دعوات لمراجعة النموذج التنموي المغربي تجنبا لاحتجاجات شعبية
دعا الملك محمد السادس في افتتاح مجلس النواب في أكتوبر الجاري، إلى التفكير في نموذج تنموي جديد وتقديم مقترحات بديلة تستجيب لمطالب واحتياجات المواطن المغربي.
وتساءل سياسيون وباحثون في مجالات متعددة عن الوسائل والإمكانات التي تتطلبها عملية الإصلاح لتجاوز مطبات النموذج التنموي السابق الذي فشل في تحقيق عدالة اجتماعية والقضاء على التفاوت بين الجهات، والمسؤول عن اندلاع احتجاجات شعبية بالمناطق المهشمة.
وأكد عمر حنيش، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن تجديد النموذج التنموي المغربي يتطلب إطلاق جيل جديد من الإصلاحات تجمع بين التوافق في النمو الاقتصادي وبين رفاهية المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأشار الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبدالله، إلى أن هناك رغبة في رسم ملامح مشروع تنموي جديد، لكن هذا المشروع لا يمكن أن يقرأ بطريقة اقتصادية صرفة، معتبرا أن هذا المشروع التنموي يجب أن يتوفر على جميع الأبعاد الممكنة أهمّها البعد الديمقراطي، فالانتقال الذي تعرفه المملكة ديموغرافيا واقتصاديا واجتماعيا لا بد وأن تواكبه إصلاحات متعددة المستويات تصب في صالح الفئات المهمّشة.
ويلفت متابعون إلى ضرورة الاستفادة من أخطاء النموذج السابق التي كانت لها تداعيات في مجالات عدة بأكثر جرأة وفاعلية.
ويرى نورالدين أفاية، أستاذ التعليم العالي وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن المغرب في لحظة مفصلية من تاريخه السياسي والاجتماعي، وفي سياق الوعي التاريخي الضروري بمآلاتها، التي تتطلب البحث الجدي عن “مشروع تنموي” له أبعاد سياسية شمولية.
ويعتبر البعد المجالي ركيزة أساسية للنموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه الملك محمد السادس، وأوضح رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، أن اعتماد هذا البعد سيمكن من حلّ العديد من المعضلات الاجتماعية بإطلاق ديناميات اقتصادية تستثمر إمكانيات كل جهة أو إقليم وتيسّر توزيعا عادلا للثروات وتخفف من ثقل تمركز إنتاج الثروات في مناطق بعينها.
وأقر خالد الناصري، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة والسفير الجديد للمغرب في الأردن، أن المغرب “بحاجة إلى مراجعة نموذجه التنموي”.
ويتطلب تجديد النموذج التنموي المغربي إرساء أسس نمو اقتصادي مستدام، وتسريع تحديث المجتمع، وتعزيز دولة القانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، واتخاذ الإجراءات الضرورية لاحترام التوازنات الإيكولوجية والمحافظة على البيئة.
ويعتقد المالكي أن نموذج التنمية يحتاج، كما أكد ذلك الملك محمد السادس، إلى التقييم ثم بلورة نموذج آخر، يأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الاجتماعية والمجالية، مضيفا أن الإنجازات السياسية والاستقرار المؤسساتي وانتظام الانتخابات واعتماد مبدأ الاقتراع الحر في اختيار المؤسسات التمثيلية، في حاجة أيضا، وبالأساس، إلى العدالة الاجتماعية والمجالية.
ورغم سنّ المغرب لسياسات قطاعية طموحة لم تكن أعلى سلطة في البلاد راضية عنها، وذلك بعد تواصل الاحتجاجات الشعبية إضافة إلى الاستياء المتواصل من معدلات الفقر والبطالة بين طبقات واسعة في المملكة، إلا أن الأمر لم يكن حائلا دون دعوة العاهل المغربي الأحزاب إلى اقتراح توجهات تنموية جديدة.
وتختلف وجهات نظر الخبراء حول النموذج التنموي الجديد الذي يجب أن تلتزم به المملكة، فهناك من يرى أن المغرب في حاجة قصوى إلى إعادة بناء “براديغم جديد للتنمية”، يشكل المنحى المُمكن لكي يصير المغرب، كما أكد جان بيير شفور في بحثه بعنوان “المغرب في أفق 2040، الاستثمار في الرأسمال غير المادي من أجل تسريع الصعود الاقتصادي” من منشورات مجموعة البنك الدولي 2018، “أول بلد صاعد غير منتج للبترول في أفريقيا الشمالية، وذلك بإعادة توجيه المجهودات العمومية نحو تقوية المؤسسات، وإعادة تركيز عمل الدولة على الوظائف السيادية، وتطوير الرأسمال البشري والاجتماعي”.
ولا يستثني الخبراء العامل الثقافي والفكري كمحدد مهم لإعطاء النموذج التنموي الجديد خصوصيات المرونة والتكيف والفعالية حتى يتم تجاوز سلبيات النموذج الحالي الذي تمّ الإقرار الرسمي بفشله.
وفي هذا الصدد يقول نورالدين أفاية إن النموذج السابق لم يتعامل مع الفكر والثقافة من زاوية النظر إليهما كثروة مجتمعية ورافعة للتنمية، ولم يعمل على توطيد الأهمية الوظيفية للثقافة في المؤسسات التربوية وفي مختلف أماكن العيش ومجالات الرأسمال غير المادي الوطني، وجعلها في صلب أي مشروع تنموي.
وخلص نورالدين أفاية إلى القول إن “المغرب في حاجة إلى معالجات سياسية مغايرة وجذرية لربح الرهانات السياسية والاجتماعية والإنسانية والثقافية، معتقدا أنه لا مناص من استنهاض ضمائر كافة النخب والمؤسسات المسؤولة في المملكة للوعي بأن المغرب في حاجة قصوى إلى ‘يقظة جماعية’ قوامها الالتزام الجدي بالتطبيق الفعلي للقيم الكبرى التي جاء بها دستور 2011، وعلى رأسها مبادئ العدالة والتضامن والمعرفة، وتصريفها في شكل سياسات كفيلة لكي تتحول إلى مكاسب جماعية ملموسة”.
وتابع بقوله “دونها يصعب تصور نجاح المشروع التنموي في ضمان استمرارية آليات الاندماج الاجتماعي والتماسك الوطني”.
ويشكو سكان المناطق الفقيرة في المغرب من التهميش وتخلي السلطات العامة عنهم، ما يحتم على الحكومة رفع شعار البحث عن “نموج إنمائي جديد”، وهو ما باتت تدعو إليه بصورة متكررة.