معالم طنجة العتيقة قبلة الزائرين المولعين بالاستكشاف
الجمعة 2018/09/14
قلب الميناء في طنجة شكلها وحياتها رأسا على عقب وبثّ فيها روحا من الحداثة تتعايش جنبا إلى جنب مع الأصالة التي تطبع هذه المدينة المطلة على البحر المتوسط بعد وقت طويل من النسيان.
وبإمكان السياح الذين يجوبون المدينة في حافلات حمراء مكشوفة أن يروا الأسوار والواجهات التاريخية في طنجة العتيقة، أما الكورنيش فهو شاهد على حداثة تجتاح المدينة في الآونة الأخيرة.
وسيلحظ الزائرون اختفاء شاحنات نقل البضائع التي كانت تعبر المدينة للميناء التجاري القديم منذ افتتاح ميناء طنجة المتوسط في 2010، والذي تنقل عبره سنويا 3 ملايين حاوية، وعدد مماثل من المسافرين.
وأما الميناء القديم، فقد صار مرفأ سياحيا اسمه “طنجة مارينا باي”، يوفر 600 مرسى للزوارق واليخوت ومكانا فسيحا للتنزّه، فضلا عن ميناء حديث للصيد، في الخليج الذي يحيط بالمدينة، حيث يأتي المشروع ضمن برنامج ضخم لإعادة هيكلة المدينة التي ظلّت طويلا بعيدا عن خطط الإنماء.
وبفضل تطوير الواجهة البحرية للمدينة تزايد عدد زوار المدينة، التي شهدت افتتاح فنادق جديدة، ولو أن النشاط السياحي فيها ما يزال أقل كثافة مقارنة مع الوجهات التقليدية مثل مراكش وأكادير.
وتعول طنجة في جذب السياح على أصالتها العمرانية ومعالمها الغنية. ويستطيع زوارها اكتشاف الكثير من تلك المعالم عبر الحافلات السياحية التي تخترق الأزقة الضيقة للمدينة العتيقة.
ويوضح المدير المحلي لشركة “ألسا”، خوسيه رامون فيرنانديز، أن اختيار هذا المسار “أمر صعب، لكنه يظهر الوجه الحقيقي للمدينة”.
ويشير مصممه الكاتب فريد عثمان إلى بعض معالمه البارزة مثل باب ميركان (باب الأميركان)، والمقبرة اليهودية، ومسرح ثيرفانتيس الكبير الذي كان ملتقى سكان المدينة إلى حين إغلاقه في العام 1962، وسوق السمك العتيق، والمقر القديم للقنصلية الإيطالية المعروض حاليا للبيع والذي لجأ إليه بطل النهضة الإيطالية جوسيبي غاريبالدي سنة 1850.
وقبل تصميم هذا المسار، كان عثمان البالغ 39 عاما ينظّم جولات لأطفال المدينة للتعرف عليها. ويقول هذا المدافع عن التلاقح الثقافي المغربي الإسباني “كلّ شيء يمتزج هنا، طنجة مدينة كونية متعددة الثقافات ومثيرة للأحاسيس”.
ولا يتخيل فريد عثمان “الحياة يوما خارج طنجة”، مستعرضا أسماء بعض الفنانين والأدباء الكبار الذين أنجبتهم المدينة أو جذبهم سحرها من ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، والكاتب والناقد الأميركي بول بولز، والروائي الأميركي ويليام بوروز، والروائي الفرنسي جوزيف كيسيل، وغيرهم.
ويقول يونس شيخ علي، وهو تاجر شغوف بالفنون إن طنجة كانت دوما مدينة ساحرة، وهو يباهي بإشرافه على مقهى أدبي يقع في مبنى قديم في المدينة العتيقة، وهو البيت الذي خلّده الفنان الفرنسي أوجين دولاكروا في لوحته “العرس اليهودي بالمغرب” سنة 1841.
وتختزن طنجة تراثا متنوعا يعكس تعدد الثقافات التي تعاقبت عليها بدءا بالفنيقيين والرومان ومن بعدهم الإسلام، ومن ثمّ الاستعمار البرتغالي والإسباني والإنكليزي، ووضعها تحت الحماية الدولية في 1923، قبل بسط المغرب السيادة عليها عام 1956.
ولا تبعد طنجة، التي تعد ثاني أهم مدينة اقتصادية بالمغرب أكثر من ساعة عن إسبانيا بحرا، وستختصر المسافة التي تفصلها عن العاصمة الرباط إلى 3 ساعات فقط عندما يبدأ العمل بالقطار فائق السرعة نهاية هذه السنة.
لكن التحولات التي تشهدها المدينة تثير أيضا حفيظة البعض، ويقول رشيد إن كل شيء تغير إذ لم نعد قادرين على التعرف على المدينة، التي ولد فيها ويزورها كل سنة آتيا من فرنسا حيث يقيم منذ 30 سنة.
وبعيدا عن المدينة العتيقة، تتراكم المباني الإسمنتية على امتداد البصر في أحياء تضم نحو مليون نسمة وما تزال بحاجة إلى إعادة تأهيل.
وتبقي جمعيات المحافظة على تراث المدينة عينها يقظة في مواجهة أطماع المستثمرين في العقارات، وقد استطاعت إنقاذ معالم عدّة مثل قصر الكاتب والجاسوس البريطاني والتر بورتون هاريس، أو حلبات مصارعي الثيران القديمة التي تنتظر الترميم.
وأما هواة السهر فقد بات بإمكانهم استئناف نشاطهم الترفيهي الذي توقف بفعل أشغال الواجهة البحرية، حيث عادت الحياة للعلب الليلية المتراصّة على طول الكورنيش.