هل حقا: المغرب أحسن من فرنسا؟
لا تبدع الدولة المغربية في إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتأزم، بل تستعمل خيالها في تقديم وصفات مثيرة وغريبة تدخل في ما يسمى «فيك نيوز»، وهي الأخبار التي تعمل على تضليل الرأي العام، خاصة عند الأحداث الكبرى مثل الأزمات أو الانتخابات. ولعل ذروة هذا النوع من الأخبار الصادرة عن الدولة المغربية هو ما قاله رئيس الحكومة سعد الدين العثماني نهاية الأسبوع «المغرب أحسن من فرنسا»، نعم «المغرب أحسن من فرنسا»، لا تضحكوا من فضلكم.
ويعيش المغرب في الوقت الراهن جدلا قويا بشأن موضوع الهجرة، التي يصطلح عليها «سرية»، بينما أصبحت في وقتنا الراهن علنية، بل وهناك تظاهرات لمواطنين يرغبون في التخلي عن الجنسية، ويهتفون باسم دول أوروبية. ومرد هذا الاهتمام هو، أولا: تردي الأوضاع الاجتماعية في البلاد، ما جعل الشباب يفكر في الهجرة كحل وحيد أمام انعدام الأفق. وثانيا: مقتل الطالبة نجاة بلقسام (19 ربيعا) برصاص البحرية الملكية يوم الثلاثاء الماضي، ما خلف صدمة في البلاد. ووسط هذا الجدل، تتناسل التصريحات، بين الغث والسمين، بين التعقل والطيش، أما الدولة المغربية فتميزت بتصريحات مثيرة تدخل في ما يسمى في علوم الإعلام «فيك نيوز» المشار إليها أعلاه. لقد فاجأ رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ليلة السبت بقوله «المغرب أحسن من فرنسا» لتأكيد الاستقرار وازدهار الاقتصاد المغربي. وأكد أن الوزير الفرنسي السابق دومنيك دوفيلبان أخبره بهذه المقارنة. لا ندري هل دوفيلبان صدر عنه مثل هذا التصريح حقا؟ ولكن نتساءل، هل رئيس الحكومة المغربية العثماني يصدق مثل هذه المقارنة.
لا يكلف المرء نفسه في البحث عن أرقام للمقارنة بين البلدين في مجال التعليم والشغل والصحة والبحث العلمي ونسبة البطالة والتقدم التكنولوجي، فهي صارخة لصالح فرنسا، ويكفي الاطلاع على تقديم فرنسا للمغرب قرابة نصف مليار دولار سنويا مساعدات لإتمام ميزانيته، فأي نوع من «فيك نيوز» هذا ما يردده رئيس الحكومة. في حالة واحدة سيكون الخبر له مصداقية: إذا كان العثماني يتحدث عن وضع الوزراء المغاربة مقارنة مع نظرائهم الفرنسيين، فهم يتوصلون بمرتبات عالية ولا يخضعون للمحاسبة عكس الفرنسيين.
وحول الموضوع نفسه، كان وزير حقوق الإنسان والحريات مصطفى الرميد مبدعا بدوره، فقد صرح حول مقتل حياة بأن الهدف كان هو إطلاق النار على ربان القارب، لأنه اخترق المياه الاقليمية المغربية، ووصف الربان بتنفيذ عملية الغزو للمغرب، واضطرت البحرية الملكية للدفاع عن الحدود الوطنية. تصريح بدوره يدخل في خانة «فيك نيوز» ويزيد من مشاعر الاحتقان، بسبب اعتبار الدولة المواطنين أغبياء، فهل قارب للهجرة متجه نحو إسبانيا محمل بمهاجرين مغاربة سيغزو المغرب؟ ويمتلك الوزير سجلا في «فيك نيوز»، فقد صرح في الماضي عندما كان وزيرا للعدل، عند انفجار الفضيحة العالمية للحسابات البنكية السرية في سويسرا، وجاء ذكر مسؤولين كبار من المغرب من العائلة الملكية ووزراء سابقين ورجال أعمال، وبينما فتحت حكومات الكثير من الدول تحقيقات قضائية، ابتلع لسانه عندما وجهت له أسئلة حول هذه التحقيقات في الحسابات قائلا: «إن وزارة العدل المغربية لا تمتلك خبراء للتحقيق في مثل هذه الملفات». ورأى المغاربة في هذا التصريح تزكية لفساد المسؤولين الكبار واحتقارا لمكاتب المحاسبات المغربية.
وتتنوع تصريحات الوزراء المغاربة حول الهجرة التي تدخل في خانة «فيك نيوز». واعتاد الناطقون باسم الحكومة المبالغة في تضخيم المنجزات، ولكن الناطق باسم الحكومة المغربية ذهب أبعد وربما يستحق كتاب غينس للأرقام القياسية. ففي ذروة الأزمة الاقتصادية التي يمر فيها الوطن، خرج خلال منتصف شتنبر الماضي قائلا «المغرب يتوفر على فرص شغل هائلة». تسبب تصريح الخلفي في موجة من السخرية الأليمة في شبكات التواصل الاجتماعي، وتساءل أكثر من مغربي: كيف يصدر تصريح عن وزير يفترض فيه الوعي بالواقع المغربي، ومطالب بتجنب التصريحات المستفزة للشباب والمغاربة عموما الذين يعانون من بطالة خطيرة؟ الحكومة الحالية لديها باع في «فيك نيوز»، ومن تلك الأخبار التي تثير الرأي العام بين الحين والآخر، تصريح لوزيرة الشؤون الاجتماعية بسيمة الحقاوي، في تقييمها لتكلفة المعيشة في المغرب، ادعت أن المواطن المغربي يمكنه العيش بـ 20 درهما (دولارين في اليوم)، وتسببت في موجة من السخرية والنقد، بحكم أن هذا يتناقض مع الواقع، وفي الوقت ذاته، هناك مغاربة يعيشون بتقاعد لا يتجاوز 300 درهم في الشهر، بينما فاتورة الماء والكهرباء تصل إلى مئة دولار في المعدل.
وتستمر إبداعات الدولة في أخبار «فيك نيوز»، منها ما جاء في خطاب يعتبر المغرب وقد دخل مصاف الدول الصاعدة، وإذا به يصعد في سلم الفقر والهشاشة ليصل الى المرتبة 123 في التنمية البشرية. في الوقت هناك تصريح آخر، عندما قالت الدولة إن المغرب تحول الى دولة يحسدها الكثيرون.
وها هو شباب المغرب يريد التخلي عن الجنسية للمسؤولين ومغادرة البلاد، لكن هناك أخبارا تبدو مثل «فيك نيوز» ويصعب تصديقها ولكنها حقيقة. في هذا الصدد، استعرضت الدولة المغربية منذ أسبوعين الشطر الثالث من مشروع التنمية البشرية، وسيكلف كميزانية قرابة ملياري دولار. لم يثق الشباب في المبادرة والوعود، فهي الوعود نفسها التي رافقت الشطرين السابقين من المشروع ومن نتائجه السراب. وبالموازاة مع تقديم مشروع التنمية، ظهر زورق من زوارق «الفانتوم» في شواطئ المغرب ورافقته دعاية بنقله المهاجرين مجانا الى أوروبا، هذا الاعلان كان كافيا لجعل آلاف الشباب يتوافدون من مختلف مناطق البلاد وينتظرون أمام السواحل المتوسطية في انتظار «الزورق المنقذ».
كان الزورق حلما جميلا للشباب وتعلق المغاربة به رغم طابعه الأسطوري أو ربما أنه كان «فيك نيوز» في صيغة إيجابية، لكن رصاص البحرية الملكية وضع حدا للحلم، بعدما أردى حياة بلقاسم قتيلة الثلاثاء الماضي. رحمك الله يا حياة أنت وآلاف الشباب المغاربة ومن جنسيات أخرى لقوا حتفهم في البحر المتوسط في سبيل الحلم الأوروبي الذي تحول إلى كابوس.