الدروس الحديثية.. مشروع جديد في خطة الإصلاح الديني بالمغرب

الاثنين 2018/11/05

بعد أكثر من عقد من الزمن على إطلاق مبادرة إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب، التي شملت مختلف مكونات المشهد الديني بالمملكة، أطلق العاهل المغربي، الملك محمد السادس يوم الجمعة مشروعا جديدا يستكمل ما تم ترسيخه طوال السنوات الماضية، ويتعلق الأمر هذه المرة بمشروع حمل اسم “الدروس الحديثية”، الهدف منه خدمة الحديث النبوي، وفي الوقت نفسه حماية التراث الحديثي من التحريف الذي يطاله، سواء تعلق الأمر بالمتطرفين الذين يحرّفون الأحاديث أو يتكئون على أحاديث موضوعة لتحقيق أهدافهم، أو تعلق بأولئك الذين يشككون في السنة.

المشروع يشرف عليه كل من المجلس العلمي الأعلى ودار الحديث الحسنية، التابعة لجامعة القرويين بفاس، وهو يهم كل ما يرتبط بالحديث وعلومه، مثل طرق أخذ الحديث لدى الرواة، ومنهجهم في النقل، وشروط الصحة والضعف، مع التركيز على منهج الإمام مالك في التعامل مع الحديث الصحيح وجمعه وتدوينه.

وسيتم نقل هذه الدروس، التي يلقيها علماء متخصصون في علم الحديث، بكل من قناة محمد السادس للقرآن الكريم، وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بشكل أسبوعي، على أن تكون تلك الدروس تفاعلية بما يسمح بتلقي أسئلة المواطنين واستفساراتهم.

وفي الواقع يشكل هذا المشروع استكمالا لمشروع آخر بدأ في العام 2005 بإنشاء قناة محمد السادس للقرآن الكريم والإذاعة المرتبطة بها، في إطار تقريب الوعي الديني الصحيح من المواطنين ومحاربة الجهل بالقضايا الدينية التي تسمح للتيارات المتشددة بالتسلل عبر الفجوات لتحريف المفاهيم لدى الشباب بوجه خاص. وقد لقيت تلك التجربة نجاحا كبيرا، بحيث يعد هذان الحاملان، القناة والإذاعة، من أكثر الحوامل استقطابا للجمهور سواء داخل المغرب أو في البلدان الأفريقية، إذ يشهدان إقبالا واسعا بالنظر إلى الفراغ الذي غطياه في مجال التوعية الدينية.

إذا كان المشروع الجديد يشكل استكمالا لما تم في صرح الإصلاح الديني بالمغرب، إلا أنه في الوقت نفسه يعد حلقة لربط فئة العلماء بالعامة وسد الفجوة التي كانت قائمة بين الطرفين في الماضي

بيد أن مشروع خدمة الحديث النبوي ومحاربة تيارات التحريف ليس جديدا في تاريخ المغرب. فقد دأب الملوك العلويون منذ أكثر من ثلاثة قرون على المساهمة في الإصلاح الديني من خلال وضع برامج للإصلاح التعليمي في جامع القرويين الشهير بفاس، وفي المدارس الدينية المنتشرة في عموم البلاد مثل مراكش ومنطقة سوس. وكان السلطان محمد بن عبدالله، في بداية القرن الثامن عشر، من أكثر ملوك الدولة العلوية الذين خاضوا غمار الإصلاح الديني من مدخل الحديث النبوي، بعد أن تسربت إلى الثقافة الدينية بالمغرب مختلف أشكال الخرافة والشعوذة التي شكلت دعامات استغلتها جهات معينة لتحريف القيم الدينية المجمع عليها لدى المغاربة، مثل بعض الزوايا الصوفية التي كانت تجد في انتشار الخرافات أدوات لخدمة أجندتها المرتبطة بالخروج على شرعية الحكم المركزي؛ ولهذا وجدنا بعض هؤلاء السلاطين يتصدون بأنفسهم للتأليف في الحديث وجمعه، مثل ما قام به السلطان محمد بن عبدالله في كتابه “الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية تشفى بها القلوب الصدية”، الذي طبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الثمانينات في عهد الملك المغربي الراحل الحسن الثاني.

ويخوض المغرب منذ نحو عقدين من الزمن معركة طويلة النفس للقضاء على التطرف الديني بجميع أشكاله، من الخطابة إلى التعليم مرورا بالثقافة الدينية العامة. وقبل عشر سنوات، بعد إنشاء قناة محمد السادس للقرآن الكريم والإذاعة المرتبطة بها، أحيت الدولة مشروع الكراسي العلمية، الذي كان تقليدا عريقا في جامع القرويين قديما، إذ كانت تلك الكراسي عبارة عن دروس في مختلف مناحي الفكر الديني يؤمها العامة والخاصة، وقد تم إحياؤها ليتم إلقاؤها عبر القناة والإذاعة ليتابعها الملايين، ولم يكن غريبا أن تلقى تلك الدروس حظوة في عدد من البلدان الأفريقية.

وإذا كان المشروع الجديد يشكل استكمالا لما تم في صرح الإصلاح الديني بالمغرب، إلا أنه في الوقت نفسه يعد حلقة لربط فئة العلماء بالعامة وسد الفجوة التي كانت قائمة بين الطرفين في الماضي. ففي العام 2009 أطلق الملك محمد السادس خطة أطلق عليها “ميثاق العلماء”، التي ترتكز على دعامتين، الأولى هي تأهيل الأئمة والمرشدين بحيث يكونون أقرب إلى الناس على مستوى الخطاب، والثانية توعية المواطنين دينيا، كل ذلك في إطار الثوابت الدينية للمغاربة، ما يعد رافعة أساسية في محاربة الغلو الديني والتطرف.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: