إغراءات الاتحاد الأوروبي غير كافية لإقناع المغرب بإيواء المهاجرين

يتمسك المغرب برفض مقترح إحداث مراكز استقبال المهاجرين على أراضيه وهو ما يكرره المتحدث باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، في كل ظهور إعلامي له.

ويمثّل الرفض المغربي المتكرر رسالة موجّهة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يضغط منذ مدة، على أمل أن تقبل الرباط بإنشاء مثل هذه المراكز، مقابل إغراءات عديدة.

تزايد الضغط على المغرب بعد غلق إيطاليا وليبيا لطريق الهجرة الذي يصل بين البلدين، وهو ما عكسته التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي انتقد بشدة تجاهل أوروبا لهذه الأزمة التي تواجهها بلاده.

وعبر ناصر بوريطة عن أمله في أن تقوم أوروبا “بتحديث رؤيتها لأفريقيا” وتقيم مع بلاده شراكة “الند للند” في مجال إدارة تدفق المهاجرين في وقت اشتد مؤخرا ضغط الهجرة على المملكة.

ويبدو أن المهاجرين الأفارقة الذين كانوا يتخذون سابقا من السواحل الليبية سبيلا للوصول إلى أوروبا، غيّروا وجهتهم نحو المغرب لا سيما عقب فوز الشعبويين الإيطاليين في الانتخابات التشريعية التي جرت مطلع العام الجاري.

وتُبدي الحكومة الإيطالية الجديدة صرامة كبيرة في التعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية ما عرّضها لانتقادات حقوقية واسعة، لكنها تمضي قُدما في تنفيذ خطتها.

وثمة تساؤلات بشأن أسباب رفض المغرب هذا المطلب، كشكل من أشكال التعاون مع شريكه الاستراتيجي الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن الرباط تُبدي تجاوبًا كبيرًا في ملفات أخرى.

ذلك الرفض أرجعه باحثان مغربيان إلى عدم وجود سند بالقانون المغربي، وتخوّف الرباط من عدم وفاء أوروبا بالتزاماتها، وخشيتها من تداعيات حقوقية محتملة.

وقال حميد بلغيث، الباحث الحقوقي في القانون الدولي، إنه “لا يوجد سند قانوني لمطالبة المغرب بإقامة هذه المراكز، فلا القوانين الموجودة، ولا مشروعا القانونين المتعلقان بالهجرة واللاجئين، تنص على إقامتها”. وأضاف أن “القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في المغرب يشير في المادة 34، بإشارة بسيطة، إلى إقامة نوع من المراكز سمّاها أماكن غير تابعة
للسجون”.

وتابع بلغيث أن “القانون حدد حالات إيداع المهاجرين في هذه المراكز، وليس ضمنها المهاجرين المرحّلين من دول أخرى، ما يحول قانونًا دون إقامة مراكز يُعاد إليها المهاجرين المرحّلين من دول الاتحاد الأوروبي”.

فيما رأى حسن عماري، الناشط في منظمة “هاتف الإنقاذ” (دولية لمساعدة المهاجرين العالقين في البحر)، أن “الاتحاد الأوروبي يحاول تصدير موضوع الهجرة إلى دول جنوب المتوسط”.

وزاد عماري، أن ذلك يأتي “في سياق يعرف تنامي المد اليميني في أوروبا، وهو يدعم إقامة هذه المراكز خارج حدود الاتحاد، في سياق عداء اليمين للمهاجرين”.

وأردف أن “المغرب قد يكون متخوفا، في خضم هذه التقلبات بالمزاج الأوروبي، من أن لا يتم الوفاء بالالتزامات، خاصة المساعدات (للمغرب) التي يمكن إقراراها لهذا الغرض (المراكز)”.

وأوضح أن “هذه المراكز، التي ترفضها الجمعيات الحقوقية بشكل كبير، لها تكلفة على المدى الطويل والمتوسط”.

وتابع أن “المغرب قد يكون متخوفا من تداعيات إقامة المراكز، خاصة في علاقته مع المجتمع المدني المتابع لملف الهجرة، وهو يستحضر التجربة الأوروبية، وما تواجهه من تحديات كبيرة”.

ويثير الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة قضية إقامة مراكز خارج حدوده لتجميع المهاجرين غير النظاميين، بشكل كبير.

وقال بلغيث إن “الاتحاد، ودوله، ومنذ 2011، يرى أن دول الضفة الجنوبية للمتوسط غير مستقرة سياسيًا وديمقراطيًا وحقوقيًا، ويمكن في أي لحظة أن تكون مصدرًا لتدفّق كبير للمهاجرين”.

واعتبر أن “ما يطرحه الاتحاد الأوروبي لا يمثّل معالجة لواقع الهجرة في المرحلة الراهنة، وإنما هو نوع من استشراف المستقبل وإجراء وقائي، حتى يضمن آلية قانونية لإعادة المهاجرين”.

وأفاد بأن “الضغوط الأوروبية لم تتوقف، منذ مراجعة اتفاقية تنقّل الأشخاص والأجانب وإعادة القبول الموقّعة بين المغرب وإسبانيا، عام 1992، والتي تمت مراجعتها في 2011، فخلال مرحلة المراجعة أُثيرت مسألة مراكز الاحتفاظ بالمهاجرين”.

وتابع أنه “من النقاط العالقة في اتفاق التنقل بين المغرب والاتحاد الأوروبي، منذ توقيعه في 2013، هو قضية التوصل إلى اتفاق بشأن إعادة القبول (إعادة المهاجرين من دول الاتحاد إلى المغرب)”.

وأوضح بلغيث أنه “لم يُعقد منذ ذلك التاريخ إلا لقاءان رسميان بين الطرفين، وهو ما يؤكد حجم التعقيد الذي تطرحه مسألة إقامة مراكز للاحتفاظ بالمهاجرين بالنسبة للمغرب، وبشكل عام مسألة إعادة القبول”.

وبينما يحاول الاتحاد الأوروبي إقناع عدد من دول الجنوب، التي تنطلق منها الهجرة نحوه، وخاصة المغرب، بالقبول بمراكز الاحتفاظ بالمهاجرين، فإن هذه المراكز تلقى رفضًا كبيرًا على مستوى أوروبا
نفسها.

وقبل أيام شهدت العديد من مراكز الإيواء، خاصة في ضواحي مدينة بروكسل، احتجاجات كبيرة لمنظمات عاملة في مجال الدفاع عن حقوق المهاجرين، في مسعى للضغط على السلطات للاستجابة لمطالب المهاجرين المحتجين داخل تلك المراكز.

وقال بلغيت إن “إقامة مراكز من هذا النوع يتعارض مع مبدأ عدم الإعادة القسرية، المحفوظ في اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين لسنة 1951، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لسنة 1950”.

وختم بالإشارة إلى أن “بعض قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان رفضت مراكز الاحتفاظ بالمهاجرين، واعتبرت أحيانًا أنها ليست أماكن للاحتفاظ الإداري، وإنما مراكز للحرمان من الحرية وشبيهة بالسجون”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: