الرجولة المهدورة حقّا!
خوف البعض من الرجال المبالغ فيه من أن تهدر رجولتهم إن ساعدوا زوجاتهم في الأعمال المنزلية قد يكون من الأمور المستهجنة بالنسبة لأطياف كبيرة في المجتمع، لكن رغم أن مسؤولية العمل المنزلي ليست قدرا مكتوبا على المرأة دون الرجل، فإننا قد نجد تبريرا لقبول هذا السلوك حتى وإن كان لا يحتمل التبرير في معظم الأحيان.
قد تكون سلطة الأعراف أقوى من الواجب الأخلاقي والإنساني، وتتجاوز في تحكّمها بحياة الكثيرين ما يحملونه بداخلهم من حب متوهج لزوجاتهم ورغبة قوية في أن يضعوهن في بؤبؤ عيونهم ولا يسمحون لأي شيء بأن يؤذيهن، لكن المشكلة في ذلك الشعور الداخلي من ضياع الرجولة إن سمع أحد من الأقارب بأنهم غسلوا الأطباق لزوجاتهم أو ساعدوهن في إعداد وجبة طعام.قد تقوم الطامة الكبرى وتسمع العامة، فيصبح ذلك الرجل الذي رق قلبه على زوجته وقام بواجبه الحقيقي تجاهها أضحوكة وموضوعا للتندر والتهكم بين أفراد العائلة الموسعة. بينما انتشر خبر تداولته الصحف قبل سنوات عن رجل طلق زوجته لأنها لا تغسل قفا الصحون وتكتفي بسطحها فقط!
وقد كنت حاضرة ذات يوم على قصة مشابهة في منزل إحدى قريباتي عندما كانت حماتها في زيارة لها أيضا، ودخلت بالصدفة المطبخ فوجدت ابنها (زوج قريبتي) بصدد غسل بعض الأطباق، فيما كانت قريبتي تعد الطعام، لم تتمالك الحماة نفسها وقالت لابنها بالحرف الواحد “هل تزوجت لتغسل الماعون”، فاحتقن وجهه حمرة وخجلا وهرول يجري خارجا مرددا “لا يا أمي كنت فقط أشرب”.
لم يستطع هذا الزوج أن يخبر أمه بالحقيقة رغم أنها شاهدته بأم عينيها يغسل الأطباق، وما كان يفعله لا يستحق الإنكار، لكن خوفه من أن تهدر رجولته أمام والدته دفعه لقول ما ينافي الحقيقة. ربما مثل هذه السلوكيات في طريقها للزوال مستقبلا، خصوصا في صفوف الجيل الشباب، الذي بدأ يتحرر من المعتقدات البالية ويتخلص من الرواسب المؤذية لحياته يوما بعد آخر، وحتى وإن بقي هناك أشخاص غير قادرين أو غير راغبين في التغيير، فهناك دائما عذر قد لا يكون مقبولا لكنه يقدّم مبررا لسبب رفض البعض من الرجال المساعدة في الأعمال، وأعتقد أنه لا يجب أن يلقى باللوم في مثل هذا الأمر على الرجال وحدهم، بل على الأسر والمجتمعات برمتها التي تحتاج لإعادة النظر في توزيع الأدوار التقليدية بين المرأة والرجل، لأن المرأة أصبحت تشتغل اليوم وتعيل أسرتها مثلها مثل الرجل، ولذلك لا مناص من تقاسم الأعباء بين الزوجين، حتى يستفيد الطرفان ويعود ذلك بالنفع على الحالة الصحية والنفسية لكليهما.
يقول وِلْيَمْ شكسبير “أن تولد ذكرا فهذا قدرك، أما أن تكون رجلا فهذا صنع يداك”، وهو محق في ذلك، فالرجولة ليست مجرد كلمة تنطق لتدل عن جنس صاحبها، بل هي أفعال وممارسات أخلاقية تتجاوز المفهوم الضيق للذكورة، إنه شيمة سامية من شيم الرجال الحقيقيين الذين بدأوا في الانقراض، وبتنا نرى الكثيرين يرتدون سراويل ولا نفرّق بين الذكر والأنثى والجنس الثالث، والأسوأ ليس في مظهرهم المتجانس ولا لباسهم الشاذ، فالأخبار السيئة لا تتوقف عند هذه القشرة الخارجية، بل في القبح السلوكي الذي أصبح متغلغلا في الأغلبية العظمى من الذكور.
وقد كنت شاهدة على مواقف تأكدت من خلالها أن كروموسوم الرجولة، إن صح التعبير، وليس الذكورة قد تضاءل بمعدل يثير القلق، ويبدو أنه سينحسر ليقترب من النهاية. رأيت في مناسبات كثيرة كيف لا يعبأ الكثير من الذكور بما يحدث حولهم للنساء من تحرش أو اعتداءات جنسية أو سرقة… وبدت اللامبالاة سمة غالبة على الكثيرين منهم، وهذا ما يهدر الرجولة وليس غسل الأطباق.