الحزب الحاكم في الجزائر يرشح بوتفليقة للرئاسة دون علمه
حمل تجاهل التلفزيون الحكومي لتصريح الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم جمال ولد عباس، حول ترشيح الحزب للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لولاية رئاسية خامسة، رسالة عدم الاهتمام المتزايد بخطاب ومواقف الحزب الحاكم، لأنها لم تتجاوز حدود التوقعات لدى الرأي العام.
ويأتي هذا وسط مؤشرات على أن ولد عباس جازف بترشيح بوتفليقة قبل معرفة رأي مؤسسة الرئاسة والحلقة الضيقة المحيطة ببوتفليقة، فضلا عن مؤسسة الجيش ذات النفوذ القوي في الملف السياسي.
وجدد الأمين العام لحزب جبهة التحرير أمام الكتلة النيابية لحزبه، التذكير بأن بوتفليقة (81 عاما)، هو مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية المنتظرة في أبريل القادم، ليمر بذلك الرجل لولاية خامسة غير مسبوقة في تاريخ الرئاسة الجزائرية.
ولم يحسم المتحدث إن كان القرار يتعلق بولاية رئاسية خامسة، أو باستمرار في السلطة، باعتبار المفردات التي أطلقها ولد عباس تحمل في طياتها دلالات سياسية ووضعا يختلف بين الخيارين، لأن الولاية الخامسة تفيد بإجراء انتخابات رئاسية عادية في موعدها، حسب ما أكده رئيس الوزراء أحمد أويحيى، والاستمرار في السلطة يوحي بسيناريوهات أخرى، تقبل إرجاء الاستحقاق الانتخابي لموعد آخر، من أجل أن يستمر بوتفليقة في منصبه كأمر واقع.
ولم يصدر أي تعليق من المصادر المقربة من محيط الرئاسة للإيحاء بموقف الرجل من الموعد السياسي ومن سلسلة المناشدات التي باشرتها أحزاب السلطة خلال الأشهر الأخيرة، ليبقى الغموض قائما حول مرشح السلطة في الموعد القادم، سواء بترشيح بوتفليقة، أو بخليفة له.
ويبدو أن جمال ولد عباس غير متأكد من موقف بوتفليقة من قرار الحزب، كونه أضاف في تصريحه عبارة “إذا أراد ذلك”، وهو ما يوحي بأن أمين عام الحزب الحاكم يمارس نوعا من الضغط لبقاء الرجل في السلطة، بشكل يضمن استمرار معسكر الموالاة في مواقعه.
وكان الوزير السابق ورئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس، الموالي للسلطة، قد شدد على ضرورة “عدم الضغط على الرئيس (بوتفليقة)، وترك الحرية له في اختيار قراره”، في إشارة إلى عدم رضاه عن انفراد ولد عباس بمشروع الولاية الرئاسية الخامسة، وهو ما يتجلى في عدم حسم الحزب المذكور لموقفه من الانتخابات الرئاسية، وإرجاء القرار لغاية انعقاد دورة مجلسه الوطني.
ويرى مراقبون للشأن السياسي في الجزائر أن صمت ما يعرف بـ”لجان المساندة” التي عادة ما تتحرك بإيعاز من الحلقة الضيقة في مؤسسة الرئاسة، يوحي بأن الموقف لم يتبلور بعد بشأن المسألة، وأن جميع السيناريوهات واردة، في ظل عدم رسو الأجنحة النافذة في السلطة على موقف نهائي.
وتعتبر لجان المساندة الشعبية، التي استحدثت منذ قدوم بوتفليقة إلى قصر المرادية في 1999، أحد المؤشرات القوية على رغباته الحقيقية في خوض الاستحقاقات الرئاسية، لا سيما وأن نشاطا كان مبرمجا لتلك الفعاليات بالعاصمة خلال الأسابيع الماضية، إلا أنه تأجل لأسباب مجهولة، لكنها تترجم غموض الموقف حول قرار ترشيح بوتفليقة.
واستهجن عمارة بن يونس، في تصريحات صحافية، انفراد جمال ولد عباس بمشروع الولاية الخامسة، ووصفها بـ”الخطوة التي تستهدف قيادة المشروع ووضع المؤيدين في الخلف”. كما أكد أن بوتفليقة “خاض الاستحقاقات الماضية كمرشح مستقل، ولم يتقدم باسم حزب معين، ولن يكون كذلك في 2019″، في إشارة إلى مناورة زعيم الحزب الحاكم.
ومع ذلك ألمح تصريح ولد عباس، بالقول إن “بوتفليقة هو مرشح الحزب”، وعكس المرات السابقة التي كان يدعو فيها الرجل إلى الترشح، إلى تطور ما يكون قد وقع في الدائرة النافذة، بغرض قطع الطريق أمام الطامحين من الحزب، للتقدم لخوض الاستحقاق المذكور، والتوجه إلى التفعيل الميداني للمشروع.
ويستمر الظهور النادر لبوتفليقة، منذ إصابته بجلطة دماغية في أبريل 2013، حيث يعود آخر ظهور له إلى استقبال أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية خلال زيارتها للجزائر منتصف الشهر الماضي، وانعقاد مجلس للوزراء بمناسبة الدخول الاجتماعي، وما عدا ذلك يبقى الرجل متواريا عن الأنظار، رغم انتظار الرأي العام ظهورا منه يحسم أزمة البرلمان القائمة.
ويبقى الجدل قائما في البلاد حول جدوى الخيارات السياسية التي تتبناها السلطة في السنوات الأخيرة، رغم خلفياتها وتداعياتها على مؤسسات الدولة، واحتقان الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في ظل ما تسميه أحزاب المعارضة بـ”شغور مؤسسة الرئاسة، وشلل مؤسسات الدولة”.
ورغم الإغلاق المنتظر للعبة السياسية والاستحقاق الرئاسي، لصالح مرشح السلطة، في حال الإبقاء على بوتفليقة، إلا أن العديد من الشخصيات الحزبية والمستقلة أعربت عن رغبتها في التقدم لخوض الاستحقاق، على غرار رئيس جبهة المستقبل عبدالعزيز بلعيد، ورئيس الحزب الاشتراكي فتحي غراس، والبرلماني السابق طاهر ميسوم، وعلي زغدود، فضلا عن الناشط السياسي عبدالغني مهدي.