نورالدين عيوش عراب العامية وحرية المعتقد بالمغرب
الأربعاء 19/09/2018
ما نطق بكلام أو شارك في صنع مبادرة، إلا وخلف من وراء ذلك زوبعة من التعليقات والمواقف تكاد تعصف به وبمشاريعه. يقدم نفسه كفاعل جمعوي وهو عضو اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية لكنه لرجل الإشهار أقرب، في السبعين من عمره استطاع هذه الأيام كما السنوات الخوالي أن يخلق “البوز”، حمل سيفه مدافعا دفاع الاسبرطيين عن إدماج العامية في المناهج التعليمية معاندا التيار السائد مستأسدا بموقعه عضوا في المجلس الأعلى للتربية والتعليم.
إنه نورالدين عيوش عراب إدماج اللهجة العامية في المناهج التعليمية والممثل الدائم لأصحاب حرية المعتقد، الذي اعتبر في إحدى خرجاته أن القرآن الكريم أنزل بالعامية مشجعا على إلغاء آياته من مناهج التعليم، ما جعله أمام فوهات مدافع الانتقادات من شخصيات أكاديمية وفكرية وثقافية وحقوقية، وقد أفحمه المفكر المغربي عبدالله العروي في إحدى المناظرات حول الموضوع ذاته.
عدو اللغة الفصحى
دراسته وتخرجه في جامعة السوربون بفرنسا جعلا من عيوش يحاول نقل تجربته إلى مغرب الستينات والسبعينات، فأصدر مجلة نسائية أطلق عليها “كلمة”، التي كانت معرضة دائما للمنع لطبيعة المواضيع التي كانت تثيرها كالحقوق النسائية والأقليات الدينية والحريات الفردية.
وقبل عامين قام بإصدار قاموس لغوي خاص بالدارجة المغربية، قال عنه عيوش إنه ثمرة أربع سنوات من الجهد والعمل، من طرف فريق من الأساتذة. قاموسه هذا أثار أيضا جدلا كبيرا بعدما أكد المهتمون باللسانيات والمثقفون أنه تعسف على لغة التداول اليومي وأساء إلى الذوق العام.
وفي هذه الأيام من شهر سبتمبر تم تداول صور لمقررات مدرسية تحتوي مفردات باللهجة العامية المغربية أحدثت ضجة على المستوى الشعبي والأكاديمي، بينما أكد رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، على أنه لا يمكن أبدا استعمال الدارجة في التعليم، على اعتبار أن اللغتين العربية والأمازيغية، دستوريا، هما اللغتان الرسميتان.
ويبدو أن العامية المغربية التي دافع عيوش عن تصدرها كراسات التلاميذ وإقحامها لمزاحمة اللغة الفصحى في فصول الدرس، ستكون وسيلة لإسقاطه بعدما هبت أحزاب ومنظمات حقوقية وجمعيات وأشخاص عاديون لأجل إزالة مفردات من العامية من بعض الدروس في المستوى الابتدائي، بل البعض ذهب إلى مناشدة الملك إقالة عيوش من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
تكديس المقدس
المعركة التي يقودها عيوش بلا هوادة منذ سنوات ضد بقاء اللغة العربية في مناهج التعليم دعوة انتقدها العروي في مناظرة له مع عراب الدارجة بشأن اعتماد الدارجة المغربية لغة للتدريس معتبرا أن اعتماد هذه الخطوة سيفصل المغاربة عن ثقافتهم العليا ومحيطهم الثقافي العام، وأن العامية المغربية لا تستطيع أن تكون لغة الثقافة الرفيعة ومتقدمة في مستوى اللغات الأجنبية، كما اعتبر العروي أن أزمة التعليم في المغرب ليست مرتبطة باللغة العربية الفصحى أو الدارجة.
عيوش لا يعتبر نفسه متورطا في تشجيعه التدريس بالدارجة المغربية وإلغاء القرآن من مناهج التعليم، يعتبر هذا الأمر جعجعة بدون طحين. وبحكم أن 90 في المئة من المغاربة يتحدثون الدارجة وبالتالي فإلى حدود السادسة من التعليم الابتدائي اقترح تدريس المواد بالدارجة، ودعا إلى الابتعاد عن التركيز على القرآن بالطريقة التقليدية في “المسيد”، “الكُتَّاب”، لأن ذلك راجع إلى كونه مجرد تكديس الآيات في عقول الأطفال دون فرز معناها.
يتحدث عيوش عن المدرسة المغربية، معتبرا إياها فاشلة في تحقيق أهدافها وخاصة أن ترتيبا عالميا صنفها ما قبل الأخيرة، هذه المدرسة التي أنجبت تلاميذ لا يعرفون القراءة والكتابة بسبب اللغة التي يتم بها تلقين الدروس.
عضو اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية نبيل عيوش يرى أن الدارجة تستخدم في المدارس المغربية، سواء في التواصل بين الأساتذة والتلاميذ أو خلال حصص الشرح، وهذا الأمر هو واقع معيش، وأن اللغة العربية ليست مقدسة بل هي لغة استعمال، نحترمها، لكن علينا أن نعرف أنه لكي يتقن المغاربة هذه اللغة عليهم أن يتعلموا بالدارجة، وهو بصدد إخراج كتاب يهم قواعد النحو بالدارجة بعد إصداره قاموس الدارجة، وذهب بعيدا عندما اعتبر القرآن الكريم نزل بالعامية دون أن يوضح بأي عامية كانت تتم قراءته واستظهاره منذ أربعة عشر قرنا.
ولم يكتف عراب الدارجة بإدراجها داخل المقررات التعليمية بل شدد على إعادة النظر في عدد السنوات التي يقضيها التلاميذ المغاربة في أسلاك التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، عبر التقليص منها تفاديا لضياع الوقت، فالتعليم الابتدائي يمكن تقليصه إلى ثلاث سنوات، مع اعتماد نظام للجدول الزمني لا يزيد عن ثلاث ساعات من التدريس يوميا فقط على مدى ستة أيام في الأسبوع وشهر واحد للعطلة السنوية، ومرة أخرى تلاقي دعوته هذه اعتراضات واسعة كون التلاميذ يجدون صعوبات كبيرة في الاستيعاب والتحصيل داخل هذا النظام الزمني المعمول به الآن بالأحرى إذا تم تقليصه.
لكل إنسان طاقة للتحمل خصوصا عندما تكون هناك معارضة شرسة لأفكاره بلغة متشنجة.
انفلت العقال وصاح عيوش “الكلاب تنبح والقافلة تسير”، لتضج المواقع والجرائد المحلية بأن الرجل يصف مخالفيه بالكلاب وتستعر المعركة مرة أخرى فيخرج موضحا “إنني أتحدث عن الناس الذين يسبون. ولا أفهم لم هذا الهجوم اللفظي على شخصي وعلى والدتي فأنا لن أسمح لأي كان بالتهجم على والدتي المتوفاة أو التشكيك في وطنيتي؛ فأنا مغربي، وأعتز بمغربيتي وأحب بلدي”.
بعد وصفه مخالفيه بالكلاب تداول نشطاء عريضة دولية على موقع “أفاز”، تطالب بإقالة عيوش من عضويته بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك بسبب دفاعه المستميت عن “الدارجة” ومحاولته إدخالها في المقررات التعليمية.
إغواء حرية المعتقد
الواقعية تفرض الاعتراف بأن عيوش يؤمن بما يفعله ويدافع عما يؤمن به، وفي المقابل هناك رجع صدى متمثل في فئات من المجتمع لا ترى في مشاريعه المتعلقة بحرية المعتقد والعامية وغيرها من مبادرات الرجل سوى انتهاك صارخ لقيم مجتمع وهوية وتاريخ تليد يحاول هذا الرجل أن يدجنه ويعيد عجنه.
في عام 2012 أكد عيوش رئيس “مجموعة الديمقراطية والحريات” أن إقرار حرية المعتقد في النص الدستوري وتنزيلها ضمن القانون الجنائي، والقانون المدني، ومدونة الأسرة، وكل القوانين التنظيمية، يتطلبان من جبهة الحداثة بالمغرب النزول للشارع والتواصل المباشر مع الشعب.
استمرت معركة حرية المعتقد التي أطلقها عيوش منذ عام 2012 حتى يونيو هذا العام، حينما أراد من خلال جمعيته التي يترأسها “مجموعة الديمقراطية والحريات”، عقد ندوة دولية حول موضوع “الحريات الفردية في ظل دولة الحق والقانون”، بعدما أعلن عن برنامج الندوة التي سيكون ضمن الحاضرين فيها كل من وزير العدل محمد أوجار، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبدالله، خلقت موجة من ردود الأفعال، قبل حلول موعدها، بعد أن انتقدها الإسلاميون.
هناك من قال إن دعوة عيوش سياسية في عمقها وتخدم أجندات موجهة ضد هوية ودين المغاربة واتهم بالإلحاد، لكنه نفى اتهامه بالملحد، فهو يقول إنه مسلم حقيقي، قائلا غالبا ما أصلي بمنزلي ولا أذهب إلى المسجد تفاخرا، وهذه قيمي وأخلاقي، ومن يقول عنه ملحد فهو كذاب، وهذا الأمر لا يعني شيئا عند الداعين إلى حرية المعتقد ولا يلغي مواطنة الشخص.
تيار داخل المجتمع يرى أن مبادرة عيوش خطوة متقدمة لحرية المعتقد، لكن ليس بتحويل المعتقد إلى “اللادين”، أي بنقل الحديث عن حرية المعتقد الديني إلى الحريات الفردية الأخرى مثل الحرية الجنسية وتحويلها الى معتقد يستوجب الدفاع عنه وليست فقط حاجة بيولوجية للممارسين لها، عيوش يقول بجرأة تجمع بين المتناقضات إنه لا بد من قانون لحرية الجسد، والاعتراف بالأقليات الدينية وباللواط، جرأة أغضبت التيار المحافظ في المغرب.
إغواء النجاح وتسجيل النقاط جعلا عيوش، الرئيس المؤسس لمؤسسة زاكورة للتربية والبيئة، يراهن على تيار الحداثة لاستغلال 50 ألف جمعية مدنية موجودة في المغرب، والنزول إلى الأحياء والعالم القروي، وتأكيده استغلال جمعيات القروض الصغرى وزبائنها، لا سيما النساء في سبيل الترويج للمشروع، والمرافعة لضمان إقرار حرية المعتقد، وتنزيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وهذا ما عابه عليه خصومه بأنه لا يختلف عن السياسيين الذين يستغلون حاجة الناس لمكاسب انتخابية.
لم يوضح عيوش تموقعه من التيار الحداثي ذاته الذي اختلف بين مفهومي حرية المعتقد وحرية الضمير، بين من يدعو إلى تأسيس المفهوم على الإسلام بدون شريعة، وآخرين يقترحون إدراجه ضمن الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتيار ثالث يدعو إلى النضال صراحة من أجل إقرار علمانية حقيقية تفصل بين الدين والحياة وتقر بحيادية الدولة.
بلقنة السياسة
طالب عيوش بإقرار حرية الاعتقاد وفصل مجال السياسة عن الدين لكن المخالفين يرون في الرجل فاعلا في مجال الإشهار، لا علاقة له بالتنظير في مجال السياسة ولا يمكنه القفز على التشريع ولا يمتلك أدوات تنزيل مشروعه وفق الآليات الديمقراطية المتعارف عليها دوليا.
أما الرد الرسمي حول مسألة حرية المعتقد، فقد نبه إليه مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أنه يجب التمييز بين حرية المعتقد على المستوى الفردي وحرية المعتقد في الفضاء العام. موضحا أن مقاربة حرية المعتقد على مستوى الفضاء العام تستوجب خلق نقاش عام حولها للوصول إلى صيغ تستجيب للمقومات التي أجمع عليها المغاربة، أي أن هناك خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها في هذا الموضوع.
وأعطى الخلفي نموذجا بحملات التنصير، حيث عمد المبشرون الذين تم إيقافهم مثلا سنة 2010 إلى فرض دين معين على الناس.
وحتى يلمع صورة مبادرته بما يخدم مصالحه، فقد كال عيوش الانتقادات للأحزاب التي لم تعد موضع ثقة من قبل الجميع بسبب البلقنة التي تم انتهاجها بشكل قبيح، حيث أنها خلقت لبسا لدى الناس، ولم يعد المواطن قادرا على اختيار من سيصوت له، فما يقارب ثلاثين حزبا قدموا برامجهم، ولم يحصلوا على ثقة المواطن الذي فقد الثقة في اليمين واليسار معا، ولهذا أسسنا جمعية “2007 دابا” التي لعبت دورا مهما، لأنها نظمت ندوات على امتداد التراب الوطني، كما استقدمنا منتخبين وبرلمانيين وإعلاميين وطنيين ودوليين.
في عام 2007 كانت لعيوش صولات وجولات في أنحاء المغرب لإقناع الناس بالتصويت والمصالحة مع السياسة، جاب القرى والمدن داعيا الناس إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع، والسياسة بوصفها مجاراة للواقع والتأثير في مجرياته ولا تتحمل الفراغ تم الاعتماد على خبرته في الإشهار والمجال الجمعوي ليطلق مشروع “2007 دابا” لتحفيز الشباب والنساء على الانخراط في الانتخابات آنذاك لكنه فشل في تسويق الفكرة وكان إقبال الناس ضعيفا ومن ثم ماتت الجمعية سريريا ودخل في حالة من الكآبة، رغم الاعتمادات المالية المهمة التي رصدت للمشروع.
أخيراً، يتساءل البعض عن السياق العام والخاص الذي يتحكم في أجندة عيوش، ومن يدعمه؟ ومن جعله يفتح معركتي حرية المعتقد والدفاع عن العامية في المناهج الدراسية في وقت واحد؟ خصوصا وأن المغرب حسب هؤلاء، لديه من التحديات الكثير يتوجب على الكل المساهمة في مواجهتها ولا يمكن الانحراف عن الأولويات الحقيقية من تحقيق التنمية والحكامة وإصلاح الإدارة والتعليم والصحة ومحاربة الفساد ومعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.