من كاد أن يكون رسولا على وشك الانتحار

لا يمكن أن نعتبر العنوان مبالغا فيه ،ولكنه يعبر عن واقع مسكوت عنه. الآن لا أحد يريد أن يكشف ستار الحقيقة، و يفضل العيش في الأوهام و الأحلام الوردية التي لا طالما سمعنا عنها في الروايات و القصص الخيالية وما أحوجنا إلى أشخاص يتحدثون عن واقعهم بدون استعمال لغة الخشب التي تقتل فينا روح المواطنة .

نعم و أؤكد عليها ، أن هناك مجموعة من المعلمين في السلك الإبتدائي، يعانون الأمرين سواء كانوا متواجدين بالمجال الحضري أو القروي ، فهم لم يسلموا من شتى المعاناة التي ألمت بهم على حين غفلة أو بشكل متدرج ، فكثير من المعلمين في السلك الابتدائي معرضين للإكتئاب، أكثر من غيرهم من الأساتذة خاصة المنحدرين من المجال القروي، نظرا لكون هذا المجال يفتقر لمجموعة من المتطلبات، التي تعرقل السير العادي للدراسة كوجود مدرسة ذات المعلم الوحيد. و بالتالي فهذا الوضع يفرض عليه أن يكون متعدد التخصصات بمعنى مدرس ومدير و موجه ومراقب في آن واحد ،فكيف يعقل أن يقوم بكل تلك الأدوار ولا يصاب بالاكتئاب فهدا أبسط ما يمكن أن يقع فيه، وبالتالي ينتهي به المطاف محملا بجملة من الأمراض لعلى من أبرزها كما ذكرنا الإكتئاب، الذي يحمل درجات مختلفة ، و المشكل لايقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى غياب التكوين و الدورات العلمية، التي يكون الهدف من ورائها إدخال بعض التحسينات على قطاع التعليم، التي من شأنها أن ترفع بهذه المهنة و أصحابها إلى الأمام و ليس الاقتصار على عملية التحفيض. التي تقتل روح  الإبداع و التركيز لدى التلاميذ و تجعلهم أسيري عملية الأخد والرد فقط، دون إتاحة الفرصة لإستفزاز العقل و إرغامه على التفكير، فإن ذلك ينعكس على الحصيلة الدراسية و هذه النمطية في العمل تجعل المعلم يحترق نفسيا دونما أن يجد من يهون عليه معاناته، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى وضع حد لها مبررا ذلك برسالة الاعتذار، تاركا وراءه جملة من الأحزان و الهموم للذي  سيأخذ مكانه فإما يختار أن يمشي على درب رفيقه في المهنة و يكون مآله ما آل إليه صديقه، أو يجتهد رغم كون الاجتهاد لا وجود له بين كل تلك التحديات و المعوقات. فهو يبقى مصطلح ليس إلا، ولكي لا يلقى نفس مصير خليله سوف يشتغل في معزل عن ضميره وعن قيمه ومبادئه،التي تجعل الشخص في مجتمعا يشقى كثيرا.

وهذا يحيلنا على آخر واقعة راح ضحيتها أستاذ شاب في مقتبل العمر، حيث لقي مصرعه بعد أداء واجبه المهني بسبب حالة الطرق الرمزية و الغير المعبدة، إلى جانب وعورة المسالك التي تجعل التنقل يصبح أمرا مستحيلا خاصة في فصل الشتاء ، فقد جرفته المياه إلى مصير مجهول  تاركا ورائه أسرة  بأسرها تعاني .

فكيف يعقل أن يغيب الإكتئاب في ظل وجود مناخ يشجع ويرحب ويوفر له الظروف للبقاء و المكوث في بيوت الأساتذة ، حيث نسمع هنا موتى وهناك الاعتداءات .

فقد ماتت تلك الصورة التي كانت مأخوذة للمعلم أيام الزمن الجميل، يامن كدت أن تكون رسولا،فإما أن تغير مسارك و إما أن يتغير مجتمعنا ، لكن كل من هذين الاختيارين مستحيل أن يتحقق نظرا لكون فرص العمل جد محدودة وإمكانية الاختيار منعدمة ،و هذا ما يزيد طين بلة، و بالتالي حتى لو كانت هناك نية من أجل تغير المسار فتلك النية تتحول إلى رضى و قبول بواقع ويترتب عنها إخفاء آلامه التي لو وضعت على جبل لانهار، وبالتالي فهو لم يعود يتحمل كل تلك المعاناة، و لم يجد أمامه سوى حل واحد هو مغادرة الحياة في صمت رغم كونه، هو من علم كثيرا منا معنى الصمت هو الخوف و عدم القدرة على المواجهة ، فهو فضل أن يواجه مصيره ومعاناته بكتمان.

لبنى بوعزة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: