صينيون في الجامعات الغربية: جمع المعلومات لتزويد بكين بالتكنولوجيا

تعكف الحكومة الصينية على تعبيد الطريق نحو تطبيق برنامج الصين 2025، الذي سينتقل بالصينيين إلى مستوى أعلى من الهيمنة في صناعات التكنولوجيا العالية. وضاعفت هذه الخطة من التركيز المتزايد على نقل التكنولوجيا من الشركات الأجنبية، وهو نقل يعتمد في أغلبه على عمليات الجوسسة، وما يصفه الباحث في معهد هادسون للأبحاث، توماس جي ديتسبورغ، بـ”النقل القسري”، وتعتبر الجامعات البيئة الأنسب للصين لممارسة هذا النقل والحصول على المعلومات التي تحتاج إليها في مشاريعها وضمن خططها لتكون قوة عالمية سياسيا وصناعيا واقتصاديا.

على مدى سنوات أرسلت الصين الآلاف من العلماء التابعين لقواتها المسلحة إلى الجامعات الغربية، خاصة في الدول التي تتشارك المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، وقامت ببناء شبكة من التعاون في مجال الأبحاث يمكن أن تدعم تطوير التكنولوجيا العسكرية في بكين، كما عملت على تكوين خلايا تابعة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم تعمل على نشر أيديولوجيا الحزب في الجامعات الغربية.

وتشير صحيفة فايننشال تايمز إلى أن قرابة 2500 باحث من الجامعات الصينية أمضوا البعض من وقتهم في جامعات أجنبية، تابعة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على مدى العقد الماضي.

ونقلت فايننشال تايمز هذه الأرقام عن دراسة جديدة صادرة عن معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي.

وتأتي الدراسة الأسترالية وتقرير  فايننشال تايمز، في سياق اهتمام الإعلام الغربي بقضية التهديد الصيني وحرب الجواسيس، التي أخذت صدى مؤخرا على خلفية إلقاء القبض على جاسوس صيني في بلجيكا وتسليمه إلى الولايات المتحدة في العاشر من شهر أكتوبر.

وكان شو يان جون، وهو نائب مدير قسم المكتب السادس في وزارة أمن الدولة الصينية، مكلفا بالحصول على تقنيات ترغب الصين في الحصول عليها من شركات أجنبية.  وطبقا للائحة الاتهام، حاول شو سرقة تصميمات لتكنولوجيا جهاز محرك الطائرة المجمع.

وبينما تم فضح أمر شو يان جون، يقول الخبراء إن عددا كبيرا من العملاء والجواسيس الصينيين ينشطون في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. ويتركز هؤلاء بشكل رئيسي في الجامعات.

ويشير معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي إلى أن أغلب الباحثين الصينيين الذين تواجدوا، ومازالوا، في الجامعات الأميركية والبريطانية وغيرها، ذوو خلفيات عسكرية.

الصين ترسل الآلاف من العلماء التابعين لقواتها المسلحة إلى الجامعات الغربية وتقوم ببناء شبكة من التعاون في مجال الأبحاث يمكن أن تدعم تطوير التكنولوجيا العسكرية في بكين

لكن الكثير من الباحثين التابعين لجيش التحرير الشعبي الصيني لا يذكرون انتماءهم العسكري عند التقديم للجامعات الغربية أو عند نشر أبحاثهم باللغة الإنكليزية، بل يقدمون أنفسهم كأعضاء في مؤسسات أكاديمية ذات طابع مدني بدلا من ذلك.

ومن بين الجامعات في الولايات المتحدة، التي استضافت حوالي 500 من العلماء الزائرين التابعين لجيش التحرير الشعبي خلال العقد الماضي، نشر علماء جامعة جورجيا للتكنولوجيا أعلى عدد من الأبحاث المشتركة مع باحثين في الجيش الصيني.

ركزت الصين اهتمامها على دول مجموعة “العيون الخمس″ وهي: أستراليا ونيوزيلندا وكندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي تكون أكبر تحالف استخباراتي في العالم. وتشير فايننشال تايمز إلى أنه خلال السنوات الخمس الماضية، نشر باحثون تابعون لجيش التحرير الشعبي الصيني أبحاثا مشتركة تعاونوا فيها مع علماء من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أكثر من تلك التي قاموا بها مع أي دولة أخرى.

التحكم في تدفق التكنولوجيا

تسهم النتائج في إثارة الجدل الدائر في بعض العواصم الغربية حول كيفية التحكم في تدفق التكنولوجيا المتطورة وخاصة ثنائية الاستخدام إلى بكين، وهي إحدى الجبهات الرئيسية في نضالهم للحاق بالركب الصيني المتسارع.

ونقلت فايننشال تايمز عن أليكس جوسك مؤلف الدراسة الأسترالية، أن التعاون البحثي الدولي لجيش التحرير الشعبي الصيني “يركز على العلوم الصعبة، وخاصة التكنولوجيات الناشئة والمتعددة الاستخدام”، والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، مدنيا وعسكريا.

وفي حين أن الولايات المتحدة والجيوش الغربية الأخرى وسعت من أنشطة عمليات التبادل مع القوات المسلحة الصينية، فإن العلماء الذين يرسلهم جيش التحرير الشعبي الصيني إلى الخارج عادة لا تكون لهم صلة بالضباط العسكريين في الدول المضيفة لهم.

وبدلا من ذلك، ينصب التركيز على جمع المعرفة لتزويد الصين بالتقدم التكنولوجي العسكري. وفي عام 2015، كتبت مجلة “شنتسو خويرن” عن تعاون في مشروع متعدد التخصصات بين الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني وجامعة كامبريدج.

وذكرت المجلة أن التعاون سينتج الجيل القادم من خبراء تكنولوجيا الكمبيوترات في الصين، بينما “سيعزز بشكل كبير قوتنا في مجالات الدفاع والاتصالات ومكافحة التشويش للتصوير والملاحة عالية الدقة”. ووجد جوسك أن تكنولوجيا الملاحة وعلوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي هي المجالات المهيمنة في عملية التبادلات بعد مراجعة التعاون بين العلماء الصينيين والأجانب منذ عام 2006 وإصدار إحصاءات حول الباحثين الصينيين الذين تم إرسالهم إلى الخارج.

وعلى سبيل المثال، قام العديد من الباحثين بزيارة جامعات في المملكة المتحدة، وهم يواصلون الأبحاث المشتركة حول مواضيع مثل المحركات النفاثة التضاغطية، والتي يمكن أن تساعد الطائرات على الطيران بسرعة تبلغ ستة أضعاف سرعة الصوت.

الصينيون مصممون على لعب دور في مستقبل العالم
الصينيون مصممون على لعب دور في مستقبل العالم

وشارك وانغ تسينغو، نائب رئيس برنامج المحرك النفاث التضاغطي، بجيش التحرير الشعبى الصيني ورئيس قسم الدراسات العليا في الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع، في تأليف 18 بحثا مع علماء أجانب.

وقال الباحث في جامعة المملكة المتحدة هوانغ وي، وهو باحث في برنامج المحرك النفاث التضاغطي بالجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع وخبير تصميم الطائرات في قسم التسلح العام بجيش التحرير الشعبي، إنه عمل على درجة الدكتوراه أثناء زيارته لجامعة ليدز بإنكلترا بين عامي 2008 و2010. وقال تشين نينغ، الأستاذ بجامعة شيفيلد المشاركة في بعض التبادلات مع الخبراء الصينيين في برنامج المحرك النفاث التضاغطي، إن أبحاثهم المشتركة كانت أكاديمية بطبيعتها.

وأضاف أن عددا من المشروعات التعاونية بين دول الاتحاد الأوروبي والصين، بمشاركة جامعة نانجينغ للملاحة الجوية والملاحة الفضائية، التي تديرها إدارة الدولة للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني، وهي الجهة المنظمة لصناعة الأسلحة الصينية، قد أنتجت “تعاونا مثمرا”.

وتذكر الدراسة الأسترالية أن الجنرال هو تشانغهوا، أحد خبراء الصواريخ البارزين، في جامعة روكيت فورس للهندسة، أمضى ثلاثة أشهر في جامعة دويسبورغ-إيسن الألمانية في عام 2008، بينما كان تسو تسيجي، وهو محاضر آخر بجامعة روكيت فورس للهندسة، باحثا زائرا في جامعة مانشستر في عام 2009.

وأخفى كلاهما ارتباطهما بجامعة روكيت فورس للهندسة، بل وذكرا انتماءهما لمعهد “شيان للبحث التكنولوجي”، وهي مؤسسة غير موجودة. واستمرا في نشر أبحاثهما باللغة الإنكليزية مستغلين اسم هذا المعهد غير الموجود.

وتشرف على الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع الصيني، اللجنة العسكرية المركزية، وهي أعلى هيئة عسكرية في الصين. وفي عام 2015، أضافت الحكومة الأميركية اسم الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع الصيني إلى قائمة المنظمات التي تتطلب دراسة لكل حالة التحاق بها من أجل منحها ترخيصا، بما في ذلك ما يتعلق بمجال التكنولوجيا، بموجب لوائح إدارة التصدير.

نشر أيديولوجيا الحزب

إلى جانب إيفاد العسكريين الباحثين عن المعلومات التكنولوجية، تستفيد الجامعات الصينية من برامج التبادل بين الجامعات لإنشاء خلايا تعمل على نشر أيديولوجيا الحزب الحاكم في الصين.

ويشير تقرير لمجلة فورين بوليسي إلى أن جامعة إيلينوي الأميركية ترتبط بعلاقات شراكة مع العديد من الجامعات الصينية في مجال برامج التبادل. وأصدرت اثنتان على الأقل من هذه الجامعات الصينية توجيهات للمشاركين بتكوين خلايا للحزب في الحرم الجامعي، واستخدام هذه الخلايا للمراقبة والسيطرة الأيديولوجية، وذلك من واقع ما ذكر في مقالات نشرت بمواقع تلك الجامعات ومقابلات مع الطلاب المشاركين.

ويقول طالب صيني شارك في برنامج للتبادل بجامعة إيلينوي في خريف عام 2017، إن الطلاب قبل ذهابهم في الرحلة الدراسية إلى الولايات المتحدة، تعين عليهم حضور محاضرة عن أخطار “فالون جونغ” وهي مجموعة روحية معادية للحزب واسعة النفوذ يحظر نشاطها في الأراضي الصينية لكنها نشطة في الولايات المتحدة.

وبعد وصول الطلاب إلى إيلينوي، طلبت منهم جامعتهم تكوين فرع مؤقت للحزب ووجهت الطلاب بعقد حفل لعرض وجهات النظر أثناء المؤتمر التاسع عشر للحزب في أكتوبر، وهو أكبر مؤتمر تخطيط ويعقده الحزب كل خمس سنوات.

وأفاد الطالب الصيني كذلك بأن بعض المشاركين في برامج التبادل بجامعة إيلينوي طلُب منهم إرسال تقارير عن أي آراء يعتبرونها هدّامة قد يبديها زملاؤهم في الصفوف أثناء البرنامج. وقال “بعد عودتنا إلى الصين، أجريت معنا اجتماعات منفردة مع أساتذتنا. تحدثنا عن أنفسنا وعن أداء الآخرين في الرحلة. كان علينا الحديث عن أي أفكار معادية للحزب لدى طلاب آخرين“.

التعاون البحثي الدولي لجيش التحرير الشعبي الصيني يركز على العلوم الصعبة، وخاصة التكنولوجيات الناشئة والمتعددة الاستخدام، فالتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج لها تطبيقات مدنية وعسكرية

ولم تكن رحلة إيلينوي فريدة في هذا الشأن. فخلايا الحزب ظهرت كذلك في ولايات أميركية أخرى مثل كاليفورنيا وأوهايو ونيويورك وكونيتيكت ونورث داكوتا ووست فرجينيا.

وتقول بثاني آلن-ابراهيميان، المحللة في مجلة فورين بوليسي، إن الخلايا جزء من إستراتيجية يجري توسيعها الآن تحت قيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ من أجل توسيع السيطرة المباشرة للحزب على مستوى العالم وعزل الطلاب والأساتذة في الخارج عن تأثير “الأيديولوجيا الضارة”.

وتقول سامانثا هوفمان، وهي أستاذة زائرة بمعهد ميركاتور للدراسات الصينية في برلين، إن هذه الخلايا المشكّلة بالخارج تتفق مع الأهداف الأشمل للحزب. وتضيف قائلة “يمكن للمعارضين الناشطين للحزب معرفة هذا، أو من يصدرون بعض التعليقات، يعرفون أن هذا قد يسبب لهم الضرر. يتم نقل هذه المعلومات. إنها طريقة للسيطرة على ما تعتزم القيام به“.

وأورد تقرير نشر في صحيفة غلوبال تايمز الموالية للحزب الحاكم في الصين أن “الزيادة في عدد خلايا الحزب بالخارج ظاهرة جديدة، تظهر التأثير المتنامي للحزب الشيوعي الصيني وللصين. إن الخلايا التابعة للحزب في الخارج مسؤولة أيضا عن الترويج لسياسات الحزب والحكومة“.

ولا يقتصر التوسع في إنشاء خلايا تابعة للحزب الشيوعي الصيني على الجامعات الأميركية. فالفروع في الولايات المتحدة ليست سوى جزء من شبكة متنامية من الخلايا تشكلت في مقرات جامعية بكندا والمكسيك وتشيلي وأستراليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان وكوريا الجنوبية وتايلاند وغيرها.

وقال بيتر ماتيس وهو محلل شؤون صينية في مؤسسة جيمس تاون “فروع الحزب هي بمثابة قناة تتم من خلالها ممارسة النفوذ السياسي”، فيما يقول باحث في معهد هادسون للأبحاث “لا يزال أمام الصين طريق طويل لتحقيق أهدافها الطموحة في الصناعة المتطورة، لكن من الواضح أن الصينيين مصممون على المضي قدما ولعب دور في مستقبل العالم”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: