أئمة ومتطوعون يوظفون عوائد المخدرات في بناء مساجد بالجزائر
الكثير من الأئمة ومن المتطوعين والمشرفين على جمعيات إسلامية وخيرية في الجزائر، متورطون في تبييض الأموال، والتعامل مع عناصر مشبوهة كما هو الحال في قضية تاجر المخدرات الموقوف كمال شيخي، الذي تلقت منه العديد من الشخصيات الإسلامية هبات مالية، مما أثار فضيحة طالت مؤسسات وأسماء معروفة في الدولة. أما المعضلة الأكبر فتتمثل في كون بعض أدعياء الفقه والتدين في الجزائر قد أبدوا تعاطفهم العلني مع تاجر المخدرات الموقوف وطالبوا بإطلاق سراحه بعد أن أوجدوا له فتاوى من عندهم. كما برز في الجزائر جدل فقهي حول شرعية الصلاة في المساجد التي شيدتها أموال مشبوهة.
أثارت الاتهامات التي طالت بعض أئمة المساجد، حول تلقيهم هدايا وهبات مالية، من طرف بارون المخدرات الموقوف كمال شيخي، مسألة اختراق المال الفاسد للمساجد والمؤسسات الدينية في البلاد، وتوظيفها من طرف بارونات الفساد لتبرير نشاطاتهم، وتمويه الرأي العام، فضلا عن المصادر الحقيقية للأموال، التي تبيض تحت يافطة الإحسان والأعمال الخيرية.
أكد مصدر مطلع أن أئمة ومتطوعين في بعض المساجد، خضعوا إلى تحقيقات أمنية، على خلفية ما أثير حول تمويل المتهم الأول في قضية كمية الكوكايين الضخمة المحتجزة في نهاية شهر مايو الماضي، في ميناء وهران، والتي فجرت فضيحة كبيرة طالت مؤسسات وشخصيات سامية في الدولة.
وأضاف المصدر أنه قد تم الاستماع من طرف المحققين لعدد من الأئمة والمتطوعين في بعض المساجد التي كانت تتلقى تمويلا من البارون كمال شيخي، من أجل تشييدها، فضلا عن هدايا مالية وأعمال خيرية كانت تتم تحت إشراف تلك المؤسسات، وتمت مساءلة المعنيين عن التفاصيل والحيثيات التي أحاطت بالعملية.
وزير الشؤون الدينية الجزائري محمد عيسى، دافع من جهته في تصريح له عما أسماه براءة الأئمة من أموال البارون، وأكد سهر الوزارة على تحصين مؤسساتها من الاختراق المالي وإخضاع عملية جمع الأموال للرقابة وترخيص الإدارة. ويذكر أن الوزير عيسى، كان قد أقدم على إقالة مسؤولين بوزارته مطلع العام الماضي، في إطار ما أسماه بـ”الحملة التطهيرية”، وبدأها بإقالة مديرين مركزيين ومفتشين، وذلك بسبب ما وصف أنه تجاوزات خطيرة تشهدها المساجد والتي تتمثل في بعض الخطابات، التي لا تحترم حسب رأيه المرجعية الدينية.
وبحسب مصادر في وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، فإن المسؤولين الذين تمت إقالتهم، بعضهم متورط في قضايا رشاوى، تتمثل في حصولهم على هدايا مقابل صمتهم على خطابات الأئمة.
ومن جهته، وفي إطار فضيحة بارون المخدرات الجزائري كمال شيخي، نفى عميد أئمة في بلدة الأخضرية، التابعة لمحافظة البويرة (120 كلم شرقي العاصمة) سعدودي فضيل، تهم تلقيه هدايا وعمولات من المتهم الرئيس في قضية الكوكايين، أو عثور المحققين على مبلغ مالي يعادل 20 ألف دولار في الحساب الشخصي لزوجته.
وذكرت تقارير محلية، أن فضيل نفى تلقيه هدايا أو هبات من المتهم المذكور، ولا يعرفه شخصيا، والتقى به مرة واحدة في حياته، باعتبار أن الرجلين أصيلي منطقة الأخضرية، وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه الوصاية الإدارية المحلية (نظارة الشؤون الدينية) بمحافظة البويرة، التي نفت بدورها خضوع أي من منتسبيها لتحقيق يتعلق بالمسألة، أو تلقيها مراسلات متصلة بالموضوع.
تاجر المخدرات استطاع أن يحوز على تضامن وتعاطف أئمة بعض المساجد بعد إطلاقهم دعوات “إطلاق السراح ونصرة المظلوم”
وأفاد المصدر، بأن “العديد من المساجد والمؤسسات الدينية في العاصمة وفي عدد من المحافظات، تلقت تمويلات معتبرة من طرف المتهم الأول في الفضيحة، المالك لعدة شركات عقارية واستيراد وتصدير، والحائز على صفقات تموين ضخمة مع مؤسسات كبيرة في الدولة، وأن شقيق المتهم هو الذي كان يقوم بالعملية”.
وأكد أن تفجير الفضيحة صدم الرأي العام الجزائري ومرتادي تلك المساجد والمؤسسات، لأنها عرت مظاهر التقوى والورع التي كان يبديها المعني في محيط تلك المؤسسات، وتفاقمت الصدمة مع التسريبات الأخيرة حول التحقيقات الأمنية التي طالت أئمة ومتطوعين وجمعيات دينية.
وأبرزت مفردات التصريح الذي أدلى به عميد الأئمة في منطقة الأخضرية، بكون “الأئمة والجمعيات ليس من حقهم مساءلة المحسنين عن مصدر أموالهم وليس من مهامهم التدقيق في مثل هذه التفاصيل”، إشكالية مصدر الأموال التي كانت تمر تحت يافطة الإحسان والعمل الخيري وتشييد المساجد والمؤسسات الدينية، من طرف جهات تتخفى وراء ذلك لممارسة نشاطات غير قانونية وتبييض الأموال.
ومع ذلك كانت جمعية في أحد مساجد ضاحية القبة بالعاصمة، قد رفضت استلام هبات وهدايا مالية من البارون كمال شيخي، وطلبت منه تبرير مصدر الأموال التي وعد بتوفيرها لهم، ما يدحض مزاعم عميد الأئمة المذكور، والفراغ الذي تركه المشرّع الجزائري في مسألة تمويل المساجد والمؤسسات الدينية.
واستطاع المعني أن يحوز على تضامن وتعاطف هؤلاء، بعد إطلاقهم دعوات “إطلاق السراح ونصرة المظلوم”، في خطب صلاة عيد الفطر السابق، الذي تزامن مع توقيفه مع شقيقيه وبعض أفراد العائلة وشركائه من طرف الأمن، ما يعكس تغلغله في تلك المؤسسات، التي كان يتدخل في شؤونها الداخلية ويفرض رأيه في اختيار أعضاء الجمعيات الدينية.
وتحصي الحكومة الجزائرية زهاء 23 ألف مسجد في البلاد، تعمل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف على تأطيرها وهيكلة كوادرها تحت وصايتها، من أجل تحييدها عن تأثير المجموعات والجمعيات التي شيدتها، وفرض خطاب ديني موحد في عموم تلك المؤسسات، في إطار ما تسميه “إرساء قيم التسامح والاعتدال ونبذ التطرف والصراعات المذهبية”.
ومع ذلك طرحت التطورات الأخيرة منعرجا جديدا سيضع الوزارة أمام تحد جديد، وهو معرفة ومراقبة الأموال التي تشيد بها مساجد البلاد، في ظل اكتفاء الحكومة بالإشراف المعنوي والإجراءات الإدارية، في حين توكل المهمة للجمعيات الدينية التي تستعين بهبات المحسنين والمتطوعين، مما سمح ببروز مثل هذه الممارسات التي كشفت استغلال تلك المؤسسات، في التمويه والتغطية على نشاط أكبر بارونات المخدرات في البلاد.
وطفا جدل ديني في الأشهر الأخيرة، حول مصير المساجد التي تبين أنها شيدت بأموال غير شرعية، حيث دعا البعض إلى تهديمها لأسباب فقهية، بينما طالب البعض الآخر بإبقائها على حالها، لأن النوايا والأسرار في علم الخالق، ولم يثبت أن أي من الجمعيات كانت تعلم مصدر الأموال التي كانت تقبضها من كمال شيخي، وأنها تعمدت التشييد بعوائد المخدرات أو أي نشاط مشبوه.
ولم تكشف التحقيقات الجارية إلى حد الآن، عن الغرض الحقيقي من توجه بارون المخدرات لاستغلال وتوظيف المؤسسات الدينية في تبييض أمواله، والهدف من إغداقه على أئمة ومتطوعي المساجد وتمويل أنشطتها، وعما إذا كانت للرجل خلفيات أيديولوجية أو سياسية أخرى، غير تلك التي تتبناها السلطة، لأنه كان دائم الحضور في الأنشطة الرسمية للحكومة وفي الخط الموالي لها في الاستحقاقات المهمة.