موريتانيا تتحرك لتهدئة التوتر بين المغرب وإسبانيا

الأحد 2018/09/23

الهجرة تؤرق الجميع

تشوب العلاقات المغربية الإسبانية حالة من التوتر منذ إغلاق المغرب النقطة الجمركية للمعبر الحدودي “بني أنصار” مع سبتة المحتلة، غشت  الماضي، إذ رأت إسبانيا أنها خطوة بمثابة حرب اقتصادية للضغط على مدريد بخصوص المفاوضات المباشرة مع بوليساريو في حين شدد المغرب على أنه قرار سيادي أساسا ويخص المملكة.

وهاجم حاكم مدينة مليلية المحتلة خوان خوصي إيمبوردا الحكومة المغربية، ووصف قرارها بأنه تعسفي وعدائي، وسيكبد خسائر مادية كبيرة لمدينة مليلية المحتلة خلال الأشهر المقبلة.

ورغم الإشكال القائم بين سلطات مليلية المحتلة والمغرب إلا أن قضايا استراتيجية ذات أهمية قصوى، كالهجرة غير النظامية والأمن تبقى محل تباحث الطرفين، إذا يعي كل منهما ضرورة تغليب المصلحة المشتركة. لكن على الرغم من المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة يبدو أن إسبانيا مهتمة بجني ثمار التعاون بمفردها، دون أي اعتبار لمصالح المغرب خصوصا في قضية الصحراء المغربية، حيث تحاول مدريد لعب ورقة الاستفتاء واتفاق الصيد البحري بما يلائم مصالحها.

ويحرص المغرب على أن تتضمن اتفاقية الصيد البحري أقاليمه الجنوبية لاعتبارات سيادية، لكن هناك محاولات من دول الاتحاد الأوروبي خاصة إسبانيا لاقتناص فرص سياسية تهدف إلى إبقاء بنود من الاتفاق بمثابة فخاخ تسمح لها بالتدخل والضغط على المغرب. ويعتقد مراقبون أن تباين المواقف بين الطرفين سبب تأجيل زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للمغرب عدة مرات.

وتعمل إسبانيا على تخفيف عدد المهاجرين على شواطئها من خلال تكثيف ضغطها السياسي على المغرب في اتجاهات كثيرة من خلال ملف الصحراء المغربية، ولهذا عملت مدريد على تعميق العلاقات مع دول الجوار المغربي.

وقد اهتمت أجندة زيارة وزير الداخلية الإسباني فرلاندو أوكراند مرلانخا لموريتانيا، نهاية يوليو 2018، بسبل التعاون مع نواكشوط في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية ومحاربة تهريب المخدرات.

وفي ظل التوجس الإسباني من تطوير المغرب لترسانته العسكرية وجاهزية قواته وتهديده البوليساريو بالرد الناري عندما حاولت تغيير القواعد بمنطقة الكركرات في الأشهر الماضية، ارتأت مدريد ضرورة رفع مستوى التعاون مع موريتانيا لتشمل مجالات التسلح، حيث تم التوقيع في مارس الماضي على اتفاقيات تتعلق بالتعاون العسكري بين مدريد ونواكشوط، في خطوة تهدف إلى الضغط على المغرب ومحاصرته في جنوبه.

المغرب يحرص على أن تتضمن اتفاقية الصيد البحري أقاليمه الجنوبية لاعتبارات سيادية، لكن هناك محاولات من دول الاتحاد الأوروبي للإبقاء على بنود من الاتفاق تسمح لها بالتدخل والضغط على المغرب

وتحاول العواصم المؤثرة على الصعيد الأوروبي ومنها مدريد الاستفادة من ملف الصحراء للضغط على المغرب ومساوماته في عدد من الملفات على رأسها ملف الصيد البحري والفلاحي والثروات الأخرى منها الفوسفاط،، ولا يبدو أن إسبانيا محايدة في ملف الصيد البحري في الوقت الذي يستفيد فيه بحاروها من امتيازات الصيد بالمياه الإقليمية المغربية وهو ما يمكن اعتباره ابتزازا واضحا للمملكة.  ولا تنكر إسبانيا الأدوار الكبرى التي يلعبها المغرب أمنيا واستخباراتيا انطلاقا من حدودها الجنوبية حتى عمق الصحراء والساحل مكمن الجماعات الجهادية والمنظمات المتاجرة بالبشر، لكنها تريد استغلال الثقل الأمني للمغرب لصالحها بأن يكون المغرب الدركي الذي يتصدى لتدفقات المهاجرين غير النظاميين، دون إدراك ما لهذه المهمة من اختراق لسيادة المغرب وإنهاك لاقتصاده.

وتعي مدريد جيدا قيمة المعلومات الاستخبارية والأمنية التي تمتلكها الأجهزة المغربية والدعم والمساعدة اللذين قدمتهما للإسبان في سبيل الحد من الهجمات الإرهابية، فالهجرة والإرهاب من أكبر الهواجس التي تؤرق إسبانيا لكن مدريد تريد معلومات دون مقابل يعود على مصالح المغرب بالنفع خصوصا في ملف الصحراء المغربية.

وتهتم إسبانيا بالوضع في الصحراء والساحل، لهذا تسعى إلى تعميق تواجدها بالمنطقة عبر ربط الاتصال بالاستخبارات المحلية خصوصا موريتانيا والمغرب كجار لإسبانيا وشريك استراتيجي.

وفي تتبع لسير العلاقات الموريتانية الإسبانية والتي تعززت في السنوات الأخيرة وأخذت أشكالا متعددة منها ما هو عسكري وأمني واقتصادي، يمكن الاستنتاج أن تواجد وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد بالرباط الجمعة والسبت، يهدف إلى تهدئة التوتر الذي شاب العلاقة بين المغرب وإسبانيا خصوصا وأن البلدان الثلاثة معنية بالتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والهجرة السرية. فإسبانيا كحال بقية الدول الأوروبية لها اهتمام خاص بمنطقة الساحل والصحراء لاعتبارات أمنية بالدرجة الأولى مرتبطة بتغلغل الجماعات الجهادية وما يمكن أن تشكله من خطر على استقرار حوض الأبيض المتوسط، بعد ولاء جماعات إسلامية متشددة مثل أنصار الشريعة في ليبيا، وبوكوحرام في نيجيريا وأنصار الدين في مالي لتنظيم داعش.

ولا يمكن لإسبانيا المكتوية بنشاطات المجموعات المهربة للمخدرات وبتدفق المهاجرين غير الشرعيين، الاستعاضة عن التعاون مع المغرب والاكتفاء فقط بتنسيق عملياتها مع نواكشوط سواء في منطقة الساحل والصحراء أو في جزر الكناري في المحيط الأطلسي.

ولتوضيح مدى الالتزام المغربي في مجال الهجرة وقطع الطريق على إي التفافات سياسية أكد مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة، الجمعة، أن “الرباط تبذل مجهودا استثنائيا في مجال محاربة الهجرة السرية، كما أن هناك تعبئة لدى المصالح الخاصة للتصدي لشبكات الهجرة السرية”.

في المقابل لن تستثني الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الموريتاني للرباط المتغيرات الجيوسياسية التي تحدث في محيطها الإقليمي والعلاقات مع إسبانيا بشكل خاص، إذ لن تغض نواكشوط الطرف عن تأثير الهجرات على حدودها وما تمثله من خطورة على أمنها القومي لارتباطها بتجارة السلاح والبشر وبالاقتصاد غير المراقب. وقد حرك ولد الشيخ اتجاهه نحو المغرب لإدراكه ثقل المملكة الاستراتيجي في الملف الأمني والاقتصادي ودورها الإقليمي المؤثر.

وتلعب موريتانيا دورا مهما في نزاع الصحراء المغربية باعتبارها عضوا مراقبا في الملف الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، ويمكن أن تكون في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مؤشر إيجابي من أجل تحريك الملف بما فيه مصلحة لاستقرار المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: