ماذا تخفي مخيمات الأفارقة بالمغرب وراء أسوارها؟
الثلاثاء 06 نونبر 2018
على إيقاع أنغام موسيقى أفريقية تصدح في فضاء مخيم بالدار البيضاء يتخذه مهاجرون أفارقة من دول جنوب الصحراء مأوى لهم، ينهمك إيريك في تركيب هياكل خشبية من أعمدة وألواح قديمة.
يقول المهاجر السنغالي بصوت خجول إنه يجمع هذه الهياكل من الشوارع أو يشتريها من ورشة نجارة، لاستعمالها في إنشاء مساكن جديدة لزملائه الذين أتلفت خيامهم بسبب حريق اندلع بها خلال الشهر المنصرم.
ويضيف إريك المكلف بهذه المهمة داخل المخيم مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 3.25 و5.25 دولارات يوميا، أن المكان الذي يحتمون به، تختفي فيه الجنسيات والاختلافات اللغوية والدينية، ويتوحدون فيه على مواجهة قساوة الحياة.
غير بعيد، بدا العشرات من زملاء إيريك منهمكين في تغليف الهياكل الخشبية بالبلاستيك وسد ثغراتها بالأقمشة البالية أو الكارتون لمنع تسرب مياه الأمطار وأشعة الشمس، بينما انخرط آخرون في تثبيت الأعمدة والقطع الخشبية التي يشيّدون بها مخابئهم من جديد على أرضية لا تزال متفحمة.
وتحت ظلال ملابس رثة منشورة على السياج الحديدي للمخيم، يتمدد كثير من نزلاء المخيم، ويكتفون بمتابعة الأشغال وتوجيهها بين الفينة والأخرى.
غير أن وضعيتهم تلك لا تعني أنهم غافلون عما يجري حولهم، بل يتحركون بسرعة مع وميض آلة التصوير، ويردد أحدهم “ممنوع التصوير” أكثر من مرة باللغة الفرنسية، محرضين من يرابطون غير بعيد عنهم على الدفاع عن حرمة المأوى المفتوح على الملأ.
محطة عبور
مضى شهر على اندلاع الحريق الذي أتى على قرابة نصف خيام هؤلاء المهاجرين ومتعلقاتهم للمرة الثانية، لكن الروايات حول أسبابه ما زالت متضاربة في انتظار نتائج التحقيق الذي باشرته الشرطة المغربية في الموضوع.
ووسط ضجيج نزلاء المخيم العشوائي، فضل فرانك -المسؤول في “المخيم” ويسمى “شارمان” أو “البيغ براذر” (أي الأخ الأكبر)- التحدث إلينا داخل خيمته، بعد أن منحه صديقه المغربي الضوء الأخضر.
لم يتردد فرانك للحظة في القول إن سبب الحريق الجديد يظل مجهولا لحد الآن، لكنه اتهم مشردين مغاربة بإشعال النار بالمخيم في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وكان فرانك الكاميروني (25 عاما) يتحدث بهدوء وثقة، وعينه على زبائنه داخل خيمته التي خصصها لتقديم وجبات، حيث يعدّ مساعده مأكولات مختلفة ويبيعها لباقي المهاجرين.
وبينما كشفت التحريات الأولية أن الحريق ناتج عن انفجار قنينة غاز كان يستعملها المهاجرون في الطبخ قبل أن تنتقل النيران إلى أفرشتهم وأغطيتهم، أبدى فرانك -بملامح أنهكها التعب والانتظار- أنه لا يهمه تتبع خيوط هذا الحريق الذي أتى على معظم خيامهم. واكتفى بمطالبة السلطات المغربية بفتح الباب أمامه للعبور نحو أوروبا لتحقيق حلمه بأن يصبح لاعبا في إحدى الأندية هناك.
وفي الوقت الذي يدفع الاتحاد الأوروبي بمقترح تشييد ملاجئ ومحطات إنزال ورقابة للمهاجرين الأفارقة في المغرب، لا يعير فرانك ورفاقه اهتماما لهذا النقاش المغربي الأوروبي، ولا يريدون سوى تيسير حياتهم اليومية في انتظار العبور إلى الضفة الأخرى، فهذا الملجأ الذي يتحصنون فيه لا يتوفر على شروط الحياة الكريمة، فهم يبيتون فيه ويتناولون طعامهم فيه، وحتى حاجاتهم الطبيعية يقضونها في جنباته.
وسبق أن أعلن المغرب رسميا رفضه فكرة إقامة مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة كبديل عن المقترح الإيطالي القاضي بتوزيع المهاجرين الذين يصلون إلى السواحل الأوروبية على الدول الأوروبية.
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إن “مقترح الأوروبيين توفير ملاجئ للمهاجرين في المغرب يبقى حلا سهلا، وله نتائج عكسية”.
وتخفي أسوار المخيم -الذي تشكل في يناير 2017- كمًّا هائلا من المآسي الإنسانية التي بدأ معظمها فيأفريقيا ولم تنته في المغرب الذي يعيش به ما بين 25 و40 ألف مهاجر غير نظامي من دول جنوب الصحراء، حسب معطيات وزارة الداخلية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن أزيد من 14 ألف مهاجر غير شرعي استفادوا من برامج اجتماعية تشرف عليها مؤسسات رعاية من أجل توفير ظروف عيش كريمة وإنسانية في إطار سياسة المغرب الجديدة لإدماج المهاجرين.
غير أن الواقع في مخيم المهاجرين بالدار البيضاء مختلف، فهؤلاء يمنعون اقتراب أي غريب من مخيمهم. وحدهم الناشطون في جمعيات حقوقية وخيرية من يجرؤون على الاقتراب منه لإيصال مساعدات إنسانية فقط.
ويتعلق هذا الملف -حسب ناشطين- بمهاجرين ليسوا ممن يطمحون للحصول على وثائق الإقامة بالمغرب، وإنما يعتبرونه محطة عبور. وتعمل جمعيات خيرية على مساعدة هؤلاء المهاجرين، بتوزيع أغطية وملابس وتوفير بعض الخدمات الصحية الأساسية.