تكريم ماكرون للحرْكيين يثير أزمة جديدة بين فرنسا والجزائر
السبت 2018/09/22
دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة صامتة، في ظل تطورات متسارعة أعادت إلى الواجهة الملفات الخلافية بين البلدين، لا سيما في ما يتعلق بالذاكرة والتاريخ، بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتكريم العشرات من “الحركى”، وهم جزائريون حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي.
ورقّى ماكرون بموجب مرسوم نُشر في الجريدة الرسمية، الجمعة، ستة حركيين سابقين ومؤسسة جمعية لهم إلى درجة جوقة الشرف برتبة فارس، وهي أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية.
وفي الإجمال رُقي 37 شخصا سواء إلى رتبة فارس أو درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط وغالبيتهم يمثلون جمعيات أو هيئات. ويأتي التكريم قبل بضعة أيام على اليوم الوطني للحركيين المصادف في 25 شتنبر.
وتزامن قرار ماكرون بتكريم “الحركى”، المغضوب عليهم جزائريا والموسومين بالخونة، مع تصريحات أدلى بها الدبلوماسي ورجل الاستخبارات الفرنسية السابق بيرنار باجولي، اتهم فيها جيل الثورة وبينهم الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، بشل التعاون بين البلدين، وهي تصريحات تنذر بأزمة دبلوماسية معقدة.
وتوحي مؤشرات الخطاب السياسي في باريس، بأن فرنسا تتوجه إلى نفض يديها من نظام بوتفليقة، وإلى إنهاء حقبة دعم وتزكية باريس للسلطة، التي ترى أنها توظف التاريخ في إثارة المشاعر، وتعمل على تعطيل مسار التعاون المشترك والعلاقات الثنائية، في إشارة إلى تمسك الجزائر الرسمي والشعبي بمطلب الاعتراف والاعتذار عن الحقبة الاستعمارية (1830- 1962)، مقابل أي توجه نحو المستقبل.
وكرست التطورات الأخيرة مقاربة الرئيس الفرنسي في التعاطي مع ملف التاريخ والذاكرة المشتركة، بشكل يدفع السلطات الجزائرية إلى مراجعة حساباتها وترتيب أوراقها، لا سيما بالنسبة لأولئك المراهنين على التزكية الباريسية، لأجندتها المتمحورة حول استمرار بوتفليقة في السلطة، والتجديد له في الاستحقاق الرئاسي القادم.
وإذ استقبلت السلطات الجزائرية والقوى السياسية والتنظيمات الشعبية، قرار ماكرون المتعلق باعتراف باريس باغتيال صديق ثورة التحرير الجزائرية موريس أودان، من طرف الجيش الفرنسي، وبانتهاج نظام عنيف خلال ما تصفه بـ”حرب الجزائر” بالترحيب الحذر، فإن القرار الصادر حول منح أوسمة شرفية لأكثر من ثلاثين “حَرْكيا” (جزائريين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال ثورة التحرير الجزائرية 1954- 1962)، يحمل رسالة سياسية تساوي بين الثوار الجزائريين وبين من يوصفون بـ”الخونة”.
ودخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال الأيام الأخيرة، فصول أزمة دبلوماسية غير معلنة، بعد قرار باريس رفع حمايتها الأمنية على مقار القنصليات والسفارة الجزائرية في فرنسا، وهو ما طبقته الجزائر في اليوم الموالي في إطار التعامل بالمثل، حيث رفعت بدورها الحماية الأمنية عن المصالح الفرنسية فوق ترابها، واكتفت بإبقائها في المركز الثقافي والمدارس التعليمية المملوكة لها.
وعبر ناشطون جزائريون وجمعيات تاريخية، منذ أيام عن “عدم اطمئنانهم لخطوة ماكرون، بالاعتذار لعائلة صديق الثورة، المناضل الفرنسي الشيوعي موريس أودان، والاعتراف باغتياله من طرف الجيش الفرنسي”. وأرجعوا ذلك إلى ما وصفوه بـ”انتقائية” باريس في الاعتراف بجرائمها الاستعمارية، وعدم الاعتذار لجميع ضحاياها من الجزائريين ومن أصدقائهم، لأن الاعتذار فاضل بين الضحايا على أساس العرق والانتماء.
ورغم أن السفير الفرنسي في الجزائر غزافي دريانكور، كشف في وقت سابق عن زيارة ثرية ومهمة مرتقبة لماكرون، للجزائر مطلع العام القادم، في خطوة لإعادة التوازن إلى علاقات البلدين، إلا أن التطورات الأخيرة، تنذر بأزمة دبلوماسية قد تخلط الأوراق بين الطرفين، لا سيما أن تصريح الدبلوماسي ورجل الاستخبارات بيرنار باجولي، لصحيفة “لوفيغارو” الجمعة، وجه اتهامات صريحة لبوتفليقة ومن أسماهم بـ”جيل الشرعية الثورية بتعطيل علاقات البلدين وشل التعاون بينهما”.
وقال باجولي في رد على سؤال بخصوص مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية، بأنها “تطورت بخطوة صغيرة جدا، لسببين، الأول يتعلق بجيل الثورة الذي يحافظ على إضفاء الشرعية على نفسه من خلال استغلال المشاعر تجاه المستعمر السابق، والثاني هو الرئيس بوتفليقة (…) يبقى على قيد الحياة بشكل مصطنع، ولن يتغير شيء في هذه الفترة الانتقالية”.
ويوحي تصريح بيرنار باجولي بأن باريس قد نفضت يديها من نظام بوتفليقة، وتسعى لتبرئة نفسها بما سرب العام 2014 عن “صفقة أبرمت في مستشفى فال دوغراس بين محيط بوتفليقة لما كان يعالج هناك بعد إصابته بجلطة دماغية، وبين السلطات الفرنسية، حول تزكية باريس لولاية رئاسية رابعة له، مقابل ضمان امتيازات كبيرة لفرنسا في الجزائر.
وتتجه إدارة الإليزيه منذ قدوم ماكرون، إلى مراجعة الكثير من الأوراق في علاقاتها مع الجزائر، من خلال تقديم مقاربة جديدة لمعالجة ملف الذاكرة المشتركة والتاريخ، والعلاقات الثنائية في جوانبها المتصلة بالهجرة وتنقل الأشخاص والمصالح المشتركة، فضلا عن التخلص من تركة الرئيس السابق فرانسوا هولاند، مما يوحي برغبة باريس في البحث عن جيل جديد في السلطة الجزائرية ما بعد بوتفليقة.