قضية بوشتى الشارف تضع ثقة الدولة المغربية بالسلفيين على المحك
الاثنين 2018/09/17
أثارت قضية السلفي بوشتى الشارف الرأي العام عندما أكد بعد الإفراج عنه مؤخرا، وبصريح العبارة، أنه كذب عندما ادعى إثر ظهوره بمقاطع فيديو مصورة من داخل السجن في العام 2011 تعرضه للتعذيب والاغتصاب، وطالب الشارف حينذاك المنظمات الدولية بالتدخل، وبإجراء الفحص الطبي والنفسي على الشباب المعتقلين، في إشارة منه إلى تعرضهم إلى التعذيب.
وقضى الشارف 8 سنوات سجنا منذ العام 2011 بتهمة تجنيد مقاتلين لفائدة جبهة النصرة في سوريا التي اعتقل فيها سنة 2009 وسلم للمغرب بعد 5 أشهر، وقال في تصريحات صحافية “لقد أخطأت في حق الشعب المغربي، وفي حق ذاتي وفي حق السلطات المغربية وفي حق جلالة الملك”، مضيفا “إنني كنت مشحونا وكذبت واستغللت مرض البواسير الذي كنت أعاني منه”، مسجلا أن رفضه الفحص الطبي جاء خوفا من أن تنكشف حقيقته.
وأكد محمد عبدالوهاب رفيقي، الداعية المغربي ورئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، أن تصريح بوشتى الشارف هو نوع من الاعتذار الذي كان لابد أن يقدمه، خاصة وأن الرجل كان كاذبا فعلا في كل ما صرح به سابقا، وأشار رفيقي “لقد كنت على معرفة بأمره منذ إطلاق تصريحاته الأولى في العام 2011 من خلال المقربين منه مع رفضه الخضوع للفحص الطبي، فكان واضحا أن الرجل كان يبالغ ويكذب وقد حرضه زملاؤه على ذلك لإحراج الدولة”. ويضيف رفيقي أن الشارف مدعو اليوم إلى الاعتذار عن أكاذيبه بعد أن صور نفسه كضحية ورُفعت صوره في المظاهرات تزويرا وتضليلا.
معتقلو “التيار السلفي الجهادي” الذين استفادوا من العفو الملكي خضعوا لبرنامج “مصالحة” الذي يهدف إلى إعادة إدماج هؤلاء السجناء ومصالحتهم مع المجتمع
هناك من ربط بين إطلاق سراح الشارف، وتصريحاته بخصوص ادعاءاته، مع العفو الملكي الذي ناله 22 من السلفيين بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في أغسطس الماضي، وأيضا لاستفادته من برنامج “مصالحة” الذي أطلقته الدولة لأجل مراجعة السلفيين لأطروحاتهم المتطرفة وإتمام دمجهم داخل المجتمع، وهذا ما لا يتفق معه محمد بن عبدالوهاب رفيقي، كون مسألة الشارف تختلف عن موضوع العفو عن السلفيين بحكم أنه لم يخضع لبرنامج “مصالحة” ولم يكن خروجه بعفو ملكي وإنما بعد قضاء مدة محكوميته.
ويرتكز برنامج “مصالحة” لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية المدانين في إطار قضايا التطرف والإرهاب على المصالحة مع الذات، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع، كما يستمد فلسفته من التوجيهات الملكية الداعية إلى تعزيز قيم المواطنة والتسامح والاعتدال، وإذكاء الإحساس بالمسؤولية المواطنة.
كما تم تنفيذ البرنامج في محاوره الثلاثة وفق عدة أبعاد تعلقت بالبعد المتعلق بالتأهيل الديني وما يتصل به على مستوى فهم واستيعاب النص الديني بالشكل الصحيح والمكرس لقيم التسامح والاعتدال، والبعد الحقوقي والقانوني، حيث تم تأهيل السجناء على مستوى فهم واستيعاب وقبول الإطار القانوني، والبعد الخاص بالـتأهيل والمصاحبة النفسيين، إلى جانب البعد المتعلق بالتأهيل السيوسيو-اقتصادي.
أما قضية بوشتى الشارف، كما يؤكد محمد رفيقي، فلا تندرج في برنامج “مصالحة” ولا كان ضمن المشاركين فيه، ولم يكن يمكن إشراكه فيه نظرا لأن الجهات المسؤولة كانت تعلم أنه كان كاذبا في كل تلك الادعاءات وبالتالي فبرنامج مصالحة خضع له عدد آخر من المعتقلين بلغ عددهم خمسين شخصا وأفرج عن سبعة عشر منهم، ولا نزال في انتظار الإفراج عن الباقين الذين أبدوا استعدادهم للطلاق بينهم وبين ما كانوا يحملونه من أفكار متطرفة.
ويقول باحثون في الجماعات الإسلامية إن تأثير الشارف آنذاك على عدد من المتشبثين بالأطروحة المتطرفة ودعاة حقوق الإنسان وبالتالي كذبه يطرح مسألة اللعب على الحبال من قبل بعض السلفيين، وبالتالي هل يمكن الحديث عما يمثله هؤلاء من تأثير سلبي داخل السجون خصوصا على من له استعداد لمراجعة آرائه، بمعنى المسألة المرتبطة بجمع كل من له فكر متطرف داخل حيز مكاني واحد وما يمكن أن يخلق من تشويش على برنامج المصالحة، إذ يقول البعض إنه سيكون للبرنامج تأثير أكبر عندما يتم فصل بعض المتشددين عمن له استعداد للمراجعة.
ويذهب محمد رفيقي إلى أن هذه المسألة تؤثر على ملفات الآخرين وستفقد هذه الملفات الكثير من المصداقية، والكثير من الناس الذين كانوا يدافعون بكل شراسة عن هذه الملفات قد يتراجعون عن هذا الأمر، وتأسف كون هذا الأمر حاصلا وواقعا، لكن لا بد من توعية هؤلاء والرأي العام عموما بأن هذه الحالة ليست عامة وأن هناك ملفات حقيقية تستدعي الدفاع وهناك أيضا مراجعات حقيقية تحدث في صفوف معتقلي السلفية ولا يمكن تعميم مثل هذه الحالة على الجميع.
وبخصوص معتقلي “السلفية الجهادية” الذين حوكموا بعقوبات سجنية مختلفة، تتراوح بين السنة الواحدة والمؤبد، فقد استفاد 22 سلفيا من عفو ملكي بمناسبة ذكرى “ثورة الملك والشعب” لهذا العام، وثمنت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين هذه الخطوة الإيجابية، ودعت الجهات المعنية إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة في هذا الملف الذي يزيد عمره عن 15 عاما.
وتم العفو على معتقلي السلفية في دفعات خلال السنوات الأخيرة منهم مشايخ التيار، وعلى رأسهم محمد الفزازي وحسن الكتاني ومحمد رفيقي المعروف بـ”أبوحفص”، حيث خضع معتقلو “التيار السلفي الجهادي” الذين استفادوا من العفو الملكي لبرنامج “مصالحة” الذي يهدف إلى إعادة إدماج هؤلاء السجناء ومصالحتهم مع المجتمع، والمنجز بشراكة بين إدارة السجون وإعادة الإدماج، ووزارات الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعدل والأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والرابطة المحمدية للعلماء، ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.
وهناك من يرى أن العفو الأخير الذي أصدره الملك محمد السادس على سلفيين يمكن أن يساهم في إنهاء ملف المعتقلين بصفة تامة، ولذلك يشير محمد رفيقي إلى أن العفو الملكي خطوة في اتجاه غلق هذا الملف وإنهاء حالات المظلومية التي تشوبه.
وتضمن الملف ما بات يعرف إعلاميا في المغرب بمجموعة 86، وهناك عدد من الذين استفادوا من العفو الملكي كانوا محكومين بعقوبات تصل إلى السجن المؤبد، غير أنهم أبدوا استعدادهم للاندماج داخل المجتمع.
ويوجد معتقلون سلفيون تورطوا في مخططات إرهابية ويحملون أفكارا متطرفة، وآخرون يرفضون المراجعات الفكرية والعقدية بخصوص عدد من القضايا، إذ يعتقدون أنهم أبرياء وليس لديهم ما يتراجعون عنه.