إقالات قادة العسكر تخفي صراعات على رئاسة الجزائر
الجمعة 2018/09/21
استبعد سياسيون ومحللون جزائريون صحة ما تردده وسائل الإعلام الرسمية من أن الإقالات الواسعة التي شهدتها المؤسسة العسكرية بالبلاد خلال الشهرين الماضيين هي مجرد “حركة اعتيادية” تكرس لمبدأ تداول السلطة وضخ دماء جديدة، وأكدوا في المقابل أنه لا يمكن النظر لها بصورة منفصلة عن انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل، والصراعات داخل أجنحة الحكم.
وشكك سفيان جيلالي، رئيس حزب “جيل جديد” (المعارض)، في صحة ما يتداوله الإعلام الرسمي، وشدد في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) على أن “حجم التغييرات ووتيرتها المتسارعة وتوقيتاتها، وما أعقبها من ملاحقات قضائية لبعض القيادات المقالة، يتعارض بقوة مع هذا الطرح”.
واستبعد جيلالي في الوقت نفسه صحة ما يتردد في بعض دوائر المعارضة ووسائل التواصل الاجتماعي من أن التغييرات استهدفت قيادات وضباطا بالصف الأول للجيش، معروفين بولائهم لمدير المخابرات الجزائرية السابق الفريق محمد مدين (المعروف باسم الجنرال توفيق)، والذي تردد أنه ينوي الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال جيلالي:”كل هذا شائعات … نعم هناك جمعية مغمورة دعت الفريق مدين إلى الترشح ولكن هذا لا يعد دليلا على أي شيء.. فمدين الذي بسط قبضته على جهاز المخابرات لمدة تقترب من ربع قرن لم يتكلم في هذا الشأن بالأساس… بل لم يسمع أحد أي خبر عنه منذ إقالته عام 2015… الجزائر الآن بها سيل من الشائعات والأسماء تُطرح بشكل عشوائي”.
واعتبر أن كل ما يحدث حاليا على الساحة الجزائرية لا يمكن وصفه إلا بأنه “انعكاس للصراع الذي أصبح معلنا بين الزمرة المحيطة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبين المؤسسة العسكرية … فكل من الطرفين يسعى لأن يكون الرئيس القادم منه وأن ينجح في فرضه على الجميع، خاصة وأن الحديث عن عهدة خامسة للرئيس صار مشكوكا به لدرجة كبيرة لحرج وضع الرئيس الصحي … وحتى الآن لا يوجد ما يشير لتفوق أي جهة بهذا الصراع على الأخرى”.
ويتفق المحلل السياسي عبد العالي رزاقي مع عدم استبعاد ارتباط ملف الرئاسيات بالتغييرات الأخيرة بالمؤسسة العسكرية، إلا أنه يشدد على وجود أسباب أخرى تقف وراء هذه التغييرات.
دائرة الرئيس من أقاربه والمقربين منه، تمتعت بنفوذ كبير طيلة فترة حكمه الممتدة لنحو عشرين عاما وتطمح بالاحتفاظ بهذا النفوذ بالمستقبل
وأوضح رزاقي، في تصريح لـ(د.ب.أ) “هناك بعض القادة أتموا سن الستين ومن حقهم طبقا لقانون وزارة الدفاع عام 2012 طلب التقاعد وهو ما حدث… وهناك قادة آخرون تم طردهم من المؤسسة العسكرية لانكشاف تورطهم بقضية الكوكايين الشهيرة حين تم ضبط أكثر من 770 كيلوغرام من المادة المخدرة نهاية مايو الماضي، وهم الآن قيد الاستجواب القضائي… وهناك قادة كانوا تورطوا منذ عام 2004 بقضايا فساد إلا أن المخابرات حينذاك قامت بإخفاء ملفاتهم، ولكن مع إقالة الفريق مدين عام 2015 وإنهاء عمل جهاز المخابرات، ومع المتابعة القانونية والسياسية ظهرت الملفات مرة أخرى وبناء عليه تمت إقالتهم”.
ورجح المحلل السياسي صحة المعلومات التي تداولتها صحف عن اقتحام وتفتيش منازل بعض القيادات المقالة مؤخرا، وربط بين هذا وبين ما تردد عن تسريب بعض القيادات المقالة وثائق سيادية إلى خارج البلاد. وطالب السلطات بضرورة “إتاحة قدر كبير من الشفافية حول أسماء القيادات المقالة، وتحديدا من وُجهت لهم اتهامات بالفساد أو غيرها، مع إتاحة بيان تفصيلي للتهم والجهات التي ستتولى محاكمتهم”.
وتوقع رزاقي اتضاح الصورة فيما يتعلق بترتيب المشهد السياسي، وتحديدا فيما يتعلق باختيار رئيس جديد، خلال الأشهر القليلة القادمة. ورأى أن حديث البعض عن “توافق على عهدة خامسة لبوتفليقة مجرد ذر للرماد للتغطية على الانقسام الراهن بين أجنحة الحكم ورغبة كل طرف منهم في اختطاف مقعد الرئاسة لصالحه”، وانتقد “تغلغل التفكير الجهوي للذهنية السياسية، حيث أصبحت كل جهة بالجزائر تتطلع للدفع بمرشح لخلافة الرئيس”.
ولم يبتعد كريم طابو، البرلماني السابق والأمين السابق لجبهة القوى الاشتراكية عن الآراء السابقة.
وقال طابو لـ(د.ب.أ):”دائرة الرئيس من أقاربه والمقربين منه، تمتعت بنفوذ كبير طيلة فترة حكمه الممتدة لنحو عشرين عاما وتطمح بالاحتفاظ بهذا النفوذ بالمستقبل، سواء عبر وجود بوتفليقة أو وجود خليفة له من بين صفوفها، ربما يكون هو السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس … أما مؤسسة الجيش فترى أنها من جاءت ببوتفليقة بالأساس عبر دعمه عام 1999 . وهذه المؤسسة قد ترضى بوجود الرئيس لعهدة خامسة ولكنها لن ترضى بأن تشاركها أي جهة أخرى بقرار اختيار الرئيس القادم، وذلك في إطار السعي للاحتفاظ لنفسها بدور اختيار الرؤساء منذ استقلال البلاد، دون أن يكون هناك نص دستوري بذلك”.
ورفض طابو، وهو عضو مؤسس لحزب “الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي” ( تحت التأسيس)، ما يتردد من أن الشارع الجزائري لم يعد يتفاعل بما يحدث حوله على الساحة السياسية لانهماكه بأموره الحياتية، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية.
وقال “الشعب يدرك أن الركود السياسي هو سبب استفحال أزماته … وعندما لا يجد هذا الشعب ثمن قوته اليومي ويطالع بالوقت نفسه أخبارا متتالية عن تورط كبار المسؤولين بقضايا فساد بالمليارات، فهذا بلا شك يولد داخله غضبا متصاعدا … ولكن لا أحد يعرف متى سيعبر الشعب عن غضبه، أو ما إذا كان سيعبر عنه أم لا، خاصة وأن مصطلح التغيير عندما طُبق بالجزائر في تسعينات القرن الماضي لم يؤد سوى إلى مأساة حقيقية امتدت لسنوات. كما أن انتكاس أوضاع دول أخرى شهدت تغييرا من خلال ما عرف بالربيع العربي سهلت مهمة السلطة الراهنة في تخويف الناس منه”.
ويرى الناشط الحقوقي والسياسي عمار خبابه أن الحديث عن حجم التغييرات يظل رهينة للتسريبات الإعلامية في ظل غياب أي بيانات رسمية توضح عدد وأسماء المقالين.
وقال خبابه، في تصريح لـ(د.ب.أ) “إذا صحت الأخبار بوجود ملاحقات قضائية لبعض القيادات المقالة، فهذا يعني أن إعصار التغييرات لن يتوقف قريبا”.