عزيز أخنوش وزير مغربي يتهمه الإسلاميون بتدمير مشروعهم في الحكم
مجلة “فوربس” الأميركية تصنفه ضمن قائمة أثرياء المغرب. وفي قائمتها يحتل المرتبة الثالثة محليا والـ20 في القارة الأفريقية، وتقدر ثروة هذا المغربي القادم من تافراوت في ضواحي مدينة أغادير جنوب المملكة بحوالي 1.4 مليار دولار، فمن هو هذا الرجل الذي يمسك بملفات الزراعة والصيد البحري في المغرب منذ عام 2007.
إنه عزيز أخنوش الذي يقترب من العقد السادس من عمره ويحمل بين يديه دبلوما في التسيير من جامعة شيربروك، في كندا وتجربة وجذورا في مجال المال والأعمال، عازم على خدمة وطنه من خلال مشروعه السياسي والاقتصادي.
أخنوش يحظى بثقة الاتحاد الأوروبي بعدما ساهم في التوصل إلى تجديد اتفاقية الصيد البحري، ما مكن السفن الأوروبية -وعلى رأسها السفن الإسبانية- من العودة للنشاط في المياه الإقليمية المغربية، ما جعل مجلس الوزراء الإسباني يمنحه “وسام الصليب الأكبر للاستحقاق”.
سليل البرجوازية الوطنية
يترأس أخنوش مجموعة “أكوا” القابضة التي تضم 50 شركة وتتمحور نشاطاتها حول “النفط والغاز والمواد الكيماوية”، وتُعدُّ شركتا “أفريكا غاز” و”مغرب أوكسيجين” تابعتَيْن للمجموعة، كما تشتغل في المجال الإعلامي والتطوير العقاري والفنادق. ويشغل عضواً في العديد من المؤسسات أهمها “مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة” و“مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء” و “هيئة تقييم الخوصصة ” و“مكتب الاتحاد العام لمقاولات المغرب” و“مؤسسة أكاديميا”، وهو كذلك عضو في مجلس إدارة البنك المغربي للتجارة الخارجية، كما يشغل أيضا عضوية بنك المغرب.
يعتبر أخنوش واحداً من البرجوازيين الوطنيين الذين تمتعوا بثقة القصر الملكي التي لا يزال مفعولها ساريا إلى الآن. نيله تلك الثقة لم يأت من فراغ فالرجل بذل جهودا كبيرة في تنمية ثروته التي تركها له الأب “أحمد أخنوش أولحاج”، رجل الأعمال القادم من منطقة سوس، الذي دشن بها أولى أعماله في التجارة بمحل للبقالة بالدار البيضاء التي حل بها عام 1932، قبل أن يوسع نشاطاته بعد ذلك لتمتد إلى قطاع الصيد البحري والمحروقات.
والمشهود لأخنوش الأب أنه بنى ثروته من عرق الجبين وكانت له نشاطات لمقاومة المحتل الفرنسي ذاق بسببها الأمرّين وأحرقت محاله التجارية، وساهم بوطنية في العديد من المحطات الفارقة في تاريخ المغرب الحديث، وها هو الابن يسير على المنوال نفسه في السياسة والأعمال كما يشهد بذلك الكثير من الخصوم والأنصار.
كان واضحا في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لهذه السنة الاهتمام بالعالم القروي والقطاع الزراعي، لما له من أهمية استراتيجية قصوى في تحقيق المزيد من فرص الشغل والحفاظ على البنية الديمغرافية للبادية وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع، ولهذا السبب استقبل الملك محمد السادس في 19 أكتوبر الماضي، أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
خلال هذا الاستقبال وجه العاهل المغربي الوزير نحو بلورة تصور استراتيجي شامل وطموح من أجل تنمية قطاع الزراعة، بعدما عبر عن طموحاته وآماله في عالم قروي متميز بخلق أنشطة جديدة مدرة لفرص الشغل والدخل، لا سيما لفائدة الشباب، من خلال توسيع مجال الاستثمار الفلاحي في وجه جميع الفئات، مع تشجيع انبثاق طبقة وسطى فلاحية، وزيادة تسهيل الولوج إلى العقار الفلاحي لفائدة الاستثمار المنتج. إنها أجندة ملكية حاسمة تم نقلها إلى وزير عرف بجديته في التعاطي مع الملفات الحساسة والقرارات الملكية في ما يتعلق بأهمية إدماج قضايا الشغل وتقليص الفوارق ومحاربة الفقر والهجرة القروية في صلب أولويات استراتيجية التنمية الفلاحية.
ثقة ملكية مشروطة بإعطاء نفس قوي لقطاع الزراعة الذي يشرف عليه أخنوش منذ عشر سنوات تقريبا، فالاهتمام بالعالم القروي وانبثاق طبقة فلاحية وسطى حتى لا يبقى القطاع حكرا على كبار الإقطاعيين من بين الأولويات التي حث العاهل المغربي وزيره على بلورة تصور حولها ورفعه إلى القصر الملكي في قادم الأيام.
تجديد الثقة الملكية في كفاءة أخنوش يذكرنا بطلبه من مكتب الدراسات الأميركي ماكنزي بعد توليه وزارة الفلاحة في عام 2007 إستراتيجية فلاحية تنموية، ليتم الإعلان الرسمي عنها في شكل مخطط المغرب الأخضر سنة بعد ذلك، رصدت له ميزانية 150 مليار درهم، بهدف ضمان الأمن الغذائي، ورفع الدخل من الأجور، وخلق فرص الشغل، وتنمية الصادرات، ومحاربة الفقر ثم الرفع من الناتج الداخلي الخام.
أخنوش بين الثقة والاتهام
عمل أخنوش على تنفيذ الاستراتيجية الزراعية المعروفة بـ“المخطط الأخضر”، وسياسة الصيد البحري التي أطلق عليها اسم “أليوتيس” واستمر هذا الأمر مع الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية في عهد بن كيران والآن مع سعدالدين العثماني.
وكان للرجل دور حيوي في علاقات المغرب بالاتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري حيث أشادت وزيرة الفلاحة الإسبانية إيزابيل غارسيا تييرينا، بدوره الحاسم في إبرام اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في سنة 2012، وشددت على ضرورة مواصلة العمل يدا بيد مع أخنوش.
لقد زادت حدة خصوم أخنوش بعدما تم تقديمه صديقا مقربا للملك، خصوصا عندما استقبل أخنوش العاهل المغربي وزوجته الأميرة للا سلمى، في منزله في مدينة الدار البيضاء، سنة 2013، لتناول وجبة الإفطار خلال شهر رمضان. لكن هذا لا يعني أن العاهل المغربي يحابي حزبا على حساب آخر فهو فوق الأحزاب كما أكد على ذلك مرارا.
في الوقت الذي ينسب فيه البعض أجزل صفات التواضع ودماثة الخلق إلى الرجل، ويصفه بأنه من أنشط الوزراء في تاريخ المملكة، نجد أن هناك من ينتقد أخنوش على تغيير لونه السياسي من شخصية حزبية إلى تكنوقراطي ثم عودته إلى ترؤس حزب الأحرار.
في عام 2008 -أي سنة واحدة بعد توليه وزارة الزراعة في حكومة عباس الفاسي- وصفه موقع الجزيرة بأنه ماسوني ينتمي إلى منظمة الماسونية العالمية على اعتبار أنه شارك في أشغال مؤتمر المحفل الأكبر للماسونية في العاصمة اليونانية أثينا في يونيو من العام نفسه.
بالطبع نفى أخنوش ما نشره الموقع، وقال في بيان له إنه لم يشارك في المؤتمر، وأن الصحافي الذي كتب التقرير حينها اعتمد على مُعطى أنه كان ضمن الشخصيات التي دعيت إلى المشاركة في المؤتمر، ولم يتنبه إلى أنه لم يلب الدعوة، مشددا على أنه لا يرتبط بأي جهة ماسونية.
واعتبر مقرب من أخنوش أن هذا الادعاء جزء من الحرب التي شُنّت عليه، مستغربا أن تصل هذه الحرب إلى مستوى منحط، بلغ حد استهدافه من طرف كتائب العدالة والتنمية الإلكترونية، مستغربا وساخرا من اللجوء إلى هذا النوع من الأساليب بالترويج للمغالطات.
حتى الحزب الليبرالي المغربي، بقيادة محمد زيان، اتهم غريمه أخنوش بتسخير الحكومة لحماية مصالحه ومراكمة الأرباح، فالحزب الليبرالي يقول إن لديه وثائق تدعم ادعاءاته التي تفيد بحصول مجموعة أكوا على صفقة تأمين أسعار المحروقات دون اعتماد مسطرة الصفقات العمومية الجاري بها العمل. وعاب على أخنوش حالة التناقض الصارخ المتمثل في جمعه في آن واحد بين المسؤولية الحكومية، ورئاسته لمجموعة أكوا بصفتها أكبر شركة متخصصة في توزيع الغاز والمحروقات.
لم تهدأ المناوشات المتبادلة بين أخنوش وقيادات العدالة والتنمية، أو على الأقل التيار الموالي لبن كيران، فهذا الأخير يعتبر رئيس التجمع الوطني للأحرار هو الذي تسبب في إعفاء بن كيران من تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2016. ثبت هذا بعدما اعتبر البنكيرانيون تصريحات القيادي في الأحرار رشيد الطالبي في الآونة الأخيرة غير دقيقة وتمس من ولائهم للدولة والمجتمع فأطلقوا عليه نيران انتقاداتهم، ليخرج أخنوش مندهشا مما أسماه التهافت في ردود الأفعال المتضخمة وغير المفهومة التي استهدفت عضوا للمكتب السياسي في حزبه.
صراع الإرادات
خصومه السياسيون يقولون إن حزبه أتى لكبح مشاريعهم السياسية وتشويه سيرهم، لكن أخنوش يرد بأنه مستعد لتقبل الانتقادات ونقاش الأفكار حول القضايا الرئيسية التي أثارها التجمع الوطني للأحرار في ما يتعلق بتنمية القطاعات الاجتماعية بالمغرب، وإيجاد الحلول لمشكلة البطالة التي تراكمت خلال السنوات السبع الماضية واتخذت أبعادا تدق ناقوس الخطر، لكننا مرة أخرى نواجه محاولات للتضييق على هذا النقاش واحتلال المشهد بادعاءات فارغة وعقيمة.
الجدل بين أخنوش وأعضاء من العدالة والتنمية يمكن أن يتخذ أبعادا دراماتيكية وصراع طواحين لن يأتي بأي نتيجة وهذا ما انتبه إليه رئيس الأحرار. فأخنوش مؤمن بضرورة الحفاظ على مناخ عمل يسمح للمغرب بمباشرة ورش التنمية الحقيقية، لكنه لم يعد له متسع من التسامح عندما تعلق الأمر باستهداف التجمع الوطني للأحرار بهذا الشكل الذي وصفه بغير اللائق، لأن المواطنين لن يستمروا في تقبل الكيفية التي نتلقى بها الكثير من الافتراءات دون رد فعل، ولأن الأشخاص وراء هذه الهجمات يشحنونها بكثير من الطاقة، ولا يدخرون أي وسيلة للدعاية من أجل تمريرها، إلى درجة أصبحت معها هذه الهجمات عرقلة لأي محاولة للعمل الجاد.
بن كيران كان يعرف مكانة أخنوش السياسية والتجارية وعلاقاته الداخلية والخارجية لهذا كان براغماتيا في التعاطي معه طيلة المدة التي كان فيها وزيرا للزراعة والصيد البحري، وحتى عندما طالت أخنوش انتقادات بسبب استفراده بتدبير صندوق التنمية الفلاحية بقيمة 55 مليار درهم والذي نفى وجود 55 مليار درهم في الصندوق، مؤكدا أن موارده السنوية لا تتجاوز 3.3 مليار درهم، استمرّت العلاقة بين الرجلين متذبذبة إلى أن انقطع الود بسبب تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2016.
استمر الصراع بين العدالة والتنمية والأحرار لأكثر من خمسة أشهر وساهم في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات، بسبب اعتراض بن كيران الشديد على بعض اقتراحات أخنوش بخصوص الائتلاف الحكومي، كانت نتيجته إعفاء بن كيران من تشكيل الحكومة وقبول خلفه العثماني الذي بادر إلى تليين المواقف وشكل حكومته من ستة أحزاب.
ويبدو أن بن كيران لم يستوعب الموقف فآثر الصمت حتى فبراير هذا العام، عندما أطلق مدفعيته نحو عزيز أخنوش والتي كادت قذائفها تطيح بالحكومة التي يقودها حزبه، بن كيران نفسه هو الذي كان يقول في حق أخنوش أنه رجل عقلاني ويعمل بجد وهو من طلب منه أن ينضم إلى حكومته في عام 2012.
مشروع سياسي أخضر
ما يخيف العدالة والتنمية هو استمرار أخنوش رئيسا للحزب إلى عام 2021 الوقت المفترض أن يتم فيه إجراء انتخابات تشريعية، فهم يعلمون أن الرجل يمتلك مشروعا سياسيا بنكهة تنموية واقتصادية وأنه لم يسقط كما كان متوقعا في أتون المقاطعة التي شملت محطات الغاز التي يملكها، وقادة العدالة والتنمية يعون جيدا الترهل الذي أصبح عليه حزبهم بعد ولايتين حكوميتين مع حصيلة ضعيفة، وأن هذا السياسي جدي في منازلتهم انتخابيا وبرامجيا.
عزيز أخنوش لا ينفي طموحه إلى الأفضل سياسيا، وأنه إذا كان حزبه يبذل المجهودات ويقوم بجولات ميدانية ويبلور برامج ويلتقي مع المواطنين فذلك من أجل الحصول على نتيجة أفضل، رغم أن رهان خصومه كان في أن ينتهي سياسيا وتدمير نفوذه في المحروقات لكن يبدو أن الرجل ذاهب بخطاه الكبيرة في تحقيق مشروعه السياسي إلى النهاية، ويقول مراقبون سياسيون إن مزاوجته بين موقعه كرجل أعمال في قطاعات متعددة، منها الغاز، ومنصب وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ورئاسته حزبا سياسيا يمكن أن تكون ذات فائدة سياسية واقتصادية للمغرب وتساهم في إنجاح النموذج التنموي الجديد المزمع تقديمه إلى العاهل المغربي في الأشهر المقبلة.