اللواء حسني بن سليمان من حارس مرمى كرة قدم إلى حارس أمن المغرب
بوشاح الحمالة الملكية الكبرى، التي ترمز في ثقافة السيادة الملكية المغربية إلى توفير الحماية والاحترام والتقدير والتوقير لحاملها ما دام حيا. وفي سن يناهز الـ82 عاما، وبعد عطاء قوي وطويل لبلده، غادر الجنرال حسني بن سليمان قائد الدرك الملكي المغربي قاعة العرش، بمناسبة عيد العرش، والمسؤولية إلى أريكة التقاعد المريح، وذلك بعد أن أفنى عمرا طويلا في خدمة بلاده إلى جانب العاهلين المغربيين الراحل الملك الحسن الثاني، والعاهل المغربي الحالي الملك محمد السادس.
فكيف كانت رحلة الرجل الحارس لمرمى كرة القدم ضمن فريق الجيش الملكي، واللواء الحارس للمملكة على رأس أمن الدرك الملكي؟
الحقيقة أن ثمرة عطاء اللواء بن سليمان وجهده كانت في مجال الأمن على رأس الدرك الملكي، الذي هو فرع أمني رفيع من القوات المسلحة الملكية، له قانون جامع ونظام مانع، استفاد منه أكثر حكم الحسن الثاني، نظرا للحيوية التي كان يتمتع بها ذلك الضابط الشاب المسمى حسني، حارس مرمى فريق الجيش الملكي لكرة القدم، الفريق الرياضي الأول في المملكة الذي كان يحظى بالعناية الخاصة للملك الحسن الثاني.
زمن بناء المغرب الجديد
كان الضابط الشاب يبدع في تلقف الكرات التي تحاول استهداف مرماه دون جدوى، نظرا لرشاقته وطول قامته وحسه الاحترازي الموهوب، فلا مراوغة، ولا قذفة تستطيع الوصول إلى شباك الحارس بن سليمان.
ولد الجنرال بن سليمان عام 1935 بمدينة الجديدة، جنوب الدار البيضاء، من عائلة عريقة، إذ كان عمه الفاطمي بن سليمان رئيسا لمجلس العرش في العام 1955. التحق بالجيش المغربي في سنة 1957 عقب تخرجه في مدرسة “سانت سير” العسكرية بفرنسا.
وفي العام 1965 وفي عز فترات بناء وتشييد المغرب الجديد الخارج لتوه من سيطرة الاستعمار الفرنسي، سيعين بن سليمان قائدا لوحدات التدخل السريع. ثم بعد ذلك بعامين، أي عام 1967، سيعين نائبا للمدير العام للأمن الوطني، وسيحظى أكثر بثقة الملك، فيصل إلى مرتبة عامل “محافظ”، ممثلا لصاحب الجلالة بأقاليم طنجة، القنيطرة ومكناس.
لكنه، ونظرا لكشفه مؤامرة الانقلابيين العسكريين بقيادة الجنرال محمد أوفقير، في ما يعرف بحادثي “طائرة الملك” و”انقلاب الصخيرات”، وكلا الحادثين باءا بالفشل، تمت ترقية بن سليمان إلى رتبة قائد للدرك الملكي، وهو المنصب الكبير الذي مكث فيه إلى أن غادره إلى التقاعد.
بن سليمان رياضي إلى درجة الاحتراف، لعب لنادي الجيش الملكي لكرة القدم، وكان حارسه المانع، هذا إلى جانب مهامه العسكرية، حتى أنه فاز مع فريقه بلقب كأس العرش سنة 1959، ولقب الدوري المغربي لكرة القدم القسم الثاني سنة 1959، ولقب كأس السوبر المغربي، ثم صعد معه إلى القسم الأول من الدوري المغربي ليفوز معه بلقب الدوري المغربي لكرة القدم 1960-1961، ثم لقب الكأس الممتازة، ليترك بعدها مهامه كحارس مرمى للنادي، بعد أن يتم ترشيحه للرئاسة الشرفية لناديه العسكري، ونظرا لاهتمامه بالرياضة، سيكلفه العاهل المغربي سنة 1994 برئاسة اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الاتحاد المغربي لكرة القدم.
لقد كان اللواء بن سليمان واحدا من حراس المغرب الأوفياء للعرش الملكي، الذين يعملون في صمت، حيث شكل إلى جانب اللواء الراحل عبدالعزيز بناني، واللواء بوشعيب عروب، والراحل اللواء عبدالحق القادري، المدير السابق لمديرية الدراسات والمستندات، والتي تعني المخابرات العسكرية، والمفتش العام السابق للقوات المسلحة الملكية، الأعمدة الأربعة الأساسية للجيش والأمن في المغرب، وكانوا موضع ثقة العرش.
على هامش لجنة القدس بأغادير
خلال الدورة الثامنة عشرة لاجتماع لجنة القدس في مدينة أغادير، جنوب المغرب، كنا معشر الصحافيين نوجه من طرف موظف بوزارة الاتصال يدعى الإدريسي باحترام البروتوكول الملكي، وكانت قامة الإدريسي الطويلة تسهل عليه عملية تجميعنا في المكان المحدد المخصص للصحافيين.
لكنني، وبحكم علاقتي بأحد المصادر الرسمية القوية التي كانت حاضرة هناك ، تم إفساح الطريق أمامي للوصول إلى قاعة الاستماع ومتابعة أشغال الجلسة الافتتاحية التي يترأسها العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الراحل ياسر عرفات. كان ذلك خلال شهر أغسطس 2000، حيث وجدت اللواء بن سليمان في تلك القاعة المتاخمة للقاعة الكبرى حيث تجتمع لجنة القدس.
كان اللواء في تلك القاعة يتوسط عددا من رجال الأمن الملكي، الذين كانوا يتابعون الجلسة العامة عبر شاشة تلفاز كبيرة، حتى أنني تخيلته ليثا يتوسط أشباله، وكان ضمن الجالسين الوالي محمد الغرابي، كبير المحافظين على جهة سوس ماسة درعة التي تضم مدينة أغادير، إحدى كبريات المدن السياحية المغربية.
مصادر “العرب” تصف اللواء حسني بالرجل الذي يعتبر من أهم الركائز الأمنية والعسكرية في المملكة، لكونه يجسد قوة الدرك الملكي وسلطة الدولة خارج نطاق المدن الكبرى، حيث يتولى الأمن بشكل مباشر على سائر التراب الوطني، ويراقب الطرق وحركة السير، وتحرس دورياته مداخل المدن والقرى
وبجرأة الصحافي المغامر طرقت باب القاعة وأفشيت السلام، فأدركت تأهب اللواء للوقوف ليسألني عن هويتي فبادرته، بعد أن أظهرت شارة حضوري الرسمي لتغطية أشغال اجتماع لجنة القدس، وزدتها تحية مهذبة بانحناءة خفيفة برأسي الذي كان حينذاك محلوقا بطريقة شبه عسكرية، تكتيك جنبني المساءلة، فدعاني اللواء إلى الدنو منه.
كان جلوسي إلى جانب اللواء بن سليمان تشريفا حذرا، بينما كان الأمنيون حوله ينظرون إليّ بشتى النظرات، لأن الصحافي محقق ومدقق، لذا فهو مزعج للمسؤولين، والحقيقة أنني كنت بجوار اللواء كالجالس على مجمر، رغم نجاحي في استمالته بتذكيري إياه بأنني كنت يوما رسام نياشين وشعارات الدرك الملكي، وأنني كنت قبل التحاقي بدراسة الصحافة والإعلام، متخصصا في صيانة سبورة الهرم الإداري بالإدارات الإقليمية للدرك الملكي، وأنني كنت دائما أجدد كتابة اسمه وشعار المملكة “الله . الوطن . الملك”، وأن اسمه في الترتيب كان الأول قبل اسم رئيس القيادة الجهوية الذي غالبا ما يكون برتبة عقيد، وأن القيادات الإقليمية بجهات المملكة كان على رأسها دائما دركيون برتبة رواد، أما المراكز القروية المعروفة بـ”الدركيات”، فغالبا ما يشرف على تسييرها رؤساء برتب مساعد أول، أو مساعد، أو رقيب أول، هذا الأخير الذي يكون إما مسؤولا ظرفيا وإما نائبا مؤقتا. وأنا أحدث اللواء لمحت في عينين بريق رضا، تلاه طلب الشاي والحلوى لي، فأحسست بحرقة بطمأنينة، لكنني لم أحصل من عنده على أي خبر حول الاجتماع أو غيره.
اللواء الصامد في وجه العواصف
ارتبط اسم اللواء بن سليمان في المغرب بالسلطة والرياضة، ورغم أنه شخصية مألوفة لدى المغاربة بحضوره الدائم في المناسبات العامة، بحكم المنصب الأمني الكبير الذي كان يشغله، فإنه لم يسبق له أن أدلى بتصريحات أو حوارات صحافية عن جهاز الدرك الملكي الذي يديره.
بينما كانت له تصريحات شبه نادرة في المجال الرياضي، في كرة القدم وفي ألعاب القوة، هذا رغم انحداره من عائلة سياسية، فخاله لأمه هو عبدالكريم الخطيب، واحد من القادة الذين قاوموا الاستعمار، ومؤسس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، بعد انسحابه من حزب الحركة الشعبية التي ستتحول سنة 1999 إلى حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة الحالية، وأحد مهندسي إدماج الإسلاميين في المنظومة السياسية، بالإضافة إلى قريبه مولاي إسماعيل العلوي، الأمين السابق لحزب التقدم والاشتراكية، الحزب الشيوعي سابقا.
كما كانت تضم إدريس البصري وزير الداخلية القوي في عهد الحسن الثاني، بحكم علاقات المصاهرة التي جمعته مع عائلة حصار النافذة والمتصاهرة أيضا مع عائلة بن سليمان.
وفي العاصمة الرباط ، تصف مصادر اللواء حسني بأنه يعتبر من أهم الركائز الأمنية والعسكرية في المملكة، لكونه يجسد قوة الدرك الملكي وسلطة الدولة خارج نطاق المدن الكبرى، حيث يتولى الأمن بشكل مباشر على سائر التراب الوطني، ويراقب الطرق وحركة السير، وتحرس دورياته مداخل المدن والقرى. ويتمتع رجال الدرك الملكي في المغرب بصفة ضباط الشرطة القضائية، الشيء الذي يجعل منهم امتدادا للنيابة العامة، ويكلفون بمهام التحقيق في الملفات الكبرى والجرائم الشائكة.
تتوفر إدارة الدرك الملكي على مختبرات علمية متطورة، وفوق كل ذلك يشكل الدرك الملكي حزاما أمنيا مسلحا حول الملك، إذ يتولى رجاله حراسة القصور الملكية، وخفر المواكب الملكية، وحراستها برا وجوا وبحرا.
ورغم ما عرفته المملكة المغربية من تقلبات تفاعلية مع العالم الجديد، وما تلا ذلك من إطلاق الملك الراحل الحسن الثاني للمسلسل الديمقراطي في منتصف السبعينات، وإطلاق مسلسل التناوب التوافقي خلال التسعينات، وانتقال الحكم في صيف 1999 إلى الملك محمد السادس بعد وفاة والده، ودخول المغرب عهدا جديدا أساسه وضع خارطة طريق لمفهوم جديد للسلطة، برجالات ووجوه وتوجهات جديدة، إلا أن اللواء بن سليمان ظل صامدا في موقعه الأمني ممسكا بزمام أقوى جهاز أمني في المغرب، بدعم من العاهل المغربي الملك محمد السادس القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان الحرب.