نبيل بن عبدالله شيوعي يغامر بعقد قران حزبه بالعدالة والتنمية الإسلامي
أسهم حزب التقدم والاشتراكية كانت قد ارتفعت في سوق العدالة والتنمية منذ العام 2012 عام تشكيل أول حكومة يقودها الإسلاميون بالمغرب. حينها خرج المؤتمر الوطني لهذا الأخير ببيان يثمن العلاقات بين الحزبين بعد جفاء وعدم ثقة خيما على التنظيمين السياسيين إثر استغناء رئيس الحكومة سعدالدين العثماني عن الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء دون استشارة قيادة الحزب اليساري.
كانت تلك القشة التي كادت تعصف بالعلاقة بين الفريقين، ليتدخل عبدالإله بن كيران مزكيا استمرار صفقة الزواج التي تمت سابقا نتيجة علاقة صداقة شخصية جمعته مع نبيل بن عبدالله الأمين العام للتقدم والاشتراكية.
تخالط وتناقض
بعد ذهاب بن كيران ومجيء خلفه العثماني على رأس العدالة والتنمية والحكومة أطلت المشاكل بين التنظيمين إلى العلن. فشخص العثماني يختلف عن سلفه بن كيران والرفيق بن عبدالله لم يتوافق مئة بالمئة مع رئيس الحكومة الحالي، وله في ذلك نظرية عندما يقول إن الأشخاص لهم دور كبير في تليين أو تعقيد العلاقات، ويبقى يتمسك بأمله في أن يلعب الأشخاص داخل العدالة والتنمية دورا مغايرا. ويتمكنوا من تغيير الاتجاه من خلال الممارسة والعلاقات الشخصية الطيبة فالأمر ليس رهينا به لوحده فقط.
وما دامت السياسة هي فن الممكن ولا شيء ممنوعا في سبيل ممارستها فقد شدد العدالة والتنمية على أهمية التحالف الإستراتيجي المتميز والفريد الذي يجمعه وحزب التقدم والاشتراكية، مشيرا إلى تشبثه بالشراكة النوعية والعمل المشترك الذي يجمع الحزبين والقائمة على دعم البناء الديمقراطي والإصلاحات بحس اجتماعي كبير يشكل قاسما مشتركا بين
الحزبين.
شغف بن عبدالله بالسياسة، وهو الذي ولد في الرباط في العام 1959، جعله يتمنى أن تمتد به الحياة السياسية إلى آخر عمره، بعدما عاركها من موقعه رئيس الشبيبة الاشتراكية من 1994 إلى 1998، قبل أن ينتخب ضمن أعضاء المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ليصبح أمينا عاما لحزب التقدم والاشتراكية الحزب الشيوعي السابق في المؤتمر الثامن للحزب في مايو 2010.
وانطلاقا من تجربته يبقى بن عبدالله يردد أن حزب التقدم والاشتراكية الذي يتزعمه حزب المعقول قولا وفعلا. وقد صاغ جملا بلاغية لتبرير تحالفه مع العدالة والتنمية الإسلامي الذي يجيء في الضفة الأخرى أيديولوجيا وسياسيا ومرجعية، فالحزب اليساري كما يقول بن عبدالله هو الذي يدرك جيدا موازين القوى في الواقع، ويبحث عن تحالفات واقعية وممكنة تحتاج إلى التكيف.
لم تخب شعلة الانتقادات التي ووجه بها بن عبدالله حتى بعد ثماني سنوات من التحالف بين الحزبين. إذ لا يزال الرفاق ينتهزون مطبات زعيمهم ليكيلوا له الانتقادات تلو الأخرى، لكن بن عبدالله بدوره لا يزال يكرر لازمة أن البلد وما راكمه من فضاء ديمقراطي ونزاهة في الانتخابات ودور للمؤسسات بصلاحياتها الواسعة وتغيير دستوري وترقية في مجال الحقوق صار مهددا بانحرافات وأخطار وكان لا بد من هذا التحالف.
ويقول بن عبدالله “لم يكن التحالف وليد ما بعد انتخابات 2012 بل بدأت الاتصالات الأولى بشكل رسمي عندما تحملت مسؤولية الحزب”. فقبل الحراك الشعبي 2011 وقعت اللقاءات الأولى مع حزب العدالة والتنمية، أي أن هذا لم يكن اختيارا للعدالة والتنمية وإنما اختيارا للتقدم والاشتراكية.
يعترف بن عبدالله أن القطيعة والتضاد هما ما كان يغلب على علاقة حزبه بالعدالة والتنمية على المستوى السياسي والفكري والمذهبي والمرجعي والمجتمعي، ورغم الاختلاف حول عدد من القضايا، لكن الدفاع عن الديمقراطية كان نقطة الالتقاء. نقطة لم يتفق معه حولها الكثير من رفاقه اليساريين كون العدالة والتنمية كحزب ينهل من مرجعية إسلامية تقدم فكرة السمع والطاعة على المنهجية الديمقراطية بشكلها الحديث.
ويذهب الزعيم اليساري إلى أن التقاء حزبه مع العدالة والتنمية جاء من منطلقات قيم التضامن والعدالة في بعض التوجهات الاقتصادية والاجتماعية.
مبررات عديدة يسوقها بن عبدالله لإعطاء مشروعية سياسية وتدبيرية وسيكولوجية لتحالفه مع بن كيران، منها أنه اتصل في العام 2010 بزعماء حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ليحثهم على بعث الكتلة الديمقراطية من جديد، لكن تنافس الحزبين معا لم يعط مجالا للتقدم والاشتراكية للمضي قدما في هذا الطريق، خصوصا بعدما أكد قياديون من الاتحاد الاشتراكي لبن عبدالله بأن “الكتلة ماتت”.
الهجين الناتج عن التحالف
تعمق التنسيق بين التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، ولم تستطع أحزاب الكتلة الديمقراطية سابقا أن تنسق مع بن عبدالله، لكنه في المقابل لم يخف اتصالاته المكثفة مع بن كيران، لتتوطد العلاقة معهما أثناء الحراك ومع مجيء الدستور، حيث كان بينهما تنسيق دائم وكبير.
هناك من قال إن علاقة بن كيران بزعيم التقدم والاشتراكية تطبعها هيمنة الأول على الثاني ما جعل بن كيران يخرج في أوقات معينة بتصريحات تسير في هذا المنحى، ودفع بن عبدالله إلـى أن يرد غاضبا بأن حزبه اليساري الذي نشأ قبل أزيد من 67 سنة، ليس في حاجة البتة إلى شهادة حزب العدالة والتنمية ليوجد ويكون من ضمن الأحزاب المغربية الأكثر تأثيرا في الساحة الوطنية على مستوى الأفكار والتوجهات وإنتاج القيم والمبادئ والمفاهيم.
ورغم المنعرجات السياسية الخطيرة التي اعترضت الرجلين، ظل بن عبدالله متشبثا بحليفه بن كيران. وبعد إعفاء هذا الأخير من مهمة تشكيل الحكومة قبل عامين، قال زعيم التقدم والاشتراكية “كان بودنا أن يتمكن عبدالإله من مواصلة مهامه، ومن تشكيل حكومة جديدة في أحسن الظروف”، معترفا ببذله جهوده مع جميع الأطراف ومعه خصوصا حتى آخر لحظة من أجل النجاح في ذلك.
المراوغ والمسؤولية
يوصف بن عبدالله بأنه مراوغ كبير، وغالبا ما يتقمص صفته كصحافي لتمرير ما يريده من رسائل وهذا ما أهله لتقلد بن عبدالله منصب وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة من العام 2002 إلى العام 2007، لهذا فالحديث عن الحكومة المغربية التي قادها العدالة والتنمية منذ العام 2012 إلى الآن لا بد وأن يشمل حزب التقدم والاشتراكية، وهي التي عانت ما يكفي من بعض الاضطرابات الداخلية ليس أقلها الإقالات التي طالت وزراء الحزب اليساري.
بن عبدالله يقول إن حزبه حافظ من داخل الحكومة على كل القيم التي كان يدافع عنها من حريات وديمقراطية وعدالة اجتماعية، لكنه ينسى أن انتقادات وجهت لتلك الحكومة التي اتخذت إجراءات غير شعبية طالت عدة قطاعات كالتقاعد وصندوق المقاصة وأخرى تمس القدرة الشرائية للمواطن.
لا يزال بن عبدالله يدافع بالقول إن حزبه كانت له تصورات متباينة بشأن موضوعات التقاعد وصندوق المقاصة والقانون الجنائي، وأن تلك المقترحات أخذ جزء منها بعين الاعتبار، معتقدا أن شكل تقديم هذه الملاحظات كان “بناء”، ويضيف “مما جعلنا لم نصطدم مع أي كان سواء مع العدالة والتنمية أو غيره”.
تناقضات بالجملة حول التحالفات التي هندست التشكيلة الحكومية سواء في عهد بن كيران أو سلفه، ظهرت للعلن في شكل تصريحات وتصريحات مضادة، والغريب، كما يقول بن عبدالله ‘أن نجد داخل مجلس الحكومة جوا من الود وعلاقة طيبة بين الوزراء ومرحا إلى يومنا هذا، بمعنى أن الاضطراب يوجد خارج الإطار الحكومي’.
ويقول المراقبون إن الحزب التقدمي كان دوما باحثا عن المشاركة في الحكومة بأي ثمن وأنه لا طاقة له على النزول إلى موقع المعارضة، بينما يرد بن عبدالله دوما بأن الحزب السياسي خلق لأجل التدبير السياسي، ولن يتموقع داخل خط المعارضة إلا إذا كان مضطرا فقط، المعارضة عند بن عبدالله ليست اختيارا، بل هي اضطرار إذا لم تجد الصيغ المناسبة لبلورة تصور ما يوصلك إلى التدبير.
وغالبا ما يخرج بن عبدالله مدافعا عن وزراء حزبه الذين تم شطبهم من الحكومة مثل وزير الصحة السابق الحسين الوردي، الذي يعتقد أنه كان من أحسن الوزراء الذين مروا على المسؤولية في تاريخ هذا القطاع، ولم يستثن وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي، دون أن ينسى الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء التي شطبت هي أيضا مؤخرا وخلقت أزمة بين العدالة والتنمية وحزبه.
لم يعمر بن عبدالله طويلا في منصب سفير المملكة المغربية بروما بعد تعيينه في العام 2008، ما يصعب مهمة الحكم على أدائه الدبلوماسي، لكن الرجل لمح من خلال مقامه في إيطاليا إلى أن أصحاب أطروحة البوليساريو نشطون بكثافة هناك، كما استقصى حول سلوك الجزائر في ملف الصحراء ومناهضة مصالح المغرب سواء داخل إيطاليا أو الاتحاد الأوروبي، بعدما وجد أمامه تصرفات جزائرية بأساليب جهنمية بإمكانيات ضخمة مسخرة ضد المغرب.
وهناك من أرجع إعفاء بن عبدالله من منصبه سفيرا لعدم تواجده بشكل متعمد ضمن الوفد الذي استقبل الوزير الأول آنذاك عباس الفاسي الذي حل بروما، وعدم انضباطه لمراسلة وزارة الخارجية في الموضوع ما اعتبر خروجا عن الأعراف الدبلوماسية، وعدم اهتمامه بالأسرة المغربية التي قضت نتيجة حادثة القطار الذي انفجرت إحدى عرباته مما أدى إلى انهيار العمارة المجاورة لمحطة القطار.
غضب الديوان الملكي
غالبا ما تكون مطبات السياسيين مكلفة على المستوى الشخصي والتنظيمي، وبن عبدالله لم يخرج عن هذه القاعدة، اذ أن تصريحا له حول علاقة حزبه بالأصالة والمعاصرة جر عليه غضبا كبيرا، بعدما أقحم مستشارا ملكيا في صراع حزبي، عندما قال قبل عامين إن معركته ليست مع الأصالة بل مع من يقف وراءه ومن مازال يدعمه، مشيرا بالمرموز الواضح إلى فؤاد عالي الهمة مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي ساهم في تأسيس ذلك الحزب في العام 2008.
وقد خرج الديوان الملكي ببيان توضيحي لرفع أي لبس تجاه هذه التصريحات، لما تحمله من أهمية ومن خطورة، لا سيما، كما يقول البيان، أنها صادرة عن عضو في الحكومة، وأن الشخص المقصود هو مستشار للملك حاليا، لم تعد تربطه أي علاقة بالعمل الحزبي، معتبرا تصريحات الزعيم الحزبي تضليلا سياسيا وتتنافى مع مقتضيات الدستور والقوانين، التي تؤطر العلاقة بين المؤسسة الملكية وجميع المؤسسات والهيئات الوطنية بما فيها الأحزاب السياسية.
ورغم الانتقادات الكثيرة الموجهة لسلوكه وسلوك الطبقة السياسية بالمغرب، إلا أن نبيل بن عبدالله لا يبالي كثيرا بما يسمع، فهو يرى أن هناك كفاءات تدافع فعلا عن الديمقراطية لا علاقة لها بالريع والبذخ والامتيازات، ففي نظره أن بمثل هذه الانتقادات الشعبوية يتم تشويه الحياة السياسية فلا
ديمقراطية دون أحزاب سياسية قوية وهذا ما لا يتوافق معه فيه الكثير حتى من داخل الحزب، لكنه يعكس عقلية مختلفة عن تلك التي يقدم بها نفسه كماركسي مبدئي ليس مستعدا لوضع يده في أيدي الرجعيين كما يسميهم اليسار.