الشباب المغربي الضائع يبحث عمن يصغي له
يبحث الشباب المغربي عن الانتماء الذي يشكل هويته، في ظل عادات وقيم اجتماعية لا تتوافق مع ميوله وطموحاته، إضافة لعدم وجود رعاية حقيقة من السياسيين للشباب و الفساد الاداري الذي يحيط به ، وتهميش مشاركته في القضايا الأساسية في السياسة والاقتصاد والعلم والإدارة.
يعيش الشباب المغربي حالة من التناقض بين ما يسمعه من خطابات وشعارات رسمية حول دوره وأهميته في بناء المجتمع والتنمية والنهضة الاقتصادية، وبين واقع محبط يفتقد فيه لرعاة حقيقيين يسهمون في تحقيق هذه الشعارات، الأمر الذي أنتج حالة من انعدام الثقة وفقدان المصداقية بين الجيل الجديد والحكومات المتتالية .
فالشباب المغربي يعاني التهميش و الفقر و البطالة و عدم الانتماء لمجموعة حكومية فرقت بين المواطنين و السلطة حيث فقدت الثقة بين الناخب و المنتخب ، فالأحداث الاخيرة في المغرب من هجرة سرية و اعتقالات و تجنيد اجباري خير دليل على عدم صلاحية هذه الحكومة التي تفتقد للعديد من الأشياء سواء سياسية أو اجتماعية .
حكومة جاءت لتزيل العبء على المواطن لكن هذا الأخير أصبح لا يقدر على التحرك من الويلات و الأزمات الاجتماعية التي لازال المسؤولون يبحثون عن حل ترقيعي لها ، مما جعل الشباب يهجر بلده و عائلته و أصبح الوطن بالنسبة لهم عبئا ثقيلا ينتظر التخلص منه في مياه البحر الأبيض المتوسط لبناء حياة جديدة مع أناس و حكومات تعمل لصالح الوطن و ليس لصالح الأشخاص .
وينوه العديد من الباحثين والمختصين في القضايا الاجتماعية، إلى أن الشباب المغربي أضحى في حاجة للعديد من الفرص للنجاح في الدراسة والعمل والأسرة والإسهام في تدبير الشأن العام المحلي والقطاعي والوطني.
إضافة إلى تمكينه من أدوات تساعده على سلوك النهج المتوافق مع القيم والمعايير الاجتماعية وإشباع احتياجاته السيكولوجية وتملكه للمكانة المناسبة اجتماعيا ومهنيا وسياسيا.
إحساس بالتهميش
يرى أحمد شوقي بنيوب، الخبير في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، أن إحساس الشباب بالتهميش، وشعوره بعدم الجدوى في مجتمعه، يتزايد خصوصا إذا كان بعض الناقمين على الأجيال الجديدة، وراء إيقاظ ذلك الإحساس.
وأضاف بنيوب أن هذا الإحساس قد يكون ناتجا عن تعرض الشاب للإهانة أمام أصدقائه من قبل الوالدين غير الواعيين، فيشعر (كجيل تواق للحرية والاستقلالية)، بالنقص والدونية، وذلك فيه ضرر كبير على المستوى السيكولوجي، وعلى مستوى إنتاج ومردود الشباب في المجتمع.
ونوه أن عدم الاعتراف بالشباب، وتهميش مشاركته في القضايا التي يحتكرها الكبار، في السياسة والاقتصاد والعلم والإدارة، كلها عوامل تدفع الشباب إلى الجنوح والميل نحو العصيان، بل والتمرد وأعمال العنف، خصوصا في سن المراهقة، التي طالما وصفها خبراء النفس والسيكولوجيا بسن “الزوابع”، نظرا لإحساس الشباب فيها بثورة عضوية ونفسية.
ويبحث الشباب المغربي بشكل أساسي عن الانتماء الذي يشكل هويته، حيث يصطدم بعادات وقيم لا تتوافق مع نفسيته الثائرة، لذلك يحاول نقدها والخروج منها إلى إطار آخر، لكن عندما لا يجد ما يبتغيه يصاب بحالة من اليأس والملل تؤدي إلى ازدواجية في المعايير. وهنا يبرز السؤال التالي: على عاتق من تقع مسؤولية تنظيم الشباب؟
ويقول الخبراء، نحن أمام مشكلة حقيقية لا بد من محاولة تفهمها من جذورها، فالشاب هو الطرف الأول بما يحمله من طموحات ورغبات، بينما المجتمع هو الطرف الآخر بما يحمله من اضطرابات وتوترات وتعقيدات، وجيل الشباب هو العقل المبدع الذي يسهم في دفع حركة التطور، ونجاح أي مشروع يتوقف على إدراكه للواجب والمسؤولية ومشاركته الاجتماعية.
احتفلت دول العالم في 12 غشت الماضي باليوم العالمي للشباب، وأوصت الجمعية العامة بتنظيم أنشطة إعلامية لدعم هذا اليوم بوصفه وسيلة لتعزيز الوعي ببرنامج العمل العالمي للشباب، ويؤدي دوراً رئيساً في تنمية الشباب، ويركز على تدعيم القدرات الوطنية في ميدان الشباب.
ويولي برنامج العمل الشبابي الأولوية لـ15 بنداً منها: التشغيل، التعليم، الجوع والفقر، الصحة، البيئة، المخدرات، أنشطة شغل الفراغ، العولمة، والإيدز.
والتزمت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بتعزيز المجتمعات السلمية والشاملة، وأكدت أن “التنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها بدون السلام والأمن”. ويسعى الهدف 16 إلى ضمان اتخاذ قرارات مستجيبة وشاملة وتشاركية وتمثيلية على جميع المستويات.
كما يشجع برنامج العمل ليوم الشباب العالمي، والذي يوفر إطاراً للسياسة العامة ومبادئ توجيهية عملية لتحسين حالة الشباب، على “المشاركة النشطة للشباب في صون السلم والأمن”.
وأقيمت عدة ملتقيات في مدن مختلفة بهذه المناسبة، منها الملتقى الدولي للشباب، بمدينة العرائش، شمال المغرب، في الفترة الممتدة من 10 إلى 16 شتنبر الجاري، واستقطبت مجموعة كبيرة من الشباب المهتم بالمشاركة السياسية والمدنية.
وعبرت شيماء أبروق، إحدى الشابات المشاركات في الملتقى، عن طموحها المستقبلي كقائدة سياسية في حزبها، واصفة طموحها بالعادي وغير المستعصي تحقيقه، وهو طموح فئة كبيرة من الشباب، تؤمن بإمكانية الحياة بكرامة في بلدها، لكنها بحاجة إلى سياسات حكومية، تؤمن بإيجابية عطاء الشباب، دون النظر إليه نظرة دونية تنتقص من طموحه وإرادته.
وتطالب أبروق المسؤولين السياسيين أن “يحسنوا الإصغاء لأفكار الشباب ويساعدونه على تحقيق، ولو بعض من تلك الأفكار، على أرض الواقع، لأنها أفكار خلاقة، وهي بمثابة وقود دفع لعربة التنمية في البلاد ومحاربة الفراغ والبطالة وتعاطي المخدرات والخوف من المستقبل”.
وأضافت الشابة المنحدرة من الجنوب المغربي، أنه “لا يمكن تجاهل الشباب أو تجاوزه، لأنه غالبا ما يعيش فترة عمرية تفيض نشاطا وحيوية، لذلك لا بد للجيل الأكبر من استثمارها وتوجيهها الوجهة الإيجابية الهادفة”.