أواجه الموت لأَهجر وطني سرق من شبابه .
تحولت معاناة المغاربة وحيرتهم حول ما يجري في البلاد ويقع إلى سخرية لاذعة من هذا المغرب الذي يدعي تحقيق نجاحات اقتصادية خلال العشر سنوات الأخيرة.فرغم علم الجميع بتعدد ثروات المغرب وتنوع موارده الإقتصادية،فإنه لا يبدو من ذلك سوى مظاهر الفساد والكساد والاضطرابات والفقر والبطالة.
دولة غنية وشعب فقير، حكومة غير مسؤولة تحكم لا ترى سوى نفسها، تتعامل مع الشعب المغربي وكأنه نازح أفريقي، يقمع ويطارد ثم يرغم على الهجرة، نزيف داخلى ينخر المغاربة وسط صمت رهيب .تهجير ، ترهيب ، و قمع يواجه كل من يتلفظ بكلمة ضد الفساد .
فبرغم من ثراء المغرب، فهو لا يزال بلد الهجرة، هجرة تبدو اختيارية فى ظاهرها، لكنها تحمل بداخلها آلام ومعاناة ملايين الشباب المغاربة .
المغرب حالياً يعد أغنى دولة في المغرب العربى وثاني أغنى دولة في أفريقيا، فمنذ بداية العقد الأول من القرن الحالي لم يتوقف إجمالي الناتج المحلي للمغرب عن النمو، فالمغرب بالرغم من ثرائه، لا يزال بلد الهجرة الذي كان عليه في بداية القرن العشرين.
تناقض ظاهري بين الحقيقة والواقع، فلماذا يهاجر الشباب المغربي إلى أوروبا؟ فكيف لدولة بخيراتها المعدنية و السمكية و السياحية تبدو فقيرة؟ وهل البطالة السبب؟ أم أن صناع القرار في المغرب يتعمدون تهجير الشباب؟.
فالوسيلة الرئيسية للهجرة الغير الشرعية هي ” قوارب الموت الخشبية” التى تصل عن طريق البحر إلى السواحل الاسبانية ، هرباً من جحيم الدولة، وبحثاً عن حياة أفضل، وامرأة أوربية جميلة، فالشاب المغربي يبيع ما يملك من أجل قطع تذكرة ذهاب على متن قارب بلا رجعة.
الهجرة الغير الشرعية للشباب المغربي ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل مخيف، فمنذ أيام أعلنت السلطات المغربية أنها أحبطت عدة محاولات للهجرة بطريقة غير شرعية ،حتى اننا نسمع كل يوم اخبارا عن شبان و أطفال يغامرون بأنفسهم من اجل الوصول الى الاراضي الاسبانية ، ناهيك عن الأطفال و الشبان المتشردين في اسبانيا و فرنسا و بلجيكا ، حتى ان الوضع اصبح يتطلب حضور رجال الشرطة المغربية بفرنسا للقبض على الأطفال المغاربة المتشردين في شوارع باريس و باقي المدن .
علماء النفس والقانون يحاولون فهم المشاكل التى تؤثر فى الشباب المغربي وتدفعه إلى الهجرة الغير الشرعية في حين المشاكل واضحة امام أعين الجميع ورغم تولي طبيب نفساني لرئاسة الحكومة الا انه فشل في معرفة أسباب المرض و طريقة علاجه .
الحكومة المغربية تسعى لترسيخ الفساد الإدارى المستشري في مفاصل الدولة، بحثاً عن استقرار نظامهم المستبد، الذي لا يهمه موت آلاف الشباب أو هروبهم من البلد ولا حتى موت بلد بأكمله بقدر ما يهمه أن يبقى مهيمنا وجاثما على الحكومة .
فحكومة العثماني التي كان المواطن المغربي ينتظر منها التغيير للأفضل و محاربة الفساد و البحث عن حلول للمشاكل اليومية التي تواجهه الا ان الفشل الواضح في الواقع المرير و الذي عاينه طاقم اخبارنا الجالية في مدينة القنيطرة و غيرها من المدن المغربية يفسر و يوضح مدى خيبة أمل جل المغاربة في إعطاء صوتهم لأناس ادعوا باسم الدين و التغيير الأحلام الوردية .
ولا ننسى أن هناك قبضة أمنية تقنن الآن فى إرغام الشباب وتهجيرهم، وكبت حرياتهم، لإشعار الجميع أن هجرة الشباب اختيارية وليست هرباً من الفقر.
فعدد المغاربة الذين يعيشون خارج المغرب يتجاوز الملايين موزعين بشكل كبير فى أنحاء أوربا، أكثرهم فى فرنسا واسبانيا وإيطاليا، لافتاً إلى أن معظم الذين يبحثون عن الهجرة بشكل غير شرعى تتراوح أعمارهم بين 14 و26 عاماً.
و هذا الأمر لا يترك للشباب سوى خيارين: التمرد أو تدمير الذات. “يريدون توجيه رسالة، فيتجهون إلى مواجهة أصحاب الامتياز بدون أن يستطيعوا القيام بأى شيء. إنهم يريدون إظهار أنهم قادرون على شيء ما أيضا”.
فالهجرة الغير الشرعية تعتبر شكلا من أشكال السلوك “المضاد للمؤسسة القائمة” الذى ينبع من عدم الحصول على الفرصة للاندماج فى المجتمع. فالقول بأن الهجرة الغير الشرعية مجرد تعبير عن اليأس ما هو إلا تبسيط لهذه الظاهرة المعقدة. أعتقد أن الأمر بالنسبة لهؤلاء الشباب هو أحد الخيارات المفتوحة أمامهم إذا أرادوا بناء هوياتهم بأنفسهم ومحاولة أن يكونوا رجالا. ولهذا السبب لا يعتبر حركة تدميرية على الرغم من وجود خطر الموت الذى ينتظرهم، أو بالأحرى أسلوبا متطرفا فى إثبات الذات”.
بوشعيب البازي