أحبب زوجتك كما يليق بها
كثرة وسهولة الطلاق جعلتانا اليوم حين نسمع خبرا عن زيجة صمدت طويلا نصاب بالحيرة والغبطة، لندرة الأمثلة التي يضرب بها المثل في هذا الشأن.
قول الحكمة “أحبب زوجتك كما يليق بها، قدم لها الطعام والملابس، وأسعد قلبها ما حييت”، وهناك مرادفات عديدة لهذه الحكمة في أغلب المجتمعات العربية والغربية، التي تعلي شأن الزوجة وتبجلها، ولكن الزوجة مطالبة أيضا بإعلاء شأن زوجها والعمل على إسعاده وإحاطته بسبل الراحة والاستقرار المادي والمعنوي، حتى تبقى سفينة الزواج متماسكة وقوية خلال سيرها في مجرى الحياة اليومية المتقلب.
وقد علق الباحث الأميركي في علم النفس دانيال غيلبرت عن هذا الأمر بقوله “ليس الزواج الذي يجعلك سعيدا، بل الزواج السعيد هو الذي يجعلك سعيدا”.
والزواج السعيد يتطلب مهارات محددة، لكنها للأسف لم تعد متوفرة في معظم الزيجات التي أصبحت مصابة بداء اسمه النرجسية وحب الذات، رغم أن معظمها يبنى في البداية على أحلام ومشاعر مشتركة، لكنها ليست كذلك بالضرورة.
لا يبذل الكثير من المتزوجين ما بوسعهم للاحتفاظ بعلاقاتهم الزوجية ويعتقدون أن الأمور ستمضي بمفردها على نحو بعينه ووفق ما رسموه في خيالهم، لكن الرسم في الخيال لا يشبه الواقع. النجاح في الحياة الزوجية لا يحتاج إلى وصفة سحرية بقدر ما يحتاج إلى ضبط النفس أثناء المشاحنات التي تقع مع الشريك، والقدرة على المسامحة من أجل تجاوز كل الأوقات التي يرتكب فيها الشريك زلاّت وأخطاء، ومثل هذه المهارات بدأت تنقرض يوما بعد يوم جراء حالة التقوقع على الذات التي أصحبت تسيطر على الكثيرين، لذلك فالعلاقات الزوجية لم تعد مثمرة وطويلة الأمد في الغالب.
ثمة نظرية تفسر زيادة حب الذات، يطلق عليها علماء النفس “حركة الاعتداد بالنفس”، وتشير هذه النظرية إلى انتشار الشعور بالأحقية في التميز عن الآخرين، نتيجة تراجع الكثير من الصفات المحمودة وأحيانا داخل الأسرة الواحدة، مثل الثقة في الغير وحسن الظن بالآخرين والود وسماحة الخلق، ما جعل نمط الحياة الزوجية العصري يلتقي في قواسم مشتركة كثيرة، لعل أهمها العنف المادي والمعنوي والانتهاكات المالية والاقتصادية التي تمارس بأبشع الوسائل والأشكال بين الشريكين، إلى أن يصل صداها أروقة المحاكم، فيرسم نهايات حزينة لقصص حب كانت متوهجة.
كما أن كثرة وسهولة الطلاق جعلتانا اليوم حين نسمع خبرا عن زيجة صمدت طويلا نصاب بالحيرة والغبطة، لندرة الأمثلة التي يضرب بها المثل في هذا الشأن.وباتت تصل إلى مسامعنا أيضا أخبار عن زيجات شاذة، غيرت كليا المفهوم الحقيقي لمعنى الزواج، الذي يفترض أن يجمع بين جنسين مختلفين، ولكنهما مكملان لبعضهما في كل شيء، وهما المرأة والرجل.
ومؤخرا أقدم الكثيرون حول العالم على الزواج من أنفسهم وأقاموا مراسم اختاروا فيها بعناية فائقة مكان الحفل والزهور وبدلات الزفاف وأقاموا الولائم والحفلات المبهرة، لكن العنصر الأساسي وهو العريس أو العروسة لم يكن موجودا، وهذا شكل آخر من أشكال الخروج عن معنى الزواج وأعرافه.
مثل هذه الزيجات الوهمية جذبت العديد من الشباب من الجنسين في اليابان وإيطاليا وأستراليا والمملكة المتحدة، وربما سنشهد مثيلا لها في البلدان العربية مستقبلا. في العالم العربي ارتفع عدد غير المتزوجين من الجنسين بشكل قياسي، ولا يبدو أن المشكلة راجعة فقط إلى العوامل الاقتصادية الصعبة والأعباء المالية التي يتطلبها الزواج من الطرفين كما يدعي الكثيرون، بل الأرجح لأن الشراكة الزوجية فقدت جاذبيتها، وأصبحت هناك فروق في نظرة الجيل الحالي إلى أهمية الزواج، أو سلوكهم تجاهه، مقارنة بالأجيال السابقة.
والسبب في ذلك، كما يرى بعض علماء النفس، هو “الانطباع السيء عن الزواج”، نتيجة الأعباء المالية الكثيرة وارتفاع أسعار البيوت ونفقات الأبناء، بالإضافة إلى النماذج التعيسة للعلاقات الزوجية، وأيضا لأن معظم الشباب أصبحوا لا يفكرون سوى في أنفسهم ويضعون احتياجاتهم وطموحاتهم الشخصية على الدوام قبل احتياجات الآخرين، فيؤجلون فكرة الزواج وربما لا يطرحونها في حياتهم من الأساس. لذا، فمن يدري، ربما ينتهي الأمر بأبناء الجيل الحالي، الذين غيّروا مفاهيم مجالات لا تعد ولا تحصى، أن يعيدوا صياغة مفاهيم جديدة للزواج.