبيت الديمقراطي والنهوض بالالتزام المدني للمواطنين، كما تشكل فضاء لانخراط المواطن في الحياة العامة وتعزيز المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان، مما يوفر أيضا فرص التدخل من أجل مأسسة مشاركة المجتمع المدني من خلال آليات الديمقراطية التشاركية. ولفت رئيس مجلس المستشارين إلى أن الخطب الملكية الأخيرة تضمنت عناصر التشخيص النقدي لأزمة النسيج الوطني للوساطة السياسية والاجتماعية والمدنية، ومداخل استشراف عناصر تجاوز هذه الأزمة، مذكرا بقرار رفع الدعم العمومي الخاص بهيئات الوساطة الحزبية.
وأوضح وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، أن المغرب بدأ يتجه إلى الاعتماد على الديمقراطية المباشرة التي تسمح للمواطنين بتقديم الملتمسات للبرلمان من أجل التشريع وكذلك تقديم العرائض للحكومة.
وأبرز الرميد أن الديمقراطية المباشرة تهدف إلى جعل المواطن في قلب التحولات الجارية لضمان المزيد من الحقوق والرعاية لهم، تكريسا للثقة التي ينبغي أن تكون بين المسؤولين والمحكومين.
وشكّلت الديمقراطية المحلية ومؤسسات الوساطة الاجتماعية، مجالا جاذبا لعدة ورشات ولقاءات وندوات دراسية حول أدوارها في تقريب وجهات النظر وحل الصراعات والنزاعات داخل المجتمع، خصوصا أمام التحولات القيمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية التي يعرفها المجتمع المغربي، وتنامي ظاهرة الاحتجاجات في صفوف الشباب والفئات المهمّشة، والتي ما فتئت تطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والكرامة.
وأبرزت سلوى الزرهوني، أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن الشرعية الدينية والتاريخية التي يتمتع بها النظام الملكي في المغرب حالت دون وقوع شرخ بينه وبين الشارع، مشيرة إلى أن المشهد السياسي المغربي يتميّز بوجود مؤسسات سياسية في الواجهة يتصارع فيها الفرقاء السياسيون، وفوق هذه المؤسسات توجد المؤسسة الملكية، “التي تغطي على الجميع”.
ولم يخف حكيم بن شماش، أن المسار الديمقراطي في المغرب يسعى إلى تجديد آلياته وتطوير أدوات اشتغاله، وذلك حتى يتمكن من مواكبة تحولات المجتمع وللإصغاء إلى مشاغله، إذا بات المغرب بحاجة لبناء نظام وطني موحد ومتكامل وناجع بشأن الوساطة في أبعادها المؤسساتية والسياسية والاجتماعية والمدنية والاقتصادية والثقافية وحتى الهوياتية.
وحسب إدريس الكراوي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن الاحتجاجات الأخيرة كشفت عن ضعف مؤسسات الدولة في تأطير المواطنين ولعب دور الوساطة وتخفيف منسوب الغضب، ودعا إلى ضرورة القيام بمراجعات جذرية في هذه المؤسسات، تأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة التي أفرزت جيلا جديدا من المغاربة بوعي عميق بكل ما يجري من حولهم.
وعلق المحلل السياسي عتيق السعيد، بالقول إن موجة الاحتجاجات الأخيرة تقتضي إعادة التفكير في موقع التمثيلية السياسية للأحزاب وكذلك النقابات وأدوار المجتمع المدني، واستنتج أن المحتجين باتوا يرفضون الوساطات الحزبية ويطالبون بحضور الدولة ممثلة في وفود وزارية، الأمر الذي يعكس غياب الثقة في بعض الأحـزاب رغم نجـاحها في الانتـخابات.