داعش والتهديدات المتوالية للمغرب
الجمعة 2018/09/21
رغم اندحار تنظيم داعش في المناطق التي كان يسيطر عليها خلال السنوات الأربع الأخيرة، وتشتت مقاتليه بعد أن جمعتهم عاصمة الخلافة الوهمية، فإنه لا يبدو في الأفق أن هذا التنظيم قد انتهى إلى غير رجعة، بقدر ما يخطط للانتشار في مناطق بشمال وغرب أفريقيا كنوع من التعويض عن الخسائر التي تكبدها، وفي محاولة للحفاظ على معنويات مقاتليه، وإبقائهم تحت عباءة أبي بكر البغدادي.
تقارير استخبارية دولية مختلفة كانت قد أشارت قبل أشهر إلى أن تنظيم داعش سوف يحول وجهته إلى الخاصرة الأضعف، ممثلة في القارة الأفريقية، حيث تنعدم عوامل الاستقرار السياسي، وحيث تتميز الدول بحالة من الهشاشة الاقتصادية والأمنية. وهو ما تأكد عبر مجموعة من العمليات التي جرت في الفترات الأخيرة في عدد من بلدان غرب القارة وفي إقليم الساحل.
بيد أنه بالرغم من العمليات التي ينفذها التنظيم في هذه المناطق فإنه يظل على مسافة بعيدة عن أوروبا، التي بات التنظيم أكثر تركيزا عليها بعد هزيمته في سوريا والعراق كنوع من الانتقام، حسب البيانات الكثيرة التي أصدرها التنظيم وأشرطة الفيديو المصورة التي بثها على شبكة الإنترنت. وبالنظر إلى قرب المغرب من السواحل الأوروبية، وكونه بوابة شمال القارة نحو أوروبا عبر إسبانيا، ما يفتأ التنظيم مرة بعد أخرى يوجه أتباعه إلى ضرب المصالح الغربية في البلاد وتهديد استقرارها، واستقطاب مقاتلين جدد بعد فشل المحاولات العديدة السابقة واعتقال العشرات من الخلايا المتطرفة التي كان عدد كبير منها مواليا له.
العملية الأخيرة التي نفذتها المصالح الأمنية المغربية، وأدت إلى تفكيك خلية إرهابية جديدة تتكون من 12 فردا في مدينتي الدار البيضاء وطنجة، القريبة من السواحل الإسبانية، تعطي مؤشرا واضحا على إصرار التنظيم على تحقيق اختراق أمني في المملكة وهز استقرارها.
ومنذ العام 2014 تحديدا، تاريخ الإعلان عما يسمى الخلافة الإسلامية، ودخول الوضع الأمني في ليبيا طورا متقدما نتيجة الاقتتال الداخلي وإحداث التنظيم لاختراق ملحوظا في خليج سرت، أصبح الإعلان عن تفكيك خلية إرهابية بالمغرب يتكرر بين الفينة والأخرى، بما يكشف حالة التربص التي يمارسها التنظيم تجاه المملكة.
وبقدر ما كانت الخلايا السابقة متشابهة تقريبا، في نوعية الأسلحة المصادرة والأهداف المرسومة والفئات العمرية المكونة لها، والتي تتراوح ما بين 18 و35 سنة، إلا أن الخلية الجديدة تظهر نوعا من الاختلاف والتميز، يدل على اتجاه مختلف في العمل الإرهابي بالمغرب.
هناك ميزتان لهذه الخلية الجديدة، الأولى أن عددا من أفرادها لديهم سوابق إجرامية عادية، أي أنهم لم يكونوا على علاقة بالفكر المتطرف.
في العادة تتجه التنظيمات الإرهابية إلى الاستقطاب من داخل كتلة شبابية لديها ميول دينية، أو تم إخضاعها لغسيل دماغ من أجل اعتناق أفكار دينية متعصبة. والهدف من ذلك هو ضمان الولاء الكلي للفرد تجاه قيادة التنظيم عبر مسلك البيعة التي يسمونها شرعية.
وإذا كانت هذه هي القاعدة إلا أن لها استثناء، وهو الاستقطاب المباشر لفئة معينة من الشباب من ذوي الميول الإجرامية بصرف النظر عن استعداداتها الدينية، وهذه هي واحدة من نقاط الاختلاف الرئيسية بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، أي الجمع بين القاعدة والاستثناء.
لكن الميزة الثانية الأكثر أهمية هي أن بعض أفراد الخلية المفككة سبق أن اعتقلوا في ملفات ترتبط بالإرهاب والتطرف وقضوا أحكاما بالسجن. لم يقل لنا بلاغ السلطات الأمنية المغربية ما إن كان هؤلاء الأفراد قد أنهوا مدد سجنهم، أم تم الإفراج عنهم في إطار عفو ملكي، لكن المفيد أنهم قضوا مدة زمنية في الاعتقال في نفس القضايا.
ولعل هذا أحد الموضوعات الشائكة التي لا تواجه المغرب فحسب، بل تؤرق عددا من البلدان الأوروبية التي أصبحت تدق ناقوس الخطر من تحول السجون إلى محاضن لتفريخ الإرهابيين المستعدين لتقديم أنفسهم قنابل للتنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم داعش. وقبل أشهر قليلة صدر تقرير “المركز الدولي لأبحاث التطرف والعنف السياسي” في بريطانيا كشف عن أن 57 في المئة من الأفراد الذين تورطوا في عمليات إرهابية داخل أوروبا خلال الأعوام الأربعة الأخيرة قد تحولوا إلى التطرف داخل السجون لا خارجها.
ولا يزال يوجد في المغرب عدد كبير من المعتقلين من السلفية الجهادية، الذين اعتقل بعضهم في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء في العام 2003، وأضيف إليهم معتقلون كثر جرى اعتقالهم في الفترة التي أعقبت نشأة تنظيم داعش. وكانت الفئة الأولى تقليديا تبايع تنظيم القاعدة داخل السجون، لكن تحولا طرأ على ميولات هؤلاء بعد عام 2014 بسبب التطورات على الساحة الدولية واحتكاكهم بأتباع البغدادي، ما دفع بعضهم إلى تحويل ولائهم تجاه التنظيم الجديد.