لغز اختفاء خاشقجي اختبار للعلاقات الأميركية السعودية

تصر جهات عديدة على توجيه سير قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، بعيدا عن التفاصيل الجنائية وترك أمر توضيح التباسات الحادثة للمختصين، إلى قضية سياسية واستثمارها إعلاميا ضد المملكة العربية السعودية.

رغم الضغوط الدولية المتصاعدة، اختارت السلطات السعودية التزام الصمت، إلا عندما يقتضيه الموقف السياسي، تاركة المجال للمختصين الذين يواجهون صعوبة في ظل التصريحات الإعلامية المتضاربة سواء الأميركية أو البريطانية، كما الموقف التركي، إعلاميا وسياسيا.

وذكرت شبكة “تي ار تي وورلد” التركيّة العامّة الناطقة بالإنكليزية الثلاثاء، أنّ السلطات التركية تشتبه بمجموعة من 15 سعوديا قدموا إلى إسطنبول في اليوم نفسه الذي اختفى فيه الصحافي، وغادروا حاملين معهم صور كاميرات المراقبة المنصوبة في القنصلية.

ولم تنف الرياض أو تؤكد التقارير حول المشتبه بهم، وتقارير أخرى نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن “الاستخبارات الأميركية كانت على عِلم بمخطّط سعودي لاستدراج الصحافي إلى السعودية للقبض عليه”.

الرئاسة التركية تعلن أن أنقرة والرياض قررتا تشكيل مجموعة عمل مشتركة للكشف عن مصير الصحافي السعودي المختفي جمال خاشقجي، بناء على مقترح من الجانب السعودي

ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة سيدني والمقيم في دولة الإمارات ألكسندر ميترسكي إن “السعودية حذرة تجاه الخروج ببيانات رسمية”. ويرى أنها إستراتيجية “تحمل مخاطرة”، وإن كانت مهنيا صائبة في ظل عدم ظهور أي معطيات ثابتة أو كشف التحقيق عن دور سعودي في عملية الاختفاء.

وفي موازاة تصريحات المسؤولين الأتراك لوسائل الإعلام، وتسريب معلومات عن التحقيقات الجارية من دون الإعلان عنها بشكل رسمي، تزداد الضغوط الدولية على الرياض.

في ردة فعل شبيهة بما يحصل عندما يطرح ملف حول قضية حقوق الإنسان في السعودية، شهد الكونغرس الأميركي جدلا واسعا وسط تصريحات من عدد من السيناتورات الذين سارعوا إلى استثمار القضية لفتح ملفات أخرى، من بينها منع بيع الأسلحة الأميركية للسعودية، وسحب الأموال المخصصة لدعم وزارة الدفاع (البنتاغون) للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ويطالبون بفرض عقوبات.

ولم يلق أحد في الكونغرس بالا إلى نفي السعودية أن لها دورا في اختفاء خاشقجي بل إن ربع أعضاء مجلس الشيوخ طالبوا بتحقيق أميركي في القضية.

وقال السيناتور الأميركي راند بول، وهو أحد منتقدي الحكومة السعودية منذ فترة طويلة، إنه سيحاول فرض تصويت في مجلس الشيوخ على منع مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية.

وبدوره أوضح السيناتور كريس ميرف أن “الوقت ربما قد حان لكي تعيد الولايات المتحدة النظر في علاقتها مع السعودية إذا تبين أن خاشقجي قد تم استدراجه من قبل السعوديين”.

وبنفس السياق، اعتبر السيناتور ليندسي غراهام “مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، (وهو أمر لم يثبت) يتجاوز الخطوط التي تبدو طبيعية في نظر المجتمع الدولي”.

وبالتزامن مع هذه المواقف الفردية طالبت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، الرئيس دونالد ترامب بفتح تحقيق “في إطار قانون غلوبال ماغنتسكي لحقوق الإنسان والمساءلة” لمعرفة مصير الصحافي السعودي المختفي جمال خاشقجي.

وفي خضم هذا الجدل، أعلن ترامب أن محققين أميركيين يعملون مع أنقرة والرياض للتحقيق في اختفاء خاشقجي. وقال في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز “لا يمكننا أن ندع ذلك يحدث. ونحن متشددون جدا بهذا الشأن، ولدينا محققون هناك، ونحن نعمل مع تركيا وبصراحة نحن نعمل مع السعودية”.

وردا على سؤال عما إذا كان اختفاء خاشقجي سيؤثر على العلاقات الأميركية السعودية، قال “يجب أن أعرف ما حدث”، وهو أمر تؤكد جهات السعودية أنها تسعى إليه أيضا، لكن بعيدا عن المزايدات السياسية والتوجهات التي تحول قضية اختفاء الصحافي السعودي إلى “أزمة” دبلوماسية وحديث عن اختبار للعلاقات سواء في علاقة الرياض بأنقرة أو في علاقتها بواشنطن.

في خضم التصعيد الإعلامي التركي، تم تسريب لقطات خاصة زعمت وسائل الإعلام التركية أنها “دليل على أن اختفاء خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول حادث مدبر”. وقد أثارت تلك اللقطات “حماسة” وسائل الإعلام الغربية التي تأبى القبول لفكرة التغيير والإصلاح في السعودية، وتصر على الحديث عنها بنفس اللغة القديمة عن البلد المتشدد.

وكان لافتا في سياق هذا الجدل، تقرير نشرته رويترز من إعداد ميسم بهرافيش صحافي يعمل بمجال الوسائط المتعددة في قناة إيران انترناشيونال التلفزيونية، أقحم إيران على خط القضية.

Thumbnail

 اعتبر الكاتب أن “اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي واحتمال مقتله سيلقيان بظلال كثيفة على صورة السعودية في العالم”، مرددا مصطلحا لم يكن يوم صحيحا حول التنافس السعودي الإيراني في المنطقة. ويزعم بهرافيش أن القضية ستوفر “ذخيرة سياسية لطهران وستجعلها في مكانة أدبية أفضل في وقت تنتقد فيه قيادات أجنبية الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري على نطاق واسع باعتبارهما المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال بث ‘الفوضى والموت والدمار’”.

ويضيف أن مثل هذه الجريمة ستزيد الضغوط الدولية على إدارة ترامب التي ألقت بثقلها وراء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتنفيذ إصلاحاته.

كما أن العلاقات بين السعودية وقطر تطرح في ميزان هذا الجدل، حيث يقول مراقبون إن الدوحة، التي سارعت إلى تحريك قناة الجزيرة، للقيام بدورها المعهود في إشعال الفتن خلال الأزمات. ومما يمثل أهمية خاصة في هذا السياق أن خاشقجي اختفى في تركيا، حليفة قطر.

وفي ضوء العلاقات السياسية والعسكرية والعقائدية الوثيقة بين البلدين فمن الممكن أن تدفع قطر أنقرة نحو التصعيد أكثر، خاصة بعد الانقلاب الحاصل في خطاب تركيا حول هذه القضية.

ويكشف اختفاء خاشقجي عن ازدواجية تركية في التعاطي مع الأزمة. فقد تحدث الرئيس التركي خلال اليوم الأول بخطاب هادئ، بدا أقرب إلى سياسة تعتمد على التحفظ والحذر في علاقات يشوبها الالتباس مع السعودية، إلا أنه سرعان ما انقلب هذا الخطاب وأخذ منحى تصعيديا ثم عاد الأتراك، بعد تصريحات الرئيس الأميركي عن التعاون مع الأتراك والسعوديين في التحقيق، وأعلنوا عن تشكيل لجنة مشتركة لحل القضية وديا.

وأعلنت الرئاسة التركية، مساء الخميس، أن أنقرة والرياض قررتا تشكيل مجموعة عمل مشتركة للكشف عن مصير الصحافي السعودي المختفي جمال خاشقجي، بناء على مقترح من الجانب السعودي. وقال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إنه “تم إقرار تشكيل مجموعة عمل مشتركة للكشف عن جميع جوانب حادثة خاشقجي، بناء على مقترح من الجانب السعودي”.

Thumbnail

في المقابل، يعتبر مراقبون آخرون أن ما يتردد عن “دور السعودية في اختفاء أو مقتل خاشقجي” ما لم تثبت الحقيقة، يبقى مجرد تصفية حسابات لأغراض متعددة، سواء من ناحية تركيا وحليفتها قطر، أو من ناحية موقف سيناتورات الكونغرس، وذلك في علاقة بالتنافس مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي.

ويقول نيد برايس المسؤول السابق في إدارة أوباما إنه لا يتوقع “تحولا استراتيجيا” في العلاقات الأميركية السعودية، لكنه يضيف “إذا تطورت الأمور بالشكل الذي قد تتطور به فسنشهد تغيرات تكتيكية مهمة لها مغزاها في العلاقات تكون السلطة التشريعية المحرك الرئيسي لها”.

كذلك فإن ردود الفعل قد تشتد حدة إذا فاز الديمقراطيون، الذين كانوا في الصدارة في انتقاد الرياض، بالسيطرة على أحد مجلسي الكونغرس في الانتخابات التي ستجرى في السادس من نوفمبر المقبل.

وقال المحللون إنه سيتعين عليهم مع ذلك أن يأخذوا في الاعتبار ضرورة التعاون السعودي في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية بما تشمله من عملية السلام في الشرق الأوسط وإمدادات النفط ومبيعات نظم الدفاع الصاروخي.

ويقول حسين إبيش الباحث بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن “الرياض هي شريكنا العربي المتعقل الوحيد لأنها تتفق مع معظم أهدافنا طويلة الأجل”.

ويضيف “لذلك سيضطر الديمقراطيون لإبقاء الباب مفتوحا، لكن سيظل بوسعهم استغلال هذا الأمر لإلحاق ضرر جسيم بسياسة ترامب الخارجية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: