نكسة انتخابية تدفع أنجيلا ميركل إلى إنهاء مسيرتها السياسية
عصفت نكسة الانتخابات المحلية في ألمانيا بالحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، ما دفعها إلى إعلان التخلي عن رئاسة الحزب الذي يستعد لانتخابات ديسمبر المقبل وإنهاء مسيرتها السياسية بنهاية ولايتها في 2021، فيما يواجه ائتلافها الحاكم الهش أزمات مستفحلة قد تفضي، حسب مراقبين، إلى تفككه ومضي البلاد نحو انتخابات مبكرة.
أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاثنين، تخليها عن منصب المستشارة في نهاية ولايتها الرابعة والأخيرة في العام 2021 على أن تتخلى عن رئاسة الحزب في ديسمبر، سعياً إلى تخفيف وطأة الأزمات السياسية التي يعاني منها ائتلافها الحكومي الذي يواجه شبح التفكك، ما قد يدفع بالبلاد إلى انتخابات مبكرة، فيما هلّل حزب البديل لألمانيا، اليميني المتطرف، بالخطوة قائلا إن حزبه ساهم بشكل كبير في القرارات التي أعلنتها المستشارة.
وقالت المستشارة “أولا في المؤتمر القادم لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ديسمبر في هامبورغ، لن أرشح نفسي مجددا لمنصب زعامة الحزب”.
وأضافت “ثانيا هذه الولاية الرابعة هي الأخيرة في منصب المستشار الألماني، في الانتخابات الاتحادية لن أترشح مجددا لمنصب المستشارية في 2021 ولن أترشح للبوندستاغ، لن أسعى لأي مناصب سياسية أخرى”، في إشارة إلى البرلمان الألماني.
ولطالما بدا أن ميركل التي تبلغ الرابعة والستين من العمر أمضت 13 منها في منصب المستشارية، لا ينال منها التعب، لكن الأزمات المتلاحقة داخل ائتلافها والانتقادات الموجّهة لسياسة الهجرة التي تتبعها أدت إلى إنهاكها بشكل لا يمكن إصلاحه.
وفي خطوة حاسمة باتجاه إنهاء مسيرتها السياسية، قالت المستشارة إنها تأمل أن ينهي رحيلها الخلافات المريرة داخل الائتلاف الحكومي لكي يتم التركيز على مهمة حكم أكبر اقتصاد أوروبي.
واتخذت ميركل قرارها غداة نكسة انتخابية مني بها حزبا تحالفها (الحزب الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) في مقاطعة هيسن، بعد أن بدأت ولايتها الرابعة بصعوبة إثر مفاوضات شاقة.
وانتهى الأمر بالناخبين إلى التعبير عن سأمهم من طريقة الحلول الوسطى التي اتبعتها ميركل بين معسكرها المحافظ والاشتراكيين، مع صعود اليمين القومي.
وتوصف ميركل كثيراً بأنها أقوى امرأة وقائدة أوروبا الفعلية، لكن قوتها بدأت تضعف منذ قرارها في 2015 فتح حدود بلادها في ذروة أزمة الهجرة في أوروبا والسماح لأكثر من مليون لاجئ بدخول البلاد، ما أدى إلى حالة استقطاب في ألمانيا، وربما زيادة ظهور اليمين المتطرف.
وبسبب مهاجمته اللاجئين أصبح حزب البديل لألمانيا المناهض للهجرة أكبر حزب معارض في البرلمان، وبعد نتائج قوية في مقاطعة هسن، أصبحت له مقاعد في جميع برلمانات المقاطعات الألمانية.
وأكد ألكسندر جاولاند، رئيس حزب البديل لأجل ألمانيا، أن حزبه أسهم في فقدان المستشارة الألمانية سلطتها داخل الحزب المسيحي الديمقراطي، مشيرا إلى أن “هناك علاقة وطيدة بيننا وبين حدوث ذلك”.
وتغير كل شيء صيف 2015، حين اتخذت ميركل قرارا تاريخيا بفتح بلادها أمام مئات الآلاف من طالبي اللجوء السوريين والعراقيين والأفغان الذين عبروا إلى أوروبا سيرا بعد المجازفة برحلات خطرة في البحر.
ورغم القلق المحيط بذلك، وعدت بدمجهم في المجتمع الألماني وحمايتهم، وقالت للألمان آنذاك “سنتمكن من ذلك”.
وحتى ذلك الحين لم تكن ميركل، المتحصلة على شهادة دكتوراه في الكيمياء، تواجه مخاطر سياسية، مستفيدة من الازدهار الذي تحقق جراء إصلاحات غير شعبية قام بها سلفها الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر.
وفي معرض تفسيرها لقرارها حول المهاجرين الذي اتخذته دون التشاور فعليا مع شركائها الأوروبيين، تتحدث ميركل باستمرار عن “القيم المسيحية”. وهذا مرده أنها ابنة قس نشأت خلف الستار الحديدي وعرفت التقشف في ألمانيا الشرقية، بعدما قرر والدها الانتقال من الغرب إلى الشطر الشرقي من البلاد للمساهمة في نشر التعاليم المسيحية في الدولة الشيوعية.
وفي نهاية 2015 أثارت المستشارة المشاعر عبر التقاطها صور السلفي برفقة مهاجرين ممتنين لها، حيث تحولت ميركل التي وصفت بالنازية بسبب سياستها المالية المتصلبة إزاء اليونان المديونة، إلى “ماما ميركل” لدى اللاجئين.
وبعد سنة، وإثر الزلزال الذي أحدثه وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، أطلق عليها سياسيون ووسائل إعلام أخرى لقب “زعيمة العالم الحر”.
ولكن في الواقع تغيرت الأمور في ألمانيا حيث أصبح المهاجرون يثيرون القلق وتزايدت المخاوف حيال الإسلام والاعتداءات وتحول قسم من قاعدتها الناخبة المحافظة إلى تشكيل حزب يميني متطرف هو البديل لألمانيا.
وفي سبتمبر 2017 سجل هذا الحزب صاحب شعار “ميركل يجب أن ترحل”، دخولا تاريخيا إلى البرلمان وكسر بذلك محرمات كانت سائدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وتلقت المرأة الحديدية، كما يصفها الكثيرون، ضربة إضافية في ديسمبر حين تبين أنها لم تقدم أبدا تعازيها لعائلات ضحايا الاعتداء دهسا بشاحنة في نهاية ذلك العام في برلين، حيث كان منفذ الهجوم باسم تنظيم الدولة الإسلامية أحد طالبي اللجوء.
وفي أوروبا أيضا، أدت سياسة الهجرة التي اعتمدتها ميركل إلى إضعافها، فكما أنها ترفض مشاركة أعباء الديون، رفض تحالف شركائها مشاركة أعباء المهاجرين الذين أدخلتهم إلى البلاد.
وقد يحد ضعف ميركل في الداخل من قدرتها على القيادة على مستوى الاتحاد الأوروبي في وقت يتعامل فيه التكتل مع خروج بريطانيا وأزمة تتعلق بالميزانية في إيطاليا واحتمالات تحقيق أحزاب شعبوية مكاسب في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المقبل.
ومن المتوقع اختيار خليفة لميركل خلال المؤتمر العام للحزب المقرر عقده مطلع ديسمبر المقبل في مدينة هامبورغ، فيما أعلنت الأمينة العامة للحزب أنجريت كرامب-كارنباور ووزير الصحة ينز شبان الترشح لرئاسة الحزب.