لوازم الشاي وسيلة لإظهار مكانة العائلة في المجتمع المغربي
الأربعاء 2018/10/24
تناول مشروب “الآتاي” -الشاي الأخضر، حسب التسمية السائدة في الثقافة الاجتماعية المغربية- تحوّل إلى المناسبات والأفراح لدى العائلات المغربية، وفي الأماكن العامة، واحتفالات افتتاح المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والندوات الثقافية والمعارض الفنية.
ولم يبقَ الآتاي مجرد مشروب ساخن حلو المذاق، يقدّم للضيوف في براد فضي وفي كؤوس عادية من الزجاج بالبيوت، بل صار وسيلة لإظهار المكانة الاجتماعية للعائلة من خلال استخدام إكسسوارات فخمة، غالية الثمن لإعداده وتقديمه.
وافتتحت الكثير من المتاجر الخاصة بتجارة إكسسوارات الآتاي بالدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش، وغيرها من المدن المغربية، وصارت تجارة مربحة لأصحابها، وشغّلت الآلاف من العمّال، لصنعها وتلوينها وابتكار أشكال جديدة لها في كل موسم.
واستخدم في تصنيعها الذهب والفضة والنحاس والزجاج وخامات من المعادن مثل البرونز والرخام والأحجار الملوّنة. ويبذل الكثير من الاهتمام والدقة في تجويد صناعتها، لأنها باتت من ضرورات تجهيز بيوت العرائس في بالمغرب، وحفلات الخطوبة وعقد القران والعقيقة والختان والأعياد والمناسبات الدينية والوطنية.
وتقول ربة البيت عائشة التوامي (60 سنة) عن إكسسوارات الآتاي، التي اعتادت البحث عن كل جديد منها بين فترة وأخرى، لتضيفه إلى مجموعتها “إن إضافة الجديد من آنية تقديم مشروب العائلة تقليد عائلي يضيف فرحاً لكل جلسة عائلية يتم فيها تناول الأتاي مع الحلوى، كالغريبة وكعب الغزال والإسفنج والبغرير والعسل وزيت الزيتون والزبدة وأنواع الجبن”.
وتوضح التوامي ، أنها تدخل إضافات عشبيّة للآتاي بآنية فضية ملحقة بالصينية، والبراد وأخرى تسمى “الربايع”وهي آنية مخصصة لحفظ السكر والنعناع واللويزة والشيبا، إضافة إلى آنية أخرى من الزجاج المزخرف الملوّن، لحفظ الأعشاب كالكامومي والزعتر والمردودش.
ولديها مجموعات من الكؤوس الزجاجية الملوّنة بالنقوش الزاهية تسمى آنية الآتاي وهي يجب أن تكون أكثر من عدد الضيوف بخمسة أضعاف، لإظهار الكرم.
المغربي يميل إلى جعل اجتماع العائلة مناسبة للفرح، وهي عادة تاريخية مكتسبة من عهدي حكم المرابطين والموحدين
وإبريق “الزيزوا” النحاسي الخاص بغلي المياه، والمزيّن بنقوش دقيقة محفورة على واجهته يجب أن يكون كبيراً وبارزاً. وكذلك تضمُّ مجموعتها مرشَّة ماء الورد الفضية، لتعطير الضيوف، وتكون فخمة المظهر، وتظهر عليها الزخارف الجميلة.
وأكد الموظف خالد شكير (45 سنة) أن من أسباب حرص نساء المغرب على تحديث آنية تقديم الآتاي بشكل دائم وتكليف العائلة بعبء مالي إضافي تعود إلى حب المظاهر. إذ لا تحتاج العائلة لتقديم الآتاي إلا إلى إبريق كبير لتسخين الماء وبراد عادي، لعمل الشاي، وهو لا يكلّف كثيرا، بجانب الكؤوس الزجاجية. وأغلب العائلات لديها آنيتان، واحدة عادية لاستخدام العائلة، وأخرى مزوّقة وفخمة، تستخدم للضيوف، ويبلغ سعرها أكثر من ألفي درهم، تستعمل في المناسبات فقط، والمسألة برمّتها لرسم صورة لثراء العائلة في ذهن الزائر لا أكثر من ذلك.
من جانبه أوضح هاشم وردي (35 سنة) صاحب محل لبيع أواني الآتاي، وملحقاتها في السويقة بالرباط أن الطلب متزايد على آنية تقديم الآتاي في بداية كل صيف. وذلك لكثرة الأعراس، في الصيف، “فتكون معظم هدايا العرائس من بضاعتنا.
ونحرص دائماً على جودة ما نقدّمه لزبائننا، وعلى عمل تخفيضات في الأسعار، وفي نهاية فصل الخريف يزداد الطلب أيضاً بسبب قرب حلول الشتاء، وهو الفصل الذي يحب فيه الناس تناول الشاي مع الحلوى. وفي هذه الأيام من كل سنة نقوم بتخفيضات على الأسعار حسب الأحجام”.
واستطرد هاشم “عائلات كثيرة تجعل من فترة تناول الشاي احتفالية، ويحرص البعض منها على اقتناء عدة كاملة من كؤوس وأباريق لتقديم الشاي وصينيات فضية وأطباق لتقديم الحلوى ومرشة ماء زهر البرتقال والمبخرة والربايع لحفظ الأعشاب والسكر”.
وأضاف وردي “فاق استهلاك مشروب الشاي الأخضر، مشروب القهوة، وبلغت حصة استهلاك الفرد المغربي في الوقت الحاضر 5 كغ في السنة، بينما جاء استهلاك القهوة بالدرجة الثانية 5.3 كغ للفرد حسب ما نشرته المندوبية السامية للتخطيط في إحصائية لها بالصحافة المغربية”.
وقال الباحث بجمعية وادي الحجاج التراثية نجيب مبارك عن تعلق المغاربة بالآنية الفخمة لتقديم الشاي الأخضر، حتى لو كلّفهم ذلك فوق طاقاتهم المالية، “قصة الآتاي بالمغرب بدأت عندما حمل سفراء إنكلترا بداية القرن الثامن عشر إلى السلطان المغربي إسماعيل بن الشريف صناديق من ورق الشاي كهدية، وعلّموا خدمه كيفية إعداده كمشروب. وعندما استطاب السلطان طعمه واستحسن تناوله. وزّع قسماً من الهدية على الحاشية، فاعتاد شربها عليّة القوم، ومنهم انتشرت إلى بقية طبقات الشعب المغربي”.
وأوضح مبارك “أن المغربي يميل إلى جعل كل اجتماع للعائلة مناسبة للفرح، وهي عادة تاريخية مكتسبة من عهدي حكم المرابطين والموحدين، الذين جاؤوا من الصحراء، وحملوا معهم عادات البداوة من كرم وتقديس لكل ما يمتّ للعائلة وروابطها بصلة، وما يؤلّف بين أفرادها، وهم يعشقون التجمع الأسري لتناول الطعام، والسمر بكل أنواعه على الصعيد العائلي أو القبلي، ولكي تكون تلك التجمّعات الأسرية مدارس لأبنائهم ليتعلموا من الكبار”.
وأضاف مبارك “طبعت المدنية هذه التقاليد الصحراوية فأضافت لها أشكالاً من الآنية المزوّقة، لتقديم الطعام والقهوة والشاي. واستخدمت أنواعاً من آنية الحلوى، ومرشات ماء الورد، والكثير من الأعشاب، والمطيبات لتحسين نكهة مشروب الشاي.
وكل هذه الأواني غالية الثمن، التي يستخدمها المغربي، هي للمبالغة بإكرام الضيف وإسعاده، ولا يكتفي البعض بهذا بل يقدّم لضيوفه في جلسة الآتاي الغناء المغربي المسمى بـ’التقيتيق’ لزيادة البهجة والفرح لدى ضيوفه”.