امحند العنصر زعيم بتسع أرواح يكرّس سلطة المومياءات السياسية
الحديث عن رئيس حزب قديم أريد له أن يستمر إلى ما لا نهاية في مهمته، لم يعد حديثا مغريا. ومن الطبيعي جدا أن يتم التحايل على آليات القانون الطبيعي للأشياء والناس والحؤول بقوة المصالح وتضاربها دون انتخاب الأصلح والأجدر مع هبوط مؤشرات التعليم والثقافة والبحث العلمي وارتفاع منسوب الجهل والفساد واللامبالاة.
حزب “الحركة الشعبية” زكى أمينه العام امحند العنصر للمرة التاسعة على التوالي، وبذلك فهو زعيم أبدي طال مكوثه على رأس الحزب لأكثر من ثلاثين حولا كاملة دون أن يتزعزع من مكانه، ما يعكس غلبة سياسة القبيلة والعصبية والشلة بدل الاحتكام إلى ديمقراطية التداول على المسؤولية وكأن هذا الحزب لا يمتلك طواقم مؤهلة للقيادة.
مناورات سياسية
العنصر الذي يترأس جهة فاس مكناس لا يريد مغادرة المشهد السياسي الذي تعتريه الكثير من النكسات والمطبات. مشارك في جميع الحكومات ويتلون حسب الفصول، مسكون برغبة البقاء مهما تحولت الظروف، فجأة قرر الترشح لولاية جديدة، ماسحا ما قاله قبل سبعة أشهر بأنه لا يريد الترشح، وأنه سيترك المجال إلى جيل آخر من القادة.
يقول العنصر “قناعتي لازالت نفسها، أنني لا أريد الترشح، لكن ما وقع في الأشهر الأخيرة أن عددا من الإخوان في الأقاليم والهياكل والبرلمانيين والوزراء ألحوا عليّ بأن أتقدم بترشيحي”.
وبحضور 2500 مشارك إلى جانب الضيوف للمؤتمر الوطني الثالث عشر للحزب الذي تم عقده في 28 و29 و30 سبتمبر الماضي بالرباط، تمت مباركة الأمين العام المتجدّد.
العنصر يرى نفسه شابا لم يقطع بعد المسافة نحو الشيخوخة، مخالفا ما قاله العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، عندما أكد على أن الأحزاب بحاجة إلى ضخ دماء جديدة في هياكلها لتطوير أدائها، باستقطاب نخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي
العنصر كسياسي قديم له من المناورات النصيب الكبير، فقد اعتبر أنه كيف ما كانت النتيجة، فإن عدم الترشح سيكون “إخلالا بالأصوات التي تلح على أنني يجب أن أترشح”، وقد نافسه على المنصب مصطفى اسلالو، عضو المكتب السياسي للحزب للظفر بمنصب الأمانة العامة للحزب، لكن يبدو أن النتيجة محسومة سلفا ومن زكى العنصر له من الآليات الكثير لجعله يتبوأ رئاسة الحزب.
يرى العنصر نفسه شابا لم يقطع بعد المسافة نحو الشيخوخة. مخالفا ما قاله العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، عندما أكد على أن الأحزاب بحاجة إلى ضخ دماء جديدة في هياكلها لتطوير أدائها، باستقطاب نخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي.
الولاء للشيخ والقائد
ستون عاما تمر على تأسيس حزب “الحركة الشعبية”. ترأسه فقط إلى حد الآن زعيمان؛ المحجوبي أحرضان والعنصر، ولم تخرج القيادة عن نطاق عائلي قبلي مبني على الولاء للشيخ والقائد.
ما يعيبه الكثيرون على هذا الحزب أنه غير مهتم بإنتاج نخبة قوية قادرة على المساهمة في لعب أدوار فاعلة في صناعة القرار السياسي. وهذا ما يبيّن إعادة تدوير نفس الوجوه وترويج نفس الكلام.
برعم السياسة عند العنصر بدأ في التشكل عندما انضم في العام 1975 إلى الشبيبة الحركية لتكون أولى خطواته في سلم الحياة السياسية بالمغرب. وانخرط في حزب “الحركة الشعبية” في العام 1975 منطلقا مع شبيبته واحتك بكبار سياسيي الحزب وعلى رأسهم الزعيم أحرضان. ولم تمر سوى عشر سنوات تقريبا حتى انقلب إلى جانب آخرين على أبيه الروحي وأصبح على رأس الحزب، في حركة مفاجئة داخل الحركة الشعبية لم ترق للكثيرين واعتبروها نكرانا للجميل.
بعدما أخطأ الزعيم المؤسس أحرضان التقدير السياسي في لحظة سياسية، تم تعيين مجلس للأمناء السبعة، ومن ضمنهم العنصر، ليقود مرحلة انتقالية لمدة عام، ثم أصبح أمينا عاما للحزب شغل مناصب كثيرة. منها خطة وزير للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية من 1981 إلى 1992، ووزير للفلاحة ما بين 2002 و2007، قبل أن يشتغل وزيرا للداخلية في حكومة عبدالإله بن كيران ما بين 2012 و2013.
ينحدر العنصر من بلدة إموزار مرموشة جنوبي مدينة فاس، حيث درس بمدارس المنطقة وتسلق مراتب الوظيفة ومناصب وزارية كان آخرها وزير الداخلية في حكومة بن كيران الأولى، ليرتقي في آخر المطاف إلى رئيس جهة فاس مكناس والتي جعلت منه السياسي الذي لا ينهزم.
يروج حول العنصر أنه رجل التوافقات والتوازنات. كريم ودود ويقوم بمهامه على أكمل وجه، وهي صفات رجل دولة يتقن فن الإنصات وهو ما جعله يترقب العواصف وينحني بتسعين درجة حتى تمر بسلام على مركبه، صفات أهلته إلى دخول عرين الأمن عندما جلس على كرسي وزارة الداخلية التي تعرف في المغرب بأم الوزارات.
من المرجح أن يكون العنصر يهيّئ الآن حزبه للدخول في غمار انتخابات مقبلة برصيد انتقادي لحصيلة حكومة هو عضو فيها، بعدما انتقد تأخرها في إنجاز عدد من المشاريع، موضحا أن مشاركته في الحكومة لا تثنيه عن واجب إثارة انتباه حلفائه إلى الطابع الاستعجالي لبعض القضايا وراهنيتها، معلنا أن حزبه غير راض عن إصلاحات مهمة تتقاذفها أمواج نزاعات سياسوية عقيمة يدفع المواطنون ثمنها.
ولهذا ألح الأمين العام للحركة الشعبية على عملية التسريع المتعلقة بوضع هياكل جديدة للحزب تعمل بتقنيات وآليات حديثة، في إشارة إلى وسائل التواصل المتداولة مثل فيسبوك، تويتر، إنستغرام، يوتوب وغيرها، بهدف تقوية الحزب وتعزيز مردوديته مع العمل على إعادة الثقة للمواطن في ممارسة الفعل السياسي بشكل عام والحزبي خاصة.
وقد حسمت المرأة الحديدية في الحزب حليمة العسالي، القول بأنها مؤيدة لتولي العنصر مقاليد “الحركة الشعبية”، ولم تلتفت إلى الولايات السابقة.
لم تتحدث القيادية في الحركة الشعبية، عن طموح شخصي لها في الرئاسة لكنها اعتبرت شخصية العنصر محققة للإجماع وأن الذين كانوا سيترشحون للمنصب سيزرعون زوابع من الحقد والصراعات.
كل الشخصيات الوازنة داخل الحزب آثرت الإجماع على فكرة الاحتفاظ بالحزب موحدا، وهذا لن يتحقق دون ترشح العنصر. هذا الأخير تم إرغامه على عدم ترك مقعده فارغا وأعينهم على انتخابات 2021، من أراد العنصر ذا السادسة والسبعين من العمر حاضرا هو الفوز بأكثرية داخل البرلمان والاطمئنان بالتالي على مناصب وزارية في حكومة ما بعد العثماني.
في فبراير 2018 نجا العنصر، الأمين العام لحزب “الحركة الشعبي”، من حادث خطير تعرض له برفقة سائقه، بعد الاعتداء عليه من قبل أشخاص مجهولين رشقوا الواجهة الأمامية لسيارته بالحجارة على الساعة الحادية عشرة ليلا، على الطريق السيارة الرابط بين الرباط وطنجة، لكن رغم استبعاده فرضية الاعتداء المقصود وأن الأمر قد يتعلق بلصوص، فإن هناك من استدعى نظرية المؤامرة ولو بخجل، ليقول إنها رسالة من تحت الماء خصوصا وأن الحادث وقع قرب نهر.
بينما هناك من دفع بفرضية وجود أياد خفية تحرك المقادير داخل “الحركة الشعبية” أوحت ببقاء العنصر رئيسا للحزب.
دروس في الديمقراطية
خطب العنصر بعد إعلانه فائزا، منوها بأن مؤتمر “الحركة الشعبية” كان تمرينا أعطى فيه الحزب درسا في الديمقراطية ومر انتخاب الأمين العام في جو ديمقراطي وتحت مراقبة مفوض قضائي وأظهر أن الحركيين يمكنهم تطبيقها بحذافيرها.
الكل ينادي من داخل وخارج الحزب بتشبيب الأحزاب واستقطاب الكفاءات والقطع مع شغل منصب رئيس الحزب أكثر من ولايتين، لكن يبدو أن حزب الحركة الشعبية بانتصاره لمنطق زمن الرجل الواحد والزعيم الخالد في منصبه يرسخ منطق الولاءات والمناطقية والزبونية، وسيستمر هذا المسار بتسارع أكبر بعد المؤتمر الوطني الثالث عشر للحزب.
معروف أن الحزب يركز في قانونه الأساسي على العالم القروي سواء في اعتماده على العنصر البشري كخزان انتخابي أو هوياتي، بدفاعه عن الثقافة الأمازيغية في إطار الأصالة المغربية. ولهذا يشدد العنصر على أن “العالم القروي في حاجة إلى استراتيجية تنموية حقيقية، وليس لحلول ترقيعية لإسكات بعض الاحتجاجات هنا وهناك”.
البعض يروج حول العنصر بأنه رجل التوافقات والتوازنات. كريم ودود ويقوم بمهامه على أكمل وجه، وهي صفات رجل دولة يتقن فن الإنصات وهو ما جعله يترقب العواصف وينحني بتسعين درجة حتى تمر بسلام على مركبه
الغريب أن تكون شهادة الناس وما يقع داخل المنطقة والجغرافيا تصب في عكس ما قاله الأمين العام للحركة الشعبية بأن المنطقة التي ينحدر منها الزعيم ويتم انتخابه نائبا عنها منذ 30 سنة لا شيء فيها تغيّر.
أنصار الرجل يؤكدون بأنه مخطئ من يظن أنه قادر على تدبير هذا الحزب سواء الآن أو في الماضي. ويقول آخرون إنه كان بالإمكان أن يكون أكبر حزب يدافع عن المناطق القروية المهمّشة، ولكن استبداد القيادة منذ أحرضان والانقسامات المتكررة وسلوك الانتهازية والمحسوبية أفقدت الحزب المصداقية.
وهكذا استفاد الأمين العام لحزب “الحركة الشعبية” المعاد انتخابه من شخصيته الهادئة والمتوافقة غير الصدامية ومن براغماتيته للبقاء على قمة الحزب وفي الساحة السياسية المغربية، وستؤهله لمنع انقسام الحركة الشعبية لتيارات متناحرة.
انشقاقات وحركات تمرد
حزب الحركة الشعبية عرف منذ تولي العنصر عدة انشقاقات وحركات مناهضة لتدبير العنصر لعدد من الملفات منها حركة الحرضانيين برئاسة أوزين أحرضان نجل الزعيم السابق، وهناك أيضا الحركة التصحيحية لحزب الحركة الشعبية، التي يتزعمها الوزير السابق سعيد أولباشا، هذا الأخير أكد أن حركته جاءت لتصحيح اختلالات داخل الحزب وإعطائه نفخة قوية من الديمقراطية والشفافية.
وبقدر ما كانت العسالي مؤيدة ومدافعة عن العنصر، كان أوزين أحرضان مناهضا له، وكان له كلام أيضا في قيادته، فهو ابن أبيه ولم ينس أن العنصر ساهم في إزاحة والده من قيادة الحزب. وها هو اليوم يقول إنه وبسبب سوء تدبير العنصر “خسرنا في الانتخابات الأخيرة مليون صوت ومناطق كانت لنا، مؤكدا أن يكون البرلمان القادم معززا بأبناء الحركة”.
كان آخر قرار يتخذه العنصر، قبل تتويجه زعيما للحزب، طرد عبدالعزيز خليل، المنسق الجهوي السابق للحزب بجهة الدار البيضاء وعضو المجلس الوطني، من القاعة التي كانت تضم المؤتمرين، بعدما احتج وغضب واشتكى لعدم إدراج اسمه على لائحة المؤتمرين، ومنعه من دخول قاعة المؤتمر دون سبب. ورغم تراجعه عن القرار في آخر لحظة بقوله “عفا الله عما سلف”، إلا أن الجرح الديمقراطي قد سالت منه قطرات من الاستبداد بالرأي.
بين المؤتمرين الثاني عشر والثالث عشر لا يزال كلام سعيد أولباشا، عضو الحركة التصحيحية داخل حزب، يتردد في أن حزب “الحركة الشعبية” يعيش وضعا خطيرا بعد مؤتمره الأخير، وأنه تحول إلى حزب المصالح الضيقة، والدليل هو تراجع الأداء الانتخابي بانخفاض الحصول على المقاعد البرلمانية نتيجة عجز الأمانة العامة عن الدفاع على الحزب وتاريخه.
لم تنجح أيّ من الحركات التصحيحية داخل “الحركة الشعبية”. ولكن في كل منعطف تظهر إحداها، ونقطة ضعف الحزب حسب أصحاب تلك الحركات التصحيحية تكمن في استفراد مجموعة صغيرة بالقرار واحتكاره من قبل من لا يعرفون تاريخ الحزب.
فهل ستكون الولاية التاسعة لامحند العنصر عنصرا جامعا للمتناقضات من الآراء وملطفا للتنافس بين أقطاب الحركة الشعبية؟ وهل سيكون من أولوياته تدبير المرحلة بنَفَس تطبعه الحكمة، وصولا إلى جمع كل الغاضبين منتخبين وكوادر على مائدة مصلحة واحدة للحزب، وسلوك طريق المصالحة والاعتراف بالأخطاء من طرف الكل؟ أم ستطغى الأنانية والمصلحة الضيقة وتستمر معركة الخلافة المنتظرة والملفات العالقة التي من بينها قانون “ترسيم الأمازيغية” بعد الانتخابات المقبلة.