إطالة العمر.. فتح علمي وحلم بشري أم مأزق أخلاقي وكابوس سكاني

الثلاثاء 2018/09/11
الشيخوخة من الماضي

ذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، أن علماء في جامعة “هارفارد” طوروا دواء مهمته مكافحة الشيخوخة، وقد يطيل عمر الإنسان حتى 150 عاما.

ونقلت الصحيفة عن الأستاذ في جامعة هارفارد، ديفيد سينكلير، وباحثين من جامعة “نيو ساوث ويلز”، قولهم في تصريحات صحافية مطلع الشهر الجاري، إنهم بصدد تطوير عقار جديد يعيد برمجة الخلايا البشرية ويجددها ومن شأنه مكافحة الشيخوخة، وإطالة متوسط أعمار البشر حتى 150 عاما، وإعادة نمو أعضائهم.

وقال سينكلير، إن “العقار المرتقب لن يجدد الأعضاء البشرية فحسب، بل سيسمح للمصابين بالشلل بالحركة مرة أخرى”، مضيفا أن التجارب البشرية للدواء ستجرى في غضون عامين.

وعند تجربة الدواء على الفئران، وجد الباحثون زيادة عمر الفئران بنسبة 10 بالمئة، بعد إعطائها حبة مشتقة من فيتامين “بي”، وبحسب “ديلي ميل”، فإن العقار سيكون متاحا للجمهور بعد 5 سنوات من خضوعه للاختبارات البشرية.

وقال الباحثون إن الدواء الخاضع للاختبار أدى إلى انخفاض في فقدان الشعر المرتبط بالعمر، لكن الأستاذ في قسم علم الوراثة بكلية الطب بجامعة هارفارد حذر الناس من محاولة عكس مسار عملية الشيخوخة قبل تحقيق استيفاء الأبحاث العلمية، حيث قال “نحن لا ننصح الناس بأخذ عينات من الدواء حاليا لأنها لم تختبر رسميا من أجل السلامة”.

وأشار البروفيسور سينكلير، الذي يستخدم جزيئه الخاص لتقليص عملية الشيخوخة، أن عمره البيولوجي قد انخفض 24 سنة بعد تناول الحبوب، كما أن والده البالغ من العمر 79 عاما بدأ يمارس الرياضات المائية والعودة لحمل حقائب الظهر، بعد استخدام الدواء قبل عام ونصف، وأضاف أن الخصوبة عادت إلى شقيقة زوجته مرة أخرى بعد تلقي العلاج، على الرغم من أنها دخلت في ما يعرف بسن اليأس في الأربعينات من عمرها.

العقار سيكون متاحا بعد خمس سنوات من الاختبار البشري
العقار سيكون متاحا بعد خمس سنوات من الاختبار البشري

جدير بالذكر أن التقنية الجديدة المستخدمة في الدواء مبنية على جزيء يسمى النيكوتيناميد، والذي يلعب دورا في توليد الطاقة في جسم الإنسان، وتستخدم المادة الكيميائية بالفعل كمكمل لمعالجة مرض باركنسون والاضطراب الناتج عن الرحلات الجوية الطويلة. ووصلت دراسة جديدة مثيرة للجدل إلى أن التعديل الجيني للأطفال قبل ولادتهم، يمكن أن يساعدهم في العيش لعقود أطول، وفي تقليل خطر إصابتهم بالسرطان إلى النصف.

ويعتبر تطبيق أدوات تحليل الحمض النووي على خلايا البويضة والحيوانات المنوية، عاملا مساعدا “لمقاومة أمراض الشيخوخة”، وفقا لما ذكره الدكتور رومان تيو أوليينيك، من جامعة أوكلاند.

ويدعي الباحث أن تغيير العشرات أو حتى المئات من الجينات، التي ترمز لحالات مرضية مثل أمراض القلب أو ألزهايمر أو التهاب المفاصل، يمكن أن يساعد الأطفال ممن لديهم تاريخ عائلي غير صحي، الذين لم يولدوا بعد، على العيش سنوات صحية إضافية. ومع ذلك، يقول باحثون آخرون إن تحرير الحمض النووي للحد من خطر إصابة أحدهم بمرض معين، يمكن أن يجعله أكثر عرضة لآخر. كما أن سوء الحالة الصحية غالبا ما يحدث نتيجة لمجموعة من العوامل الجينية والبيئية، مع صعوبة السيطرة على العامل الأخير.

ولكن هل تعني هذه العلاجات أنه يمكننا أن نعيش لفترة أطول؟ وماذا يعني العيش لفترة أطول، وبعيدا عن غريزة حب البقاء والتشبث بالحياة؟ هل الحياة سوف تصبح أجمل إن عاشها المرء وهو في “أرذل العمر”؟.

الحكمة التي تعلمها جميع المسنين والمعمرين لم تأت على ذكر محاسن العمر الطويل بل تذمرت منه في غالبها وعبرت عن سأمها كما قال الشاعر زهير ابن أبي سلمى “سئمت تكاليف الحياة ومن يعش- ثمانين حولا لا أبا لك يسأم”.

كانت الثمانون في ذلك العصر بمثابة الأعجوبة، أما الآن فقد أصبحت عادية جدا، وما فتئ الإنسان يقول: هل من مزيد.

ربما يصبح العالم أكثر عقلانية إن حكمه المسنون والشيوخ، وربما يمكّن العمر المديد صاحبه من الاتعاظ من أخطاء الماضي وهفواته، ويتحصل على فرصة لإصلاح ما اقترفه كما يتمكن من إفادة من يأتي بعده من أجيال.

وربما أيضا يأتي العمر المديد بالويلات على أصحابه، ويتسبب بمشاكل لم تكن تخطر على بال، ذلك أن الخارطة الحياتية للبشرية سوف تتغير مع تغير الخارطة العمرية، خصوصا إذا نظرنا إلى مسألة النقص في الخصوبة والاتجاه نحو التقليل من الولادات.

حياة أطول: حكمة أكثر وأخطاء أقل

مسنون، سعداء وأصحاء
مسنون، سعداء وأصحاء

أمر منطقي أن يتناسب معدّل العمر مع إيقاع العصر، فلقد ولّى العصر الذي كان فيه الإنسان ينجز عملا واحدا ـ أو نصف عمل ـ طيلة حياته كما هو الحال لدى المعماريين والنحاتين والبنائين عند قدماء الإغريق والرومان. لم تكن معدلات العمر تعطي لأصحابها من العلماء حتى فرصة مشاهدة تجاربهم وتبادل الخبرات مع زملائهم وتلاميذهم، أما اليوم فقد أصبح “الوقت يعطي الوقت للوقت” كما يقال.

لطالما ردد الناس في حياتهم، وبحسرة شديدة، عبارة “حياة واحدة لا تكفي”، ولطالما سابق الإنسان عقارب الساعة فهزمته، ومات دون تحقيق أحلامه التي يساهم العلم اليوم في إنعاشها وتحقيقها فغدت واقعا لم يكن يتخيله إنسان الأمس.. من قال لإنسان عصر النهضة مثلا إن أحفاده سيعيشون ثلاثة أضعاف عمره في القرنين العشرين والواحد والعشرين؟

تثبت السجلاّت والحفريات التاريخية أن معدَّل العمر في القرن الخامس عشر بأوروبا لم يكن يتجاوز 33 عاما، وذلك بسبب انتشار الأوبئة والحروب وتأخر العلوم عن إيجاد الأدوية واللقاحات. وكان المحظوظ من الناس هو من يستطيع أن يرى له أحفادا أو حتى يتمكن من تكوين أسرة وإنجاب أبناء. أما اليوم وقد امتد معدَّل العمر وتضاعف إلى ثلاث مرات في الكثير من البلدان ليبلغ نحو 80 عاما وأكثر، وبدا المجتمع مختلفا تماما عما كان، إذ يتمتع معظم الناس اليوم بالعيش مع أحفادهم وأحياناً أبناء أحفادهم. كذلك تصبح الذاكرة الاجتماعية والمعرفية أنضج مع وجود شريحة كبيرة من المسنّين، وهو أمر من شأنه أن يقوي الروابط بين الأجيال، ويعدّل من المفاهيم والأفكار المتعلقة بالاستراتيجيات المنظمة لمستقبل الدول والمجتمعات والأفراد.

العمر المديد لا يعني الأبدية، ولا أن العلم يشاكس على محظورات دينية، لكنه أمر يكافئ به العلم نفسه، فيعطي لذاته فرصة البحث في ما هو أكثر نفعا للبشرية

العمر المديد هو ما يتمناه الأصدقاء والمحبون لبعضهم بعضا منذ وجود الإنسان على وجه البسيطة، وهو الخاتمة التي تنتهي بها كل القصص السعيدة، فلماذا يضيّق الإنسان الخناق على نفسه، ويتوجس من أمر يتمناه في قرارة ذاته بحكم الغريزة وحب البقاء.

الذين يسارعون إلى طرح الأسئلة ذات الطابع الأخلاقي والديني إزاء كل تبشير بإنجاز علمي مثل مسألة إطالة العمر، هم في غالبيتهم ينظرون إلى الأمر وفق حسابات جامدة ورؤى ضيقة، ولم يكلفوا أنفسهم طرح السؤال بشكل عكسي أي كيف كانت هذه الثوابت الأخلاقية والدينية ما قبل الثورة العلمية والرقمية، وبمعدلات عمرية متدنية في القرون الماضية؟ هل تخيلوا حال راكب في الأربعين من عمره على ظهر دابة، يقطع طريقا غير آمنة بين بلادي الشام والمغرب ليخبر عن أمر عسكري أو يستفسر عن مسألة فقهية أو يحمل كتابا علميا؟

قضايا إنسانية واجتماعية واقتصادية كثيرة تعدّل نفسها وتضبط توقيتها وفق معدّل العمر في كل زمان ومكان، فشركات التأمين على المرض والحياة لن تبقى على حالها بالتأكيد حين يبلغ متوسط العمر مئة عام، وكذلك سن الزواج والتقاعد، بالإضافة إلى سلوكيات بشرية أخرى سوف تتغير بالتأكيد مثل علاقة الإنسان بالدين والتدين.

التقنية جديدة تولد الطاقة في جسم الإنسان
التقنية جديدة تولد الطاقة في جسم الإنسان

أما مسألة الولادات فسوف تتبدّل حتما حينما يرتفع معدّل العمر، ويقع التحكم بالجينات والمورثات. كما أن النجاح في محاربة الشيخوخة سوف يعيد إلى الواجهة قضايا كثيرة تتعلق بسوق العمل والاكتظاظ السكاني الذي سوف يتغير هرمه بشكل جذري، لكنه سوف يحل مشاكل كثيرة، يُنشط اليد العاملة، يحد من حالات الاكتئاب ويزيد من جرعة السعادة والاحتفاء بالحياة.

العمر المديد لا يعني الأبدية بالتأكيد، ولا ينبغي أن يوحي بأن العلم الآن يشاكس على محظورات دينية وغيرها، لكنه أمر يكافئ به العلم نفسه، فيعطي لذاته فرصة البحث في ما هو أكثر نفعا للبشرية ثم إن البشرية حين تكون مسنة دون أمراض شيخوخة سوف تستعيد الحكمة التي تخنقها الرعونة والتسرع وسوء التقدير وغيرها من أمراض الأغرار وعديمي التجربة.

العلماء يعتقدون أن الطب قريب من حل مشكلة أمراض الشيخوخة، وجعل الإنسان يتمتع بعمر طويل دون أن تتهدده الأمراض فتنغص عليه خريف العمر الذي ينبغي أن يعيشه بسكون وطمأنينة. وفي هذا الصدد، يقول أحد موظفي العلوم في مؤسسة سينس للبحوث، “لن يكون هناك حدود للمدة التي يمكن أن يعيشها الناس عندما نتمكن من إخضاع الشيخوخة والسيطرة عليها”.

ويضيف الموظف في المؤسسة التي تمتلك مختبرات في وادي السيليكون، “سيظل الناس يموتون، مازالت هناك شاحنات تصدمهم، ولكن في الحقيقة سوف يعيش الناس في المتوسط لفترة أطول بكثير، ولن يموتوا إلا عند حدوث بعض الأمور الغريبة مثل كويكب يضرب الأرض”.

تلاعب بثنائية الموت والولادة

احترام فصول العمر أمر لا بد منه
احترام فصول العمر أمر لا بد منه

يمكن القول إن إطالة العمر أو محاربة أمراض الشيخوخة هي التسمية العلمية والمنطقية التي يمكن أن تكون بديلة للعبارة المرتبطة بالأسطورة، والتي يسمونها “الخلود” كسؤال وجودي رافق الإنسان منذ نشأته، واللحظة التي تعامل فيها مع الموت كفجيعة وليس كنهاية بيولوجية حتمية، تمكنه من التجدد وتعطي لحياته توازنا ومعنى يمكن أن يكونا مفقودين لولا وجود فكرة الموت كقطب أساسي في ثنائية “الموت والولادة” التي تنبني عليها الحياة.

وبالعودة إلى السؤال العلمي المتعلق بتمديد العمر ومحاربة الشيخوخة فإن أحدث الدراسات العلمية المتخصصة تقر بأن تمديد العمر هو بالتأكيد ممكن عندما يتعلق الأمر بكائنات حية بسيطة مثل الخميرة، ذباب الفاكهة أو الديدان، ولكن يصبح الأمر أكثر صعوبة مع الكائنات الأكثر تطورا مثل الإنسان.

ويقول البروفيسور غوردون ليثغو، من معهد باك لبحوث الشيخوخة، ويدير المختبر الذي يدرس كيفية إطالة الحياة في الديدان المجهرية وفي الخلايا البشرية بأن “الشيخوخة مرنة حقا في الكائنات الحية المخبرية البسيطة ويمكننا زيادة عمرها بنسبة 500 بالمئة”. لكن في الحيوانات الأكثر تعقيدا مثل الفئران، يضيف البروفيسور “كنا قادرين على زيادة العمر 20 أو 30 بالمئة ولكننا لا نعرف حدود الممكن في حالة البشر”.

وينظـر معهـد باك إلى المحـاولات فـي مجـال زيادة طـول العمـر على أنها إلهاء عن هـدفه الرئيسي، ألا وهـو تمكـين البشر مـن العيـش بصحة جيدة وعافية في سن الشيخوخة.

الأمر الذي يثير الريبة والشك في موضوع إطالة العمر هو ما يتم تسويقه تجاريا واستثمار الشركات العملاقة في هذه المسألة الإنسانية الحساسة

ويرى أكاديميون متخصصون بعد كثرة الحديث عن إمكانية إطالـة عمر الإنسان إلى 150 عاما في السنوات القليلة القادمة عـن طريق دواء مبتكـر، وسيظهـر قريبـا في الأسواق، بأنه لا ينبغي أن نتوقع أن تحل الأدوية جميع مشاكلنا الصحية ولكن يجب أن نحـاول الوصـول إلى حـل وسـط مـع العلـم.

هناك أشياء يمكننا القيام بها بالفعل لزيادة فرصنا في قضاء مرحلة الشيخوخة بصحة جيدة. وعلى رأس القائمة توجد دائما التمارين الرياضية، فإذا كان هناك دواء للشيخوخة فهو ممارسة التمارين الرياضية.

وتفيد دراسات واستطلاعات ميدانية في هذا الخصوص بأن جميع المعمرين كانوا يمارسون نوعا ما من النشاط البدني، ولا يتعاطون أدوية أو مستحضرات كيميائية تدعي أنها تعمل على إطالة العمر ومحاربة الشيخوخة.

وكشفت دراسة طبية حديثة أن التطورات التي يشهدها المجال الطبي لن تتمكن من إضافة سنوات جديدة لعمر الإنسان، وأنه لن يتجاوز عمر 125 سنة، وبمعنى آخر، أن هناك حدا أقصى لعمر الإنسان، لن يستطيع أعتى المعمرين تجاوزه.

وخلصت الدراسة، المنشورة في الدورية العملية المتخصصة “نيتشر” التي تتبعت بيانات معمرين تجاوزت أعمارهم 110 سنوات في كل من بريطانيا والولايات المتحدة واليابان وفرنسا، إلى أن متوسط الأعمار عند الوفاة لدى الأشخاص المعمرين لم يشهد ارتفاعا منذ العام 1968، رغم حدوث تطور كبير في خدمات رعاية المسنين وعلاجهم.

ويرى باحثون من كلية “ألبرت إينشتاين” للطب في نيويورك، أن تتبع العينة، كشف أن للإنسان عمرا افتراضيا لا يتجاوزه إلا في حالات نادرة.

شـركـات عملاقة تستثمر في المسألة الإنسانية الحساسة
شـركـات عملاقة تستثمر في المسألة الإنسانية الحساسة

وأشارت الدراسة أن معمرا واحدا فقط من بين كل 10 آلاف معمر يتمكن من تجاوز 125 سنة من العمر، ويكون غالبا من ذوي ظروف صحية خاصة، تدخل فيها عوامل الوراثة.

ووجدت الدراسة أيضا أنه رغم التطورات الطبية والتطور في مجال مواجهة الأمراض المزمنة والمعدية فإن ما سيحسن هو متوسط العمر المتوقع فقط.

الأمر الذي يثير الريبة والشك في موضوع إطالة العمر هو ما يتم تسويقه تجاريا، واستثمـار الشـركـات العملاقة في هـذه المسألة الإنسانية الحساسة، إذ اتفق أكاديميون ومستثمرون على أنه إذا كان هناك مكان في العالم يمكن من خلاله تحقيق هذا “الحلم البشري”، فسيكون في وادي السيليكون.

ويسوق بعض المستفيدين بمثل هذه المشاريع بقولهم إن رجال الأعمال من أصحاب المليارات في قطاع التكنولوجيا هناك “اعتادوا التفكير بشكل غير نمطي وتحدي الأفكار التقليدية”.

وفي عام 2013 أنشأت غوغل، عملاق التكنولوجيا في العالم، شركة “كاليكو” (شـركـة كاليفـورنيا للحيـاة)، ومهمتها “تمكين الناس من العيش حياة أطول وأكثر صحة”.

ويقول مشككون في مثل هذه المشاريع إن “كاليكو” هذه، لم تعلن عن أبحاثها، ومقرها في مبنى مجهول، حتى دون لافتة تعريف.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: