مسلمي بلجيكا : هل اللحم الذي تأكلونه حلال فعلا ؟
يعيش في بلجيكا الملايين من الأجانب، كما أن واحد من بين خمسة مواطنين بلجيكيين ينحدر من أصول أجنبية. والكثير منهم لا يعتمدون في تسوقهم بشكل كبير على المتاجر البلجيكية، بل يبحثون عن منتجات بلادهم في محلات تجارية صغيرة تخصصت في بيع مواد غذائية مستوردة من بلدان هؤلاء الأجانب، الذين غالبا ما يعتقدون أن مذاق هذه المنتجات مختلف عن تلك التي يبتاعونها من المتاجر البلجيكية .
وإذا ما تعلق الأمر بالزبائن المسلمين، فإن المشكلة في التسوق تصبح أكثر صعوبة، لأنهم يضطرون في غالب الأحيان إلى مراعاة ما هو “حلال” وما هو “حرام” من منظور تعاليم الدين الإسلامي عند شراء اللحوم أو بعض المنتجات الغذائية.
وعلى الرغم من أن القوانين بجهة الوالوني و الفلاندر قد قررت منع ذبح الحيوانات بدون الصعق الكهربائي فان الجدل لازال قائما بجهة بروكسيل التي يقطنها أغلبية المسلمين .
وتحمل منتجات اللحوم في بعض المتاجر الإسلامية ختم “حلال “، وهي العلامة التي تمنح شهادة “حلال” للذبائح وذلك لتجنيب المشتري المسلم الغوص في متاهات قد تحرمه من تناول اللحوم التي يحبها.
جدل حول تخدير الأبقار
وعلى الرغم من بيع اللحوم في بعض المجازر الإسلامية و ختمها بالختم حلال إلا أن بعض جوانب الموضوع مازالت مثار جدل ونقاش، حيث تعكف لجنة مؤلفة من ناشطين في مجال حماية الحيوان وفقهاء مسلمين ومنتجي اللحوم بمناقشة الجوانب التفصيلية المرتبطة بطريقة الذبح حيث يأكد العديد من الجزارين ان أغلبية اللحوم لا تذبح بالطريقة الإسلامية و يجلبها غالبيتهم من إنجلترا لرخصها ، أما عن المجازر بجهة الفلاندر فاغلبها لا يحترم قوانين الذبح بالطريقة الإسلامية و تستعمل آليات أخرى في ذلك .
جدل حول تخدير الحيوانات قبل ذبحها..
وفي هذا الإطار يقول أحمد يازجي من اتحاد الجماعات الإسلامية: “فيما يخص طريقة ذبح الماشية والدواجن فإنه ليس لدينا مشكلة في تخدير تلك الحيوانات قبل ذبحها، لكنّ المشكلة تكمن في ذبح الأبقار وبالتحديد فيما يتعلق بتركيز الجرعة المخدرة المسموح إعطاؤها للبقرة و “نتناقش اليوم فيما إذا كان تخدير الأبقار بواسطة صعقة كهربائية قصيرة يتطابق مع تعاليم الدين الإسلامي أم لا”؛ فالذبح على الطريقة الإسلامية لا يتنافى مع ما تسمح به النظم الخاصة بحماية الحيوان”.
ويصف المدافعون عن حقوق الحيوان و جمعية ( گايا )بأنها شروط الذبح في الشريعة الإسلامية “قاسية” على الحيوان وأن الذبيحة تعاني بسبب طريقة الذبح، وهو ما دعا الكثير من دعاة الرفق بالحيوان إلى الاعتراض على عرض بعض المتاجر لمنتجات حلال في فروعها.
والذبح الحلال ـ وفقا للشريعة الإسلامية ـ يجب أن يستوفي بعض الشروط، مثل أهلية الذابح والذبح بآلة حادة وقطع عنق الحيوان لكي تعطى فرصة للدم كي ينساب خارجا، وعدم ذبح الحيوان وهو تحت التخدير.
وصرح بعض الجزارين أن :” الذبح الحلال لا يمكن مقارنته بأية طريقة كانت بالذبح من العنق المنصوص عليه في التقاليد الدينية. وعلامة “حلال” تعني أن المنتج “نقي” ويمكن تناوله حسب الشريعة الإسلامية”.
علامات واضحة بدلا من “حلال”
وانتشرت في السنوات الأخيرة منتجات كثيرة تحمل علامة “حلال” في بلجيكا ، حتى أن بعض المطاعم وخاصة المغربية منها تكتب على منتجاتها أن لحومها 100 بالمائة حلال. و هناك بعض المطاعم تغطي منتجاتها بعلامة حلال دون الإفصاح عن مصدر اللحوم”. بالإضافة إلى ذلك، تعد علامة “حلال” غير محمية قانونيا وهناك عدة جهات في أوروبا تمنح مثل هذه العلامة.
و صادق في جهة الوالونية و الفلامانية على قانون يمنع الذبح بدون الصعق الكهربائي ابتداء من مطلع العام المقبل ، مما يأكد هلاك الحيوان قبل ذبحه، واعتبر علماء الفقة أن قتل الحيوان قبل ذبحه يخرجه من حليته.
وأقر المؤتمر -الذي نظمته مؤسسة مراقبة جودة الحلال “حلال كوركت” بالتعاون مع الجامعة الإسلامية في روتردام وحضره علماء مختصون وباحثون وجمعيات فاعلة في مجال الجودة والاستهلاك من داخل أوروبا وخارجها كما جاء في عدة بحوث ميدانية- أن الذبح بالصعقة الكهربائية يعد هلاكا للحيوان قبل ذبحه، وهو ما يتعارض بحسب البيان النهائي للمؤتمر مع حق المسلمين في الحصول على الأغذية الحلال التي تقرها التشريعات الأوروبية.
ودعا المؤتمرون -الذين كان من بينهم مدير مكتب دائرة الفتوى بدولة الكويت، تركي المطيري والخبير في الذبح هاني المزيدي ورئيس مجلس الإفتاء الإندونيسي ووفد ماليزي وغيرهم- الدول الأوروبية إلى أن تأخذ بعين الاعتبار المستهلك المسلم سواء كان في أوروبا أو خارجها محذرين من أن هذا القانون سيعرض الاتفاقيات المبرمة مع أوروبا في إطار الحلال إلى المراجعة من جديد.
وطالبت جمعيات المستهلك المسلم والأئمة وعلماء المسلمين الذين حضروا المؤتمر بضرورة التراجع عن القانون الذي سوف يضر بالاقتصاد البلجيكي قبل ان يأثر في منظومة العيش لدى مسلمي بلجيكا
واعتبر المؤتمرون توحيد الرؤية في هذه المسألة بين المسلمين ومؤسسات المراقبة والدول المستوردة هو العامل الاقوى لإجبار أوروبا على التراجع عن هذا القرار.
و طالب المؤتمرون القيام بحملة تهدف لإجبار الحكومات الأوروبية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات قبل الشروع في تنفيذ هذا القانون قائلا “قبل هذا الوقت كنا نتكلم باسم مؤسسات المراقبة ولكن الآن نحن نمثل المستهلك المسلم داخل وخارج أوروبا ويقف معنا الأئمة والمختصون”. وأضاف “انقسام المسلمين هو الذي فوت علينا فرص التفاوض الموحد والقوي في الماضي ولكن بعد هذ المؤتمر سنكون أقوى تفاوضيا”.
ولا توجد إحصائيات دقيقة توضح استهلاك أكثر من عشرين مليون مسلم في أوروبا للأغذية الحلال ومدى تأثير هذا القرار الأوروبي على صادرات الأغذية الأوروبية الحلال للدول الإسلامية، إلا أن مراقبين يرون أن مقاطعة المسلمين للسوق الأوروبية سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني بدوره من أزمة نمو خانقة.
و سينعقد جمع عام للجزارين بمدينة بروكسيل يوم 10 و 26 نونبر لدراسة و لمحاولة ايجاد حلول قبل ان يطبق القانون الذي يمنع الذبح بدون الصعق الكهربائي الذي سيطبق بداية العام المقبل .
ويتذرع الاتحاد الأوروبي في قراره بأن عددا من المسلمين يقبلون بمضاعفة التخدير ولا يعتبرونه قاتلا للحيوان، كما لا يعتبرون استعمال الغاز قتلا للدواجن قبل ذبحها.
وترفض غالبية مؤسسات الرقابة على الأغذية الحلال هذا النوع من التخدير، كما تعتقد المؤسسات المعنية باستهلاك المسلمين أن المسلمين سيواجهون في الفترة القادمة مشكلة الحصول على أكل الدواجن الحلال. وستكون هناك مشكلة لعدد من الدول الإسلامية التي تقوم باستيراد اللحوم من الدول الأوروبية.
أعربت صناعة اللحوم البريطانية وزعماء دينيون عن استغرابهم من موجة انتقادات للذبح الحلال، وأشاروا إلى أنه من الناحية الفنية ليس هناك فرق بين ذبح الحيوانات بحسب الأساليب السائدة وتلك المستخدمة لإنتاج معظم اللحم الحلال. ووجهت صحف الإثارة الشعبية اتهامات “بممارسات غير نظيفة” وتحدثت عن “أسرار الحلال” في محال السوبر ماركت والمطاعم، مشتكية من أنهم “يدسون” اللحم الحلال للمستهلكين. و. طلب نائب رئيس الوزراء البريطاني من منتجي المواد الغذائية والباعة إعطاء مزيد من المعلومات وقال: “من المفهوم تماماً أن المستهلكين يريدون أن يعرفوا المزيد والمزيد عن كيفية وصول المواد الغذائية إلى أطباقهم”.
لكن صناعة اللحوم اشتكت مما اعتبرته “الطريقة المؤذية” للذبح الحلال، ولفتت النظر إلى أن البحوث من وكالة المعايير الغذائية تظهر أن 97 في المائة من الأبقار، و90 في المائة من الخراف، و96 في المائة من الدواجن يتم صعقها قبل الذبح. وقالت إبلكس، منظمة منتجي لحوم البقر والأغنام الإنجليزية: “لم يكن هناك اختلاف فني بين طريقة الذبح القياسية البريطانية – صعق الحيوانات ثم حز أعناقها لتنزف منها – وبين تلك الطريقة التي تستخدم في معظم الذبح الحلال. وكان الاختلاف الرئيس في الذبح الحلال أن “التسمية” قبل الذبح كان يجب أن تقال من قبل مسلم ممارس أثناء الذبح.
وقالت إبلكس: “الحلال لا يعني عدم صعق الحيوان في حد ذاته. بغض النظر عنما تصرح به بعض عناوين الصحف على العامة، فإنه من الضروري التحرك خطوة إلى الوراء وإلقاء نظرة على الحقائق”.
وأوضح ستيفن روسايدز، مدير جمعية شركات معالجة اللحوم البريطانية “ما يقتل الحيوان هو القيام بقطع الشرايين الحيوية فيها. إنها لا تموت من عملية الصعق”. ورفضت شركات السوبر ماركت والمطاعم اتهامات بأنها تسمح بقتل الحيوانات بطرق قاسية. وقد تم ذبح غالبية اللحم والدجاج الحلال وفقاً لمعايير الرفق بالحيوان نفسها المستخدمة في اللحوم الأخرى.
وقال اتحاد التجزئة البريطاني، الذي يمثل معظم محال البقالة التي تباع في المملكة المتحدة: “جميع لحوم العلامات التجارية الموجودة في محال السوبر ماركت الكبرى في المملكة المتحدة هي عبارة عن لحوم حيوانات تم صعقها قبل أن تذبح”. وقالت سلسلة محال بيزا إكسبرس: إن الدجاج الذي يقدم في مطاعمها وتمت الموافقة عليه بأنه حلال كان قد تم صعقه قبل أن يتم ذبحه. وتعمل المملكة المتحدة وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي التي تتطلب عادة صعق الحيوان قبل ذبحه، لكن القواعد فيها بند اختياري للتقيد بأحكام الشعائر الدينية.
وتنقسم الجماعات الإسلامية بشأن ما اذا كان مسموحاً من الناحية الدينية صعق الحيوان قبل ذبحه، على الرغم من أن الغالبية العظمى من اللحم الحلال المتوافر تم فيه صعق الحيوان: 81 في المائة من الأغنام والماعز و88 في المائة من الدواجن، وفقاً لأحدث تقرير لوكالة المعايير الغذائية. ولا تسمح أحكام الذبح عند اليهود بصعق الحيوان بالطريقة الميكانيكية أو الكهربائية قبل الذبح، لكن المؤيدين يجادلون بأن حز الرقبة المستخدم في أحكام اليهود بشكل فوري يجعل الحيوان فاقداً للوعي بسبب توقف وصول الدم إلى الدماغ.
لكن جون بلاكويل، الرئيس المنتخب للجمعية البيطرية البريطانية، قال إنه يعارض بند اختيار التقيد بأحكام الشعائر الدينية، ودعا إلى أن يتم صعق جميع الحيوانات التي تدخل في السلسلة الغذائية. وكان قد تم تأييده من قبل جماعات الرفق بالحيوان الأخرى، بما في ذلك جمعية الرفق بذبح الحيوان. وقالت الرابطة البريطانية للطب البيطري: “ليس لدينا أي اعتراض على اللحم الحلال”.
وأضافت: “المسألة برمتها تدور حول عملية صعق الحيوان قبل الذبح”. ودعت مجموعة فيفا للأغذية النباتية إلى وضع علامات تبين للمستهلكين ما إذا كانت اللحوم المباعة قد تم صعقها قبل الذبح أم لا. ورفضت وزارة البيئة والأغذية والشؤون الريفية فكرة إلزامية استخدام عملية الصعق على الرغم من أنها تفضل أن تكون الحيوانات فاقدة للوعي عند ذبحها .
لا يعتقد أن الحكومة بحاجة إلى التدخل بشأن وضع علامات على منتجات الحلال وتلك المتوافقة مع الشريعة اليهودية، “فنظرة رئيس الوزراء هي أن النهج المتبع لدينا حالياً هو تماماً النهج الصحيح”. أو كما كتب زعيم يهودي وزعيم مسلم في رسالة مشتركة نشرت في صحيفة “ديلي تلغراف”: “إذا تربت دجاجتان في الظروف نفسها تماماً ويتم صعق كلاهما بالكهرباء حتى اللاوعي، وبعد ذلك تذهب إحداهما إلى الآلة الهائلة التي تسمطها بالماء الحار لنزع الريش وفصل رأسها، في حين تذهب الأخرى إلى المسلم الذي يقوم بتلاوة الدعاء، لماذا يكون النقاد راضين تماماً عن الأول بينما يحتجون بقوة حول هذا الأخير؟”. حسابات المسالخ 4 في المائة نسبة جميع الحيوانات التي تم ذبحها بالطرق الحلال. 3 في المائة نسبة جميع الحيوانات التي لم تصعق قبل الذبح. 50 في المائة نسبة جميع الخراف والماعز التي ذبحت وفقاً للطرق الحلال. 10 في المائة نسبة الخراف والماعز التي لم تصعق قبل الذبح. 30 في المائة نسبة الدجاج الذي ذبح بطرق الحلال. 4 في المائة نسبة الدجاج الذي لم يصعق قبل الذبح.
وفي السياق ذاته، عبرت مؤسسات إسلامية عن معارضتها للقرار، وقالت إن المسلمين قلقين من تناول أطعمة لا تكون مذبوحة بالطريقة الإسلامية الحلال.
وكانت دول مثل الدنمارك وسويسرا ونيوزيلندا وبولندا فرضت قيودا مماثلة على ذبح الحيوانات على الطريقتين الإسلامية واليهودية.