الجزائر تحظر النقاب لتجفيف منابع التطرف
رغم استعمال النقاب على نطاق ضيق في الجزائر، خاصة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الحكومة أبانت عن صرامة غير مسبوقة في التعاطي مع جميع أشكال وممارسات التطرف الديني، فأمرت المصالح المحلية بمنع ارتداء النقاب في دوائر الوظيفة العمومية، ليتوسع بذلك حظر هذا اللباس، الدخيل على تقاليد الجزائر، في جميع المؤسسات الحكومية.
وأمر رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، جميع الدوائر الحكومية، بمنع موظفات الإدارات العمومية من ارتداء النقاب. وبرر مرسوم صادر عن رئاسة الوزراء هذه الخطوة بعدم تلاؤم هذا اللباس مع مرونة العمل في المؤسسات العامة، فضلا عن تلقي الحكومة مراسلات تتشكى من المظهر الخارجي لبعض موظفات الدوائر الحكومية.
وجاء مرسوم أويحيى ليحد من انتشار النقاب الإسلامي، رغم استعماله الضيق في المؤسسات الرسمية والخاصة. ويدعم هذا القرار تعليمات سابقة لإدارات الجمارك والتعليم دخلت حيز التنفيذ خلال الأشهر الأخيرة، تحظر استعمال الزي المذكور داخل مصالحها.
واستقبلت ناشطات سلفيات على شبكات التواصل الاجتماعي، القرارات المتتالية لحظر النقاب، باستهجان كبير وانتقاد للسلطات الحكومية، على ما أسمينه بـ”التدخل في الحريات الشخصية للناس″. وأظهر تسجيل على فيسبوك ناشطة سلفية تعبر عن استعدادها للتضحية بعملها مقابل الحفاظ على زيها (الجلباب والنقاب).
وأصرت المتحدثة على أن “قرار الحكومة لا يحترم حرية الناس، وأنها تكيل بمكيالين لأنها لا تبدي انزعاجها من مظاهر التبرج والتفسخ، ولا تتفرغ إلا لمحاربة لباس العفة والشرف والدين، وأن الأمن لا يتحقق بالتعدي على خصوصيات الناس″.
ورغم محدودية تواجده في المؤسسات الرسمية، لإجماع غير معلن بين الموظفات والهيئات المستخدمة، على الاعتبارات السياسية والأيديولوجية، وعدم توافقه مع طبيعة الوظيفة والمؤسسة، إلا أن قرارات الحكومة الأخيرة تبقى عديمة الجدوى، لأن الاستعمال الواسع للنقاب ودلالاته المذهبية تبقى في القنوات غير الرسمية، لا سيما وأن معتنقي عقيدة هذا التيار لا يتحمسون للوظائف الحكومية، لتلافي الاحتكاك والصدام مع الدوائر الرسمية.
ويرى مراقبون أن رئيس الوزراء، صاحب التوجهات العلمانية والخصم القوي للإسلاميين، يعتبر المسؤول الحكومي الجريء، القادر على مواجهة هؤلاء، وعدم الاكتراث بالخطابات الشعبوية التي تتفادى مواجهتهم لاستعمالهم كقاعدة في الاستحقاقات الانتخابية، ولا تهمه موجة الانتقادات المنتظرة من طرف الدوائر المؤيدة لهم.
وتصر السلطة الجزائرية منذ طي صفحة العشرية الحمراء (1990-2000)، على أن يكون انتصارها العسكري على التنظيمات الإسلامية المسلحة متوازيا مع انتصار تنشده في تجفيف منابع التطرف الديني والمذهبي بتفكيك البؤر الاجتماعية والفكرية التي تفرخ أجيال الجهاديين.
ولأجل هذا، تعكف السلطات على مراجعة المنظومات الدينية والتعليمية، بما فيها الرموز الشكلية كالنقاب.
ولم يتحمس تيار الإخوان المسلمين للدخول في سجالات مع الحكومة، كون أجندته على قدر كبير من التكيف مع جميع الوضعيات، بدعوى تغليب المصلحة، حيث صرح رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المقربة من التيار الإخواني عبدالرزاق قسوم، بأن “القرار لا يتعارض مع الشرع في شيء، لأن النقاب شيء والحجاب شيء آخر”.
وأضاف “صاحب العمل من حقه فرض زي معين، إذا رأى فيه إخلالا بالأداء، أو مطية للتهديد الأمني أو الانتحال أو الغش”، لكنه أكد أنه “تدخل في حرية الأفراد”.
ويقول المراقبون إن هذا الموقف المرن يعكس براغماتية الإخوان في التعاطي مع المسائل المثيرة للجدل، ويترجم حجم الخلافات الفقهية والمرجعية بينهم وبين التيارات الدينية الأخرى وعلى رأسها التيار السلفي، رغم أن مفعول القرار لن ينهي تغلغل التيار السلفي في البلاد، لتركيزه على الامتداد الأفقي في عمق المجتمع وليس في الدوائر الرسمية والحكومية.
ومع ذلك أثار القرار مواقف ممانعة تدعم عقيدة السلفيين، تجلت في وصف النقابي والنائب الإسلامي عن حزب العدالة والتنمية مسعود عمراوي، للقرار بـ”الحرب على الإسلام” و”التدخل السافر في الحريات الفردية”، وهو ما ذهب إليه رئيس نقابة الأئمة وموظفي الشؤون الدينية جلول حجيمي، الذي شدد على ضرورة انتباه الحكومة والتعامل بنفس الجدية مع ما أسماه بـ”اللباس الفاضح والمثير في الإدارات الحكومية”.
وكان المرسوم الحكومي قد شدد على أن “العاملين في الإدارات الحكومية ملزمون باحترام قواعد ومقتضيات الأمن والاتصال (التواصل) على مستوى مصالحهم (مؤسساتهم) والتي تستوجب تحديد هويتهم بصفة آلية ودائمة”.
وبررت وزيرة التربية نورية بن غبريط حظر النقاب على المنتسبات إلى قطاع التعليم بأنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحول لباس التلاميذ دون التعرف على هويتهم، أو السماح لهم بحجب أي وسيلة تساعد على الغش أثناء الفروض والاختبارات”، في إشارة إلى حربها على تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات.
وذهبت الوزيرة المثيرة للجدل، والتي يهاجمها الإسلاميون باستمرار، في نفس المنحى بالنسبة إلى حظر النقاب على الموظفات في التعليم، بتركيزها على أن “هوية الموظف أو الأستاذة تعتبر الخطوة الأولى في مرونة الاتصال وفهم رسائل الوجه حتى دون كلام”.