أيديولوجيات الجماعات الإسلامية خطر حقيقي يهدد أوروبا

حذّر عدد من الباحثين والخبراء المشاركين في ندوة استضافتها ممثلية المفوضية الأوروبية في مدريد لمناقشة دور الفكر في محاربة التطرف، من أن الحكومات الأوروبية مازالت تتعامل بسلبية مع التهديد الذي تمثله جماعات الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين، على المجتمعات الأوروبية، مشيرين إلى أن الأمر لا يتعلق بالسياسات الأمنية بقدر ما يحتاج إلى مقاربات فكرية ومجتمعية، فالحرب على الإرهاب والتطرف ليست تلك الدائرة في سوريا والعراق أو في أفريقيا، بل أساسها في الداخل الأوروبي حيث تمكن الإسلاميون من غرس جذور تفرعت على امتداد أوروبا والعالم.

ضمن الحملة الأوروبية لمكافحة التطرف والإرهاب نظمت جمعية الصحافة الأوروبية للعالم العربي، في باريس، ومركز يورو عرب، في برشلونة، ندوة بعنوان دور الفكر في محاربة التطرف، وتم ذلك الثلاثاء 16 أكتوبر في مقر ممثلية المفوضية الأوروبية في العاصمة الإسبانية مدريد.

عكس الحضور الكبير في الندوة وتنوعه، من سياسيين وأعضاء السلك الدبلوماسي إضافة إلى عدد من الكتاب وخبراء مكافحة الإرهاب في أوروبا، أهمية الموضوع وجدية ما تشعر به المجتمعات الأوروبية من تهديد أيديولوجيات الجماعات الإسلامية، التي استفادت على مدى عقود من بيئة التسامح في أوروبا لترسخ تواجدها وتتجذر في هذه المجتمعات.

أمينة كاكابافيه: على قطر وتركيا وإيران أن تكف عن دعم الجماعات الإسلامية
أمينة كاكابافيه: على قطر وتركيا وإيران أن تكف عن دعم الجماعات الإسلامية

كان من بين المتحدثين أمينة كاكابافيه، نائب في البرلمان السويدي، التي أشارت في مداخلتها إلى أن “الدول الأوروبية تواجه نفس المشاكل في مواجهة التطرّف”. وأكدت أن “الجماعات الإسلامية هي ضد حقوق الإنسان وضد حقوق المرأة وضد حرياتنا كمواطنين..”.

وكانت الاستخبارات السويدية (سابو) قد قدرت في 2010 أن 200 من الإسلاميين المتطرفين من دعاة استخدام العنف ينشطون في هذا البلد الاسكندنافي. وفي سنة 2017، ذكرت سابو أن عدد المتطرفين الإسلاميين في البلاد زاد بقرابة عشرة أضعاف في أقل من عقد. والتحق نحو 300 شخص من السويد بتنظيم الدولة الإسلامية، وعاد منهم زهاء 140 شخصا.

واستطاعت الجماعات الإسلامية اختراق الحياة السياسية حتى أنه كان هناك وزيرا في الحكومة من جماعة الإخوان المسلمين، وفق كاكابافيه، التي عبرت عن أسفها من “استغلال الجماعات الإسلامية للدين من خلال إنشاء مدارس تغسل عقول الأطفال والطلاب.. بدعم حكومي فيما المراقبة ضعيفة”.

وطالبت “الحكومات بقطع هذا الدعم عنهم لما يشكّلوه من خطر على المجتمع”. ودعت البرلمانية السويدية “الدول الداعمة لتلك الجماعات الإسلامية كقطر وتركيا وإيران إلى أن تكف عن دعمها لهم”.

سياسات خاطئة

آنا بيلين سواج: الجماعات الإسلامية تفسر الدين بما يخدم أجندتها السياسية
آنا بيلين سواج: الجماعات الإسلامية تفسر الدين بما يخدم أجندتها السياسية

من السويد إلى إسبانيا، لم تختلف الصورة كثيرا، كما في مختلف المجتمعات الأوروبية، وتحديدا في أوساط الجاليات العربية التي وجدت نفسها تدفع ثمن سياسات خاطئة للدول الأوروبية نفسها التي سعت في فترات سابقة إلى اللعب بورقة الإخوان المسلمين، ففتحت لهم أبواب اللجوء عندما ضيقت الحكومات في بلدانهم العربية الخناق على أجنداتهم التخريبية.

وقد وصفت الدكتورة آنا بيلين سواج، أستاذة العلوم السياسية في جامعة سوفولك (مدريد)، الإسلام السياسي بأنه “تنظيم توتاليتاري شمولي” لأنه يهدف إلى التحكم بكافة تفاصيل الحياة اليومية.

وأضافت أن للجماعات الإسلامية أجندة سياسية واضحة قائمة على تفسير خاطئ للدين. فمثلا جماعة الإخوان المسلمين هي فقط مع ديمقراطية التصويت لكنها ضد المساواة في المجتمع.

واختتمت سواج بالتأكيد على أن “الجماعات الإسلامية ليسوا بحلفاء ولا يجب خيانة أغلبية المسلمين حول العالم وفي المجتمعات الأوروبية الذين يؤمنون بحقوق الإنسان”.

ولئن ربطت الدراسات الراهنة بين الإخوان والتطرف إلا أنها لم تقدم الترياق لردع هذا التطرف كما لم تقدم تحليلا واضحا لأسباب انضمام الشباب لمثل هذه الجماعات. كما أن الحكومات الغربية مازلت مترددة بشأن وضع حد للجدل المحتدم على مدى السنوات القليلة الماضية بشأن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

دافيد لوكاس بارون: حتى الآن لم تتم دراسة الأسباب العميقة للتطرف وسبل ردعه
دافيد لوكاس بارون: حتى الآن لم تتم دراسة الأسباب العميقة للتطرف وسبل ردعه

وأشار إلى ذلك دافيد لوكاس بارون، عضو مجلس الشيوخ الإسباني ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية فيه، بقوله إنه “حتى الآن لم تتم دراسة الأسباب وسبل ردع التطرف”.

وأضاف “لم نعرف الأسباب العميقة لجذب الجماعات الإسلامية الشباب وخاصة المهاجرين للتطرف، والأكيد أن هناك عوامل اقتصادية واجتماعية والجماعات الإسلامية تستفيد من تلك العوامل”.

واعتبر عضو مجلس الشيوخ الإسباني أن “الجهود الفكرية يجب أن تعمل في هذا الاتجاه من خلال التوعية من مخاطر التطرّف والأسباب المؤدية إليه ونشر التسامح ومكافحة التشدد عبر تشجيع التواصل مع كافة شرائح المجتمع وخصوصا أبناء المهاجرين ومحاربة التمييز”.

أما بيري جوان بونس، عضو مجلس النواب الإسباني والمتحدث الرسمي باسم لجنة الشؤون الخارجية فيه، فاعتبر “أن التطرّف موجود بشكل كبير وواسع في أوروبا، وأن ازدياد نسبة التطرف تزامنت مع صعود التيارات اليمينية المتشددة”. وشدّد عضو مجلس النواب الإسباني على أهمية التوعية من مخاطر التطرّف.

السراب ووهم الإسلام السياسي

لارس آبرغ: التهديدات والفتاوى تعيق الكتابة في مواضيع مرتبطة بالتطرف
لارس آبرغ: التهديدات والفتاوى تعيق الكتابة في مواضيع مرتبطة بالتطرف

اهتمت الندوة بكتاب لجمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، الذي يكشف زيف حركات الإسلام السياسي ويفنّد أطروحاتها المضلِّلة. ويعتبر هذا الكتاب من النماذج القليلة من الدراسات التي اهتمت بتسليط الضوء على الإسلام السياسي وواقعه، وأساليب تسييس الدين، بالإضافة إلى ثقافة التكفير التي تستند إليها قوى التطرُّف والإرهاب، وما تنبثق منها من كراهية داخل المجتمعات، بالإضافة إلى تغذية العنصريَّة والمذهبيَّة والعرقيَّة.

واعتبرت آنا بيلين سواج أن الشخصيات التي تواجه التطرف مثل جمال السويدي عبر كتاب “السراب”، هم الأغلبية في المجتمعات المسلمة وهم الحلفاء الحقيقيون لمواجهة خطر التطرف؛ فيما شدد الكاتب السويدي لارس آبرغ على صعوبة الكتابة في مواضيع مرتبطة بالتطرف الإسلامي نظرا للتهديدات والفتاوى والخطر الذي يواجه الكتّاب جراء تناولهم هذا الموضوع واتهامهم بالإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام.

وأشاد آبرغ بكتاب السراب، مشيرا إلى أنه تجربة غنية مميزة تساعد المجتمعات الغربية بشكل خاص في التعرف على خطر الجماعات الإسلامية وأيديولوجياتها المتطرفة بطريقة علمية حديثة. وفي ذات السياق تحدثت الكاتبة الكاتالونية ليلى كروش، مشددة على أهمية الكتابة في مكافحة التطرف.

واختتم الندوة، محمد أحسيسن، سكرتير لجنة التواصل في الحزب الاشتراكي الكتالوني ورئيس مركز يورو عرب، في برشلونة، مؤكدا على أن “الحرب الفكرية ضد التطرف لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية والأمنية، بل إن مواجهة المتطرفين والإسلامويين فكريا أهم بكثير من مواجهتهم أمنيا وذلك بعد تفشي الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة في المجتمعات الأوروبية وعلى نطاق واسع”.

Thumbnail

تمثل أوروبا فضاء تاريخيا بالنسبة إلى الإخوان الذين وصلوا إليها في الغالب تحت بند اللجوء السياسي، ثم أسّسوا شبكة علاقات ضمت جنسيات مختلفة، تداخلت فيها المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية، وجمعتهم الخطط والأهداف وامتدت نشاطاتهم عبر مؤسسات ومراكز كثيرة وجمعيات خيرية.

ولم يكن هذا الخطر واضحا، في السنوات الماضية، رغم العمليات الإرهابية التي شهدتها كبرى العواصم الأوروبية، لأن هذه الجماعات كانت في مرحلة التوطين، أي تهيئة الأرضية في سرية، لتكون جاهزة خلال مرحلة التمكين، التي اعتقدت أنها جاءت مع ما شهده العالم العربية من ثورات شعبية في 2011، ووصول أذرع الإخوان إلى السلطة في دول رئيسية في المنطقة كمصر وتونس.

وفي مقابل التمكين الإخواني في المنطقة العربية هناك اشتغال آخر، حيث طور الإخوان استراتيجية التوطين في أوروبا باعتبارها “ليست أرضا إسلامية”. لكن، هذه الجماعات فشلت، فمشروعها الذي ظلت تبني أسسه لأكثر من ثمانين سنة، لم يكن متوافقا ومواكبا للتغيرات الاجتماعية والفكرية والثقافية في المجتمعات العربية، كما اصطدمت مشاريعها في أوروبا بتوحش جماعات خرجت من رحمها مثل القاعدة وداعش.

وتأتي الندوة التي استضافتها مدريد في ظل الإدراك المُتزايد في الدول الأوروبية للتحدّيات الأمنية الكبيرة التي تواجهها مؤخرا، وأهمية بذل المزيد من الإجراءات العملية لمكافحة آفة التطرف التي أدت وبشكل كبير إلى تصاعد أعمال العنف والإرهاب إضافة إلى نشر الكراهية في المجتمعات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: