المسخ اللغوي
Sep 15, 2018
الملاحظ في ما يخص الكتب المدرسية لبعض المستويات الأولية (التعليم الابتدائي)، في المغرب، خلال هذا الموسم الدراسي 2018- 2019، هو انحراف اللغة العربية عن مجراها الأصلي بشكل غير مفهوم أو مبرر حتى، بحيث تم إقحام مجموعة من الكلمات والتعابير العامية « كبغرير، وغريبة، وبريوات، وكعب غزال …» الشيء الذي أصبح يهدد العملية التعليمية التعلمية برمتها، ومن خلالها المشروع التعليمي والثقافي الوطني الذي ناضل من أجله المغاربة منذ سنين طويلة. وفي هذا المنعطف/المنزلق الخطير يحق لنا كمغاربة، لغتهم الرسمية ـ دستوريا – هي اللغة العربية، أن نتساءل: ما الهدف من هذا العناد، بتطبيق مشروع قديم لم يحصل حوله إجماع وطني، والذي قد يلقي بنا في غربة الغراب، الذي لم يفلح في تقليد الحمامة، وحينما أراد العودة إلى طبيعته، كان قد نسي طبعه وأصله؟2
هل بمقدور الأستاذ، الذي لم نهيئه نفسيا لهذا الأمر، أن يستوعب الصدمة وأن يكون في مستوى هذا الرهان، خصوصا وهو في فم المدفع، أي في فصل قد يصبح شبيها بسيرك ماسخ؟ ألا نكون بذلك قد أجهزنا على ما تبقى من شخصية الأستاذ وهيبته كمرب؟ ألا يطرح تعدد اللهجات في المغرب مشكلا في فهم هذه الكلمات بشكل صحيح؟ لماذا يقتصر التطاول فقط على اللغة العربية، دون سواها من اللغات المدرسة كالفرنسية مثلا؟ ما مصير التلاميذ في ظل هذه العشوائية والبلقنة اللغوية؟
ليس من شك في أن ما وقع في الكتب المدرسية، بتعليمنا الأولي ـ الأساسي هو محاولة مكشوفة لتمرير مشروع التدريس بالدارجة، الذي أثار جدلا كبيرا بين رافض ومؤيد، والذي لم يحسم إلى يومنا هذا. والحق نقول إنه واهمٌ من يزعم أو يظن حتى، بأن التدريس بالدارجة، في المغرب، هو المدخل الحقيقي لإصلاح المنظومة التعليمية التي آلت إلى ما آلت إليه، وإن كنا نشك في أن السبب وراء هذا المخطط هو إنقاذ تعليمنا. لقد أصبحت النوايا مكشوفة للقريب والبعيد، والمتمثلة في إضعاف اللغة العربية لصالح اللغة الفرنسية، بنية مبيتة، بما يخدم ويقوي فكرة التبعية التي مهد لها المستشرق كولان في وقت سابق، قبل اليوم.
أما على مستوى التأثيرات المباشرة والآنية لهذا المخطط، فإننا نقول بأن القسم داخل المدرسة سيتحول إلى ساحة للفرجة والسخرية والتهكم بفعل ما قد ينجم عن ذلك من سيناريوهات دارجة لا يفصل بينها وبين مثيلاتها في الشارع سوى أسوار المدرسة. تصوروا معي مشهد التلاميذ وهم يرددون: غريبة.. بغرير..غريبة..غ.. وكيف سيكون موقف الأستاذ الذي لن يستطيع إيقاف ضحك وقهقهة التلاميذ، ما دام واقع الحال لا يسمح بذلك؟
صحيح جدا أننا كنا وما نزال مع الطرح الذي يقول بأن لغة المنظومة التربوية ينبغي لها أن تكون بصيغة الجمع لا المفرد، بما هي ـ الأولى ـ صيغة تعبر عن التعدد اللغوي والثقافي والقيمي الذي يعيشه المغرب، لكن بشكل معقول وعلمي ومتفق عليه. أما أن نعمل على تهجين اللغة العربية ومسخها في المدرسة بداعي التخفيف من صعوباتها، وكذا فتحها على مكون لغوي مغربي آخر، أو على محيطها السوسيو ثقافي، فأمرٌ مكشوف لأنه ليس سوى حق أريد به باطل. كان بالإمكان، مثلا، أن يخصص أصحاب هذه المبادرة مادة مستقلة، خاصة بالدارجة المغربية، بكتاب مستقل، وأستاذ متخصص، ومفتش للمادة كما هو الحال بالنسبة للأمازيغية، أيضا وعطفا على ذلك، كان بالإمكان اعتماد لغة عربية مبسطة في التدريس على غرار ما دعا إليه المفكر المغربي عبد الله العروي، إن كانت النوايا حسنة فعلا.
والحاصل أن هذه البلقنة اللغوية التي آلت إليها لغتنا العربية في بعض كتبنا المدرسية، خلال هذا الموسم الدراسي، لا يمكنها إلا أن تنتج لنا جيلا مشوها، جيلا ليس بمقدوره أن يحدد أو يقرر مصيره بيده. إنه جيل، كما قال عبد الله العروي دائما، وفق هذا المخطط، خُلق لكي يكون مصيرُه المعامل فقط. ولنا أن نتصور جميعا بشاعة ما قد نؤول إليه كشعب يحظى بكل مقومات النجاح والتطور والازدهار.
أما بعد..
إن ما تخطط له بعض الجهات، من خلال مسخ لغتنا العربية، بتطعيم كتبنا المدرسية ببعض الكلمات والمفردات والتعابير المستقاة من الدارجة المغربية، في أفق استكمال باقي مخططات المشروع المشار إليه أعلاه، محاولة مكشوفة. وقد تصدت لها شخصيات وازنة وبارزة في عالم الفكر والثقافة والسياسية من أمثال المفكر المغربي عبد الله العروي، وأستاذ اللسانيات عبد القادر الفاسي الفهري، وعالم المستقبليات المهدي المنجرة الذي قال بالحرف «لم يعد الاستعمال المكثف للدارجة بريئا فنحن أمام مخطط يسعى إلى القضاء على العربية»، هذا بدون أن ننسى المؤسسات المختصة والوازنة التي تصدت بقوة لهذا المشروع، إذ يكفي أن نشير إلى الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية.