إسلام أوروبا؟
البروفسور قدرت بلبل
إسلام أوروبا؟
هناك نقاش حاد حول الإسلام الأوروبي في أوروبا لمدة من الزمن. بالإضافة الى كونه جدل حول المسلمين، إلا ان الأطراف طالما كانت الدول الأوروبية و المؤسسات الأمنية والأكاديميين و الكُتاب الغربيين.
نقدم لكم تقييما بقلم البروفسور قدرت بلبل عميد كلية العلوم السياسية في جامعة يلدريم بيازيد…
الجدل ليس في غير محله. فمن خلال مسيرات العولمة فان الإنسانية بهوياتها و ثقافاتها ومعتقداتها و لغاتها متداخلة و تعيش مع بعضها البعض. وعلى الرغم من ان هذا التعايش حقيقة معروفة لدول مثل الدولة العثمانية، فان الأمر جديد بالنسبة للغرب. في حين ان العلاقة في القرون الماضية كانت علاقة الاستعمار و المستعمر بين الدول ذات الدين و الثقافة الختلفة، فانه يمكن القول ان مع هجرة هؤلاء الى الغرب، واجه الغرب هذه الاختلافات. هذه الفترة هي ذاتها فترة الحضارة و المركزية و الدولة القومية حيث يصعب ان تعيش الاختلافات تحت سقف واحد.
ثقافة أوروبية تتوافق مع الإسلام
إذا كان الناس الذين لهم تاريخ ودين وثقافة مختلفة يعيشون معاً أكثر اليوم، فإن الدول والمؤسسات والمثقفين لا بد انهم سيكونون مهتمين بهذه القضايا، من حيث النتائج المتولدة عن ذلك.
المقصود من الإسلام الأوروبي هو ليس التأكيد على الممارسات الإسلامية المختلفة التي تأتي من خارج أوروبا، انما تلك التي تأتي من داخل أوروبا نفسها، تلك الممارسات المتوافقة مع الإسلام. و هذا أمر مفهوم تماما. ان الأمر الذي يُراد ان يُفسر من خلال اللغة والثقافة والطريقة للاسلام الأوروبي يحتوي على شيء من المحلية و هو الأمر الموجود داخل الإسلام. وفي هذا السياق فان الاسلام في تركيا و الشرق الأقصى و البلقان والشرق الأوسط هو ذاته في الجوهر من حيث المفهوم و الممارسات الإسلامية مع بعض الاختلافات بنسب معينة. وفي هذا الاطار، من المفهوم تماما أن لا يعتمد المسلمون الأوروبيون على الممارسة الإسلامية والفهم الذي يتوافق مع المناطق الجغرافية التي يأتون منها بل من المفهوم ان يظهروا ثقافة أوروبية وحياة وفهم متوافق مع الإسلام على ان يكون في دائرة الإسلام.
فمثلما لا يليق ان يتم محاولة نقل الممارسات الاسلامية و الحياة اليومية و الثقافة و العناصر التراثية و الفن و مفهوم الأدب المتبع في أفريقيا أو الشرق الأقصى أو الشرق الأوسط إلى تركيا أو اي بلد أخر، يجب ان نكون على علم انه لن يُرحب به في أوروبا.
إن عدم الترحيب ليس أمر يتعلق بالعناصر الثقافية في الأساس، انما هو الادراك ان لكل مجتمع عناصره الثقافية الخاصة التي تتوافق مع جغرافيته الخاصة. وبغض النظر عن هذه الثقافة المشتركة، التي ستكون مملوكة بشكل مناسب في سياق الجغرافيا الحية، فقد تكون الثقافات المختلفة في محاولة للحفاظ على ثقافتها حية في المجتمع المفتوح والمتحضر.
إن الثقافة الأوروبية المتوافقة مع الإسلام ليست فقط مسألة القادمين إلى أوروبا فقط، بل هي مسألة على أوروبا ان تقيمها. وعندما نقول ثقافة أوروبية متوافقة مع الإسلام علينا الحديث عن ضرورة استبعاد العنصرية والفاشية والنازية الموجودة في الثقافة الوراثية لأوروبا.
التشديد على مفهوم الإسلام الأوروبي في بعض الحالات يعتبر إشارة إلى أولئك الذين يأتون إلى أوروبا وليس لديهم قيم عالمية مثل المساواة والحرية وحقوق الإنسان والتعددية والتعايش. مع انه يمكننا القول إن الأوروبيين قد ابتعدوا عن هذه القيم في المدى القريب. واول ما يخطر في الأذهان هو النهج الذي لا يحسب اللاجئين من الناس وتزايد معاداة المهاجرين والإسلام. و تزداد معدلات الخوف من الاختلافات و الزملاء في العمل أو من الجار، وفقا لما جاء في استطلاعات الرأي العام.
نهج الإسلام الأوروبي غير الليبرالي بل الآمن
عند النظر إلى ما هو مكتوب وإلى ممارسات الدول الغربية، فإن النقاش حول الإسلام الأوروبي لا يبدو أنه حوار مدني وثقافي وقيم. فالدول الأوروبية تقترب من هذا النقاش من الزاوية الأمنية. ولهذا السبب، فإن هذه الدراسات تعدها عادة المؤسسات الاستخباراتية و الأمنية ، و ليس من خلال القيم الثقافة والعيش سويا و التعددية والتنوع.
ان كانت هناك مشكلة أمنية، لا بد و بالطبع انهم سوف يتخذون تدابير أمنية. هذا أمر مُسلّم به. لكن الاقتراب من القضايا المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تهم ملايين الناس من منظور أمني فقط، لا يؤدي إلا إلى تعميق القضايا. من الضروري و المفهوم للغاية ان تقوم الدول بتشكيل قواعد جديدة لمواجهة الأمور الجديدة ، لكن ينبغي ان تكون مبنية على التفاهم ايضا و ليست مبنية على الاخضاع و التحويل و الادانة. لذلك ينبغي على الدول الأوروبية أن لا تُنيط مهمة ادارة المجالس الاسلامية التي أنشأتها بأسماء ليست مباشرة وغير مرتبطة بالإسلام، بل يجب ان تجشع على تشكيل هذه القواعد من قبل المسلمين. ويجب ان يتم تنفيذ هذه الأنشطة من قبل المنظمات المدنية بدلاً من المنظمات الأمنية أو المنظمات ذات الصلة.
على المسلمين …
في سياق الإسلام الأوروبي، انه ليس من السلوك الأخلاقي ان يقال إن المسلمين يقومون بدورهم ولا ينتقدون إلا الدول المعنية. ان كان يعاني المسلمون الذين يعيشون في الغرب من مشاكل في التعليم والاقتصاد والمشاركة السياسية والفكرية والأكاديمية للمسلمين اليوم، و ان كانت معدلات الجريمة مرتفعة و ثقافاتهم العملية ليست كافية، فيقع على عاتق المسلمين ومنظماتهم مسؤوليات كبيرة.
و هذا الأمر يعتبر إشارة الى مشاكل التمثيل والتعبير التي يواجهونها في الدول المقيمين بها. ومن المتوقع أن يعملوا بتعاون وثيق مع سلطات البلد المعني، لإقامة علاقات مباشرة ومفتوحة، والعمل على توزيع مناخ الخوف الذي خُلق/ يُخلق.
ما الأمر الذي قد يُكسبه الإسلام إلى أوروبا التي فقدت مفهوم المجتمع؟
إن الأمر الذي تريد بعض الشرائح تحقيقه مع الإسلام الأوروبي هو الرغبة في المفهوم الإسلامي للمجتمع والأسرة والإنسان المسلم الخالي من أي ادعاءات. إلا انه في أوروبا، هناك انتشار كبير للأسر المنهارة والأطفال المهجورين وسفاح المحارم والعلاقات الجنسية المثلية واستخدام المخدرات، بالمقارنة مع بقية العالم. تمر أوروبا بفترة من الاحتدام من حيث القيم الاجتماعية حيث تفقد كل شيء انساني بسرعة فائقة و تكون فيها العلاقات الشرعية والطبيعية غير كافية للناس بسبب المستوى المرتفع من الرضا الاقتصادي. لذا فان القيم الإسلامية هي الحصن الأخير الذي لم يتم احتلاله بعد. و الاسلام الفاقد للادعاءات الخاصة بالمجتمع والأسرة والإنسانية يُسرع من عملية انهيار أوروبا.
على المسيحيين واليهود دعم المسلمين
لقد رأينا في مسيرات مماثلة للمسيحية و اليهودية ان اسلامٌ كهذا لن يكسب شيئًا. و أعتقد أن تآكل القيم الاجتماعية و الانهيار الأخلاقي لا يروق للمسيحين واليهود ايضا. وبالمثل، فإن العلمانيين يشعرون بالانزعاج ايضا من الاختفاء التام للقيم الإنسانية. في الأساس، عليهم ان يعربوا عن ردة فعلهم لاختفاء هذه القيم المتأصلة في المسيحية واليهودية.
على المسلمين الأوروبيين أن يهيمنوا على أجندتهم
قبل كل شيء، ينبغي على المسلمين أيضاً أن يهيمنوا على أجندتهم الخاصة في أفريقيا و الولايات المتحدة الأمريكية و الصين والهند والشرق الأوسط وبالطبع في أوروبا. كيف؟ سنواصل الموضوع الأسبوع القادم.