قانون تجريم التحرش هل يحمي المرأة المغربية من الاعتداءات الذكورية
الأحد 2018/09/16
دخل ولأول مرة بعد سنوات طويلة من النضالات من طرف الحركات النسائية ومنظمات المجتمع المدني، والمناقشات داخل الهيئات المختصة بالتشريع، قانون يجرم العنف والتحرش ضد النساء في المغرب حيز التنفيذ.
وجاء هذا القانون الذي استند إلى ما تضمنته بعض فصول الدستور التي تنص على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها من كل أشكال التمييز ضدها، أخيرا ليدفع بالمغرب إلى الانضمام إلى مجموعة من الدول العربية كانت أقرت منذ العام الماضي عددا من التشريعات التي تجرّم التحرش والاغتصاب وغيرهما من أشكال العنف ضد المرأة.
القانون الجديد
اعتبر حقوقيون أن دخول القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف والتحرش ضد النساء حيز التنفيذ، سيساهم بشكل لافت في توفير الحماية الجنائية للمرأة، مشددين على أن المقاربة الجزرية تحتاج كذلك إلى مقاربة شمولية تشمل التربية على حماية المرأة كورشة مجتمعية كبيرة يسهم الجميع في تطويرها.
ووصفت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن المغربية، القانون الجديد بالثوري، معتبرة أنه بعد قانون الأسرة، الذي اعتمده المغرب سنة 2004، يمكن القول إننا أمام قانون ثان ينصف المرأة ويحميها من العنف الذي يطالها، وترجمة لمقتضيات الدستور، الذي يمنع التمييز ويمأسس مكافحته ومحاربته، وينص على المساواة والمناصفة وحفظ سلامة الجسد وتأمين الحقوق.
وأكدت الحقاوي أن القانون معياري خاص في مجمله بمحاربة العنف ضد النساء ويحمل في طياته التحديد المفاهيمي، والمقتضيات الزجرية، والتدابير الوقائية، والمبادرات الحمائية، ومنظومة تكفلية بمضامين تكرس البعد والنوع الاجتماعي عند التأكيد على وضعية ممارسة العنف على المرأة بسبب جنسها، بل وتشديد العقوبة في هذه الحالة.
وجاء تجريم بعض الأفعال، بحسب وزيرة الأسرة، باعتبارها صورا من صور التحرش الجنسي، وتشديد العقوبات إذا ارتكب التحرش في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كزميل في العمل، أو شخص مكلف بحفظ النظام، أو أحد الأصول أو المحارم.
وينص القانون الذي صادق عليه البرلمان المغربي بغرفتيه على تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة كالإكراه على الزواج، والتحايل على مقتضيات الأسرة المتعلقة بالنفقة والسكن وغيرها.
واعتبر المحامي خالد افتحي، أن القانون الجديد المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء يشكل خطوة إيجابية في اتجاه الحد من العنف المبني على النوع والذي يشكل التحرش الجنسي واحدة من صوره. ويتوافق إلى حد كبير مع انتظارات الحركة النسائية والحقوقية والجمعوية ذات الاهتمام بقضايا المرأة.
وأكد افتحي أنه للحد من العنف ضد النساء اعتمد القانون على آليتي العقاب والتجريم ووسع من مجالات التجريم بعدما كان مقتصرا على فضاء العمل في القانون الجنائي الذي يشترط قيام علاقة التبعية بين المتحرش والضحية، حيث أن الفضاء العام ظل خارج نطاق التجريم إلا أن القانون الحالي وسع من نطاقه ليشمل الفضاء العمومي أو غيره من الأماكن.
ومن بين العقوبات التي جاءت بالقانون في حق المتحرشين جنسيا، عقوبة السجن من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة مالية، أو إحدى العقوبتين، لكل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها من الأماكن بأقوال أو إشارات أو أفعال لها دلالات جنسية أو لأغراض جنسية، أو عن طريق وسائل مكتوبة، أو إلكترونية، أو هاتفية، أو تسجيلات، أو صور، ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.
ويأتي القانون لسد ثغرة كبيرة كانت موجودة في المنظومة التشريعية المغربية، لأن القضاء كما يرى عبداللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، في حديث له كان يقف أحيانا على حالات تشكل صورا لأشكال العنف الممارس ضد المرأة إلا أن القانون السابق لم يكن يجرمها، من قبيل حالات الطرد من بيت الزوجية والامتناع عن إرجاع الزوجات المطرودات إلى بيت الزوجية رغم تدخل النيابة العامة، والإكراه على الزواج، وعدة حالات أخرى، اليوم أصبح القانون الحالي يجرم هذه الأفعال.
وأوضحت عزيزة البقالي القاسمي، رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن القانون حاول الإحاطة بكل جوانب العنف ضد النساء، ومنح مكانة مهمة للنساء في وضعيات خاصة، كالمرأة الحامل والقاصر والمعنفة من طرف الزوج أو رب العمل أو أي ذي سلطة عليها.
ولفتت القاسمي إلى أن الحماية الجنائية للمرأة في إطار العلاقة الزوجية، تجرم هدر الواجبات الزوجية وتبديد أموال الأسرة، مع حذف الإعفاء من العقوبة في العلاقة الزوجية وخيانة الأمانة بين الزوجين.
وقالت إن الحكومة أرست قانونين مهمين في هذا المجال، يتعلق الأول بمناهضة الاتجار بالبشر، والثاني بمحاربة العنف ضد النساء الذي عمر طويلا في إطار النقاش العمومي وخرج بصعوبة السنة الماضية، قبل أن يدخل حيز التنفيذ اليوم، مشددة على أن مواكبة تطبيق هذا القانون تحتاج إلى فهم الترسانة القانونية واستيعابها. واعتبرت أن محاربة العنف ضد النساء والتحرش الجنسي تتطلب تعبئة شاملة، بالنظر إلى أن الجوانب القانونية تشكل جزءا من الحماية وليس كل الحماية، مشيرة إلى أن هناك أشكالا مرعبة من العنف المرئي وغير المرئي ضد النساء، وخاصة بحق القاصرات اللواتي أصبحن طعما ”لكل من يريد اللعب بشرفهن”.
وترى الناشطة الحقوقية أن دور المجتمع المدني هو مواكبة ومتابعة الظاهرة لإعطاء الحماية المجتمعية للنساء، بالموازاة مع الحماية الجنائية التي تقوم بها الجهات التنفيذية عبر السهر على تطبيق القانون الجديد، وتوفير كل الإمكانيات لتحقيق ذلك.
إثبات فعل الاعتداء
بعد أن دخل قانون العنف ضد المرأة حيز التنفيذ تطرح إشكالية إثبات فعل التحرش وهل يمكن أن يكون القانون سيفا انتقاميا في يد بعض النسوة ضد الرجال، ويحاول رجال القانون رصد مختلف الثغرات التي تتضمنها بنود القانون لمعرفة السبيل إلى معالجتها.
وبحسب افتحي، فإن المشكلة لا تكمن في التجريم والعقاب وإنما في كيفية إثبات الفعل، الأمر الذي يفرض تدخلا تشريعيا على مستوى قانون الشكل الذي هو قانون المسطرة الجنائية من خلال إقرار وسائل إثبات استثنائية تختلف عن تلك المقررة فيه، نظرا لخصوصية هذا العنف ولصعوبة إثباته حتى يواكب هذه الطفرة التشريعية النوعية التي عرفها قانون الموضوع.
والقانون اعتمد مفهوما واسعا للتحرش، وفق افتحي، وذلك من خلال تحديد مجموعة من الأفعال التي تشكل الركن المادي له، هذا التوسع يعطي سلطة واسعة للقاضي في تفسير النص القانوني، الأمر الذي قد يتعارض مع قاعدة التفسير الضيق للقانون الجنائي وبالتالي المس بمبدأ الشرعية: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، كما أعطى للقاضي الحرية في تقدير العقوبة بين حديها الأقصى والأدنى.
وأشارت البرلمانية بثينة قروري في تصريح صحافي إلى أن من بعض جوانب القصور في نص القانون ضعف بنيات الاستقبال للتكفل بالنساء ضحايا العنف، وضعف التمويل المرصود في هذا المجال، بالإضافة إلى إشكالات مرتبطة بمساطر متابعة المعنفين كمسألة الإثبات وشهادة الشهود، لا سيما وأن نسبة كبيرة من العنف الممارس ضد النساء، الأسري منه بالخصوص تتم في إطار خاص.
وعبرت عاطفة تمجردين، عضو تحالف ربيع الكرامة، عن استياء الجمعيات النسائية من الصيغة الثانية للقانون التي جاءت، برأيها، “أضعف من التي سبقتها وفي غياب مقاربة تشاركية”، مشيرة إلى أن ذلك “يعكس تراجعا آخر، وخرقا للنص الدستوري، الأمر الذي لن يتأتى معه القضاء على العنف الذي يطال أزيد من ثلثي المواطنات المغربيات”.
وأضافت أن القانون 13-103 بصيغته الحالية لن يحقق إنصاف المرأة المنشود لأسباب متعددة، منها التراجع عن الإطار المفاهيمي لأشكال العنف الوارد بالصيغة الأولى، على علاته، والإبقاء على تعريف عام وجدّ مقتضب للعنف، سيفضي، برأيها، إلى الإفلات من العقاب بشأن أفعال العنف التي لا يشملها التعريف. بالإضافة إلى التراجع عن تجريم العديد من أفعال العنف (السرقة والنصب وخيانة الأمانة بين الأزواج نموذجا)، وعدم تجريم جميع أشكاله وأفعاله، لا سيما الاغتصاب الزوجي.
كما سلطت الضوء على “ثغرات أخرى” تمثلت، برأيها، بالأساس في تغييب الإجراءات الضرورية والمنسجمة مع خصوصية جرائم العنف، والكفيلة بتوفير سبل الانتصاف للنساء الضحايا وولوجهن إلى آليات العدالة، وتحقيق النجاعة في المساطر وضمان المرونة في الإثبات، فضلا عن إقصاء الجمعيات النسائية من حقها في المطالبة بالحق المدني في قضايا العنف المعروضة على القضاء.
ويشترط القانون لقيام جريمة التحرش الجنسي سواء كانت عن طريق رسائل أو تسجيلات أو صور أو عن طريق الأفعال أو الأقوال أو الإشارات، أن تكون ذات طبيعة جنسية أو تنطوي على تلميح إلى الرغبة في الوصول إلى غرض جنسي، وهو حسب زكرياء العماري أستاذ القانون الخاص بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ما يؤدي إلى بقاء مجموعة من التعابير التي درج المتحرشون على استعمالها والتي لا تنطوي على أي صبغة جنسية ولا تخل بالحياء والأخلاق خارج دائرة التجريم.
وأضاف العماري أن القانون يشترط علاوة على ذلك لقيام الجريمة تكرار الوسيلة المستعملة في التحرش، وهو ما يستفاد من استعمال المشرع للفظ الإمعان في المضايقة، وهو ما يفيد بأن الأفعال التي يتحقق بها التحرش الجنسي لا تتم معاقبة صاحبها إلا إذا كررها عدة مرات إذاك يتحقق لفظ الإمعان في المضايقة، وبالتالي يظهر أن القانون وإن كان سيسد نقصا كان يعرفه القانون المغربي فإنه يظل غير كاف.
وتابع أن القانون الجديد المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء يكون قد سد النقص الحاصل في القانون المغربي في هذا الباب بحكم تجريمه لمجموعة من المضايقات ذات الطبيعة الجنسية التي تحدث في الفضاء العام أو في الفضاء الإلكتروني وتعتبر المرأة هي المستفيدة الأولى من هذا القانون باعتبار التحرش في الغالب يقع من الرجل تجاه المرأة.
وأكد أن ظاهرة التحرش لا ينبغي الاقتصار في مقاربتها على المقاربة الزجرية، وإنما ينبغي مقاربتها من زوايا متعددة أهمها التربية على احترام المرأة التي هي الأم والأخت والبنت. وأفاد في ما يتعلق بتأخر المغرب في تجريم التحرش الجنسي بأنه إذا كان المشرع المغربي قد قام منذ سنة 2004 بإدخال جريمة التحرش الجنسي إلى منظومة القانون الجنائي بموجب القانون رقم 24.03 فإن ذلك لم يكن بالفعالية اللازمة وظل قاصرا على بعض السلوكيات التي يمارسها رب العمل أو من له سلطة على شخص آخر لإكراهه على أفعال ذات طبيعة جنسية، بينما ظلت مجموعة من التصرفات التي تقع في الفضاء العام أو في المواقع الإلكترونية غير خاضعة للعقاب.
فضاء التحرش
تحتاج مسألة إثبات ارتكاب العنف ضد النساء بالمغرب ومن بين ذلك فعل التحرش إلى قرائن تستند عليها هيئة المحكمة من قبل شهود أو صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية خاصة بالفضاءات العمومية، وهنا ينص القانون على أفعال المضايقات في الفضاءات العمومية بالإشارات والأقوال، إضافة إلى الرسائل والتسجيلات والصور كنوع أو كأداة للتحرش.
كما يواجه القانون إشكالية استغلاله من طرف نسوة لتصفية حسابات أو تقديم شكايات كيدية في حق الرجال، ومن الصعوبات التي قد تعترض طريق تطبيق هذا القانون وفقا لافتحي، مفهوم الفضاء العمومي وعبارة غيره من الأماكن، فما هو الفضاء العمومي وماذا يقصد بغيره من الأماكن وهل التحرش عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي من فيسبوك وواتساب وتويتر وغيرها تدخل في مفهوم الفضاء العام ومفهوم غيره من الأماكن أم لا، الأمر الذي يفرض على القضاء أن يجتهد بشكل إيجابي لتطبيق القانون بشكل عادل ومنصف.
ومن بين الثغرات أيضا أن القانون جاء بصيغة الإمعان في مضايقة الغير أي اشتراط تكرار الفعل عدة مرات، وهو ما يعني أن التحرش لمرة واحدة لا يدخل في نطاق العقاب، والأكيد أن هذا القانون بحسب العماري، سيحد ويخفف من ظاهرة التحرش على الأقل في الفضاء الافتراضي، ومع ذلك لا ينبغي المراهنة كثيرا على هذا القانون في وضع حد لظاهرة التحرش الجنسي على اعتبار أن القانون يسعى إلى التضييق من نطاقه وليس القضاء عليه بصفة نهائية.
ويبقى التحرش الإلكتروني الذي يتم عن طريق استعمال الرسائل المكتوبة أو الهاتفية أو الإلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية سهل الإثبات، مقارنة بالفضاء العام.
قال العماري إن التحرش في الفضاء العام ستكون مشكلته الكبرى في إثباته على اعتبار أنه لا يكفي مجرد ادعاء المرأة وقوع فعل التحرش حتى تصدق في ذلك، وإنما لا بد من إتيان وسائل إثبات مقبولة قانونا وفق ما هو منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية.
ومع هذا القانون الجديد نحن أمام آليات جديدة وغير مألوفة في المنظومة الجنائية المغربية تقتضي التعامل معها بعقليات جديدة، وهنا يؤكد الشنتوف لضرورة التركيز على التحسيس بمستجدات القانون الجديدة سواء بالنسبة للمواطنين أو بالنسبة للسلطات المكلفة بإنفاذ القانون، فضلا عن ضرورة توفير الموارد المالية والبشرية الكفيلة بتنزيل القانون الجديد.
وأوضح أنه إذا كانت المقتضيات الزجرية قابلة للتنزيل الفوري، فإن الآليات المتعلقة بالحماية تحتاج إلى موارد مالية كافية وضرورية، ولعل القضاة المكلفين بمهام الخلية يتساءلون عن مراكز الإيواء للضحايا ومراكز علاج المتهمين التي تحدث عنها القانون هل تم تنزيلها على أرض الواقع خاصة وأن الفترة الانتقالية لدخول القانون الجديد حيز التطبيق اعتبرها كافية؟
وأضاف الشنتوف أن الإضافة النوعية للقانون ورغم كل المؤاخذات التي سجلتها منظمات حقوقية عليه، تكمن في أنه لم يقتصر على الجانب الزجري وإنما تضمن لأول مرة جوانب حمائية، حيث أدخل إلى منظومة القانون الجنائي في شقيه الموضوعي والإجرائي آليات حماية يمكن للقضاء أن يأمر بإعمالها.