جدل العامية والمدارس الخاصة يعمق النقاش حول التعليم في المغرب
أثيرت في المغرب مع بداية الموسم الدراسي الجديد مجموعة من المشكلات المرتبطة بالتعليم سواء على مستوى المناهج أو البنية التحتية أو الهدر المدرسي وعدم مواكبة المدارس العمومية لحاجيات الطلاب بالرغم من أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في المغرب أكدت على توفر كل الظروف الضرورية لاستقبال الطلاب وإنهاء كل العمليات المرتبطة بتأهيل مرافق المؤسسات التعليمية والأقسام الداخلية وتوفير التجهيزات، فضلا عن ضمان انطلاق الإطعام المدرسي وفتح الداخليات وتمكين المؤسسات التعليمية من الكتب واللوازم المدرسية، إضافة إلى ضبط وتدقيق المتوفر واللازم من الموارد البشرية في مختلف المؤسسات التعليمية.
أثير جدل كبير حول صور نسبت إلى مناهج دراسية تضم نصوصا باللغة العامية المغربية تم إدراجها في برامج التعليم الابتدائي، اعتبرها البعض انتهاكا للدستور الذي ينص على أن العربية والأمازيغية لغتان رسميتان، مؤكدين أن اللغة العربية مستهدفة من طرف من يروجون لإدماج اللغة العامية في المناهج التعليمية واعتبروا أن هذا المخطط يهدد الأمن القومي المغربي.
ووصل الأمر إلى البرلمان لأجل تقديم توضيحات في الموضوع، إذ أجمعت الفرق البرلمانية لكل من أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، على أن ما وقع هو ضد مضمون الدستور ويعد اختراقا غير مقبول للمنظومة التربوية بالمغرب، مطالبة بعقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب من أجل مناقشة الموضوع بحضور وزير التربية الوطنية مع كشف الجهة التي أعدت هذه المقررات والمنطلقات العلمية المبنية عليها.
وإثر سؤال شفوي إلى وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي أشارت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة ابتسام عزاوي، إلى خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، الشهر الماضي، والذي صنف فيه التعليم كركن أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مستدركة أن الرأي العام المغربي فوجئ بإدراج مقررات دراسية تطرح أكثر من علامة استفهام بمناسبة الدخول المدرسي الجديد.
فيما عبّر الفريق الاستقلالي عن قلقه من تواتر إصدار عدد من المقررات الدراسية، خاصة بالتعليم الابتدائي، والتي تستعمل عبارات عامية، إضافة إلى عدد من المضامين التي تخالف المنظومة القيمية والثوابت الجامعة للأمة المغربية، الأمر الذي اعتبر أنه يشكل إخلالا صريحا بالمقتضيات الدستورية.
كما طالب حزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة ووزير التربية بالقيام بالتحريات اللازمة لتحديد المسؤوليات واتخاذ ما يلزم لمعالجة خلل تسريب عبارات باللغة العامية إلى بعض مقررات السنة الدراسية الجديدة 2018-2019، والحرص على عدم تكرار مثل هذه التجاوزات.
وكشفت خديجة الزومي، عضو اللجنة الدائمة لمهن التعليم والتكوين والتدبير، أنه لا يمكن أن نضرب التعليم في الصميم باستهداف لغته، ولكن أن يتم اعتماد العامية في التعليم، لأن هناك أصواتا تستهدف ضرب التعليم، فهذا أمر غير معقول وليس مقبولا.
وبيّن فوزي بوخريص، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل، أن مطلب العامية في التعليم يعكس الصراع المحتدم حول المشروع المجتمعي الذي نريده. فيما أكد سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن لغة المدرسة في جميع السياقات المجتمعية والتجارب الدولية منظومة معيارية تستجيب للمقتضيات الدستورية والصفات الاعتبارية التي تحددها السياسة اللغوية للبلاد في علاقتها بالحقوق اللغوية والثقافية من قبيل لغة وطنية، لغة رسمية، لغة جهوية، ولغة أقليات.
وأوضح بنيس أن تجليات اللغة المعتمدة في الكتاب المدرسي تحيل على تنويعة لغوية بعينها وتترك جانب التمظهرات اللغوية للتنويعات الترابية الأخرى التي ترتبط بمجال من المجالات الثقافية المغربية من قبيل المجال العروبي أو المجال المديني أو المجال الجبلي أو المجال الحساني.
واعتبر كل من الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية والجمعية المغربية لخدمة اللغة العربية، أن “تسريب عبارات دارجة إلى كتب الطلاب بالسلك الابتدائي، يُعد خرقا خطيرا للمنظومة التربوية وضربا لمضامين وروح الدستور وهوية الشعب”.
وفي إطار توسع المتضررين من إدماج اللغة العامية في المناهج التعليمية، رفعت والدة طالبة بإقليم القنيطرة دعوى قضائية إلى رئيس المحكمة الإدارية بالرباط ضد رئيس الحكومة سعدالدين العثماني ووزير التربية الوطنية سعيد أمزازي. وكشف محاميها بهيئة القنيطرة نجيب حليم أن الدعوى ترى أنه من الواجب عليها كمواطنة مغربية غيورة على هذا الوطن، أن تتقدم إلى المحكمة بطلب إيقاف تدريس ذلك المقرر.
وأكد المحامي أنه، وأمام سكوت السلطة القضائية واستعداد السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان بغرفتيه لطرح المسألة للنقاش، لم يتبق للمتقدمة بالدعوى إلا السلطة القضائية لمنع أي ضرر قد ينتج عن تدريس هذا المقرر، سواء للطلاب أو للسلم الاجتماعي. واعتبر فوزي بوخريص أن اللغة أداة للترقي الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما يفسر إحساس الطبقة المتوسطة بأنها ملزمة باللجوء إلى التعليم الخاص، والتحدث مع أطفالها بالفرنسية.
وأكد سعيد بنيس أن اعتماد العامية لغة للتدريس ولغة المدرسة، وليس توارد مفردات بعينها في الكتاب المدرسي للإحالة ووصف ما هو محلي وثقافي وهو ما يدخل في زاوية نظر اللهجات في باب الاقتراض المعجمي، سيشكل خرقا دستوريا وتراجعا مؤسساتيا لا سيما إذا تمت مقارنته بوضعية الأمازيغية، اللغة الرسمية.
لذا يمكن أن يؤدي إقحام العامية كلغة تدريس وإقصاء الأمازيغية، التي نص الدستور على أن تلعب وتضطلع بهذا الدور، إلى تجذر التمثلات الاجتماعية السلبية إزاء المدرسة العمومية وتفشي سلوك العصيان والنفور من كل ما هو مؤسساتي واستشاري واختلال منظومة العيش المشترك والرابط الهوياتي وتقويض منظومة السلم الاجتماعي بالمغرب.
ويعتبر نورالدين عيوش، عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين، عرّاب إدماج العامية في المناهج التعليمية قائلا إنه يملك مشروعا في التعليم أكبر من الأحزاب السياسية، فيما بررت الوزارة الوصية استخدام مفردات عامية مثل “بغرير، وبريوات، وغريبة” بالتفاف الأسرة حول المائدة وتناولها حلويات يفترض أنها مغربية، مردفة أن “الأمر يتعلق بثماني كلمات فقط في كتاب مدرسي يتكون من أزيد من 8000 كلمة”. وأوضحت الوزارة أنه “من الناحية اللغوية اللسانية وردت هذه الكلمات على أنها عربية فصيحة، فضلا عن كونها رصيدا مشتركا بين المغاربة”.
وفي إشارة إلى توجه نورالدين عيوش، قال أستاذ علم الاجتماع بوخريص إن هناك مشروعا “يرعاه شخص معين، يمثل فئة اجتماعية، ونجح في فرض رأيه ليس بقوة الرأي بل بقوة الاقتصاد والسياسة ومنطق الفئة المهيمنة والغالبة”. ووصف هذا الدفاع عن المصالح اللسانية بكونه “يعمق الهشاشة والفقر والإقصاء”، لأن النظام التعليمي إذا كان رديئا يصبح مصدرا للإقصاء، وإعادة إنتاج الفوارق السوسيواقتصادية.
وفي ذات السياق أعيد النقاش حول مجانية التعليم إلى واجهة النقاش العمومي خصوصا مع ما تعرفه المدرسة العمومية من مشكلات بنيوية لم تنفع معها تدخلات المسؤولين في القطاع والوصفات التي اقترحها المختصون، ما جعل الكثير من أولياء أمور الطلاب يلجأون إلى التعليم الخاص كحل لتدريس أبنائهم رغم الكلفة الكبيرة. ويقول بوخريص إن التعليم “لم يكن يوما مجانيا، ولا يمكن أن نتحدث إلا عن مستوى من المجانية فقط، وهو مع الأسف في تراجع منذ عقود”.
ويعاني أولياء الأمور من الكلفة الباهظة التي تفرضها مؤسسات التعليم الخاص في ما يتعلق برسوم التسجيل والأقساط الشهرية أو الكتب المدرسية التي يتوجب عليهم توفيرها والتي عادة ما تكون مرتفعة الأثمان بشكل كبير وتتجاوز أثمان الكتب في التعليم العمومي.
وأوضح بوخريص، أنه لا يمكن إلا رفض منطق تسليع التعليم، فعلى مستوى الواقع يجري كل شيء كأن التعليم بضاعة، ويكفي أن نستحضر أن المدارس الخاصة تدرّس بشكل مواز الدروس الخصوصية بالنسبة للتعليم العمومي والخاص، مستدركا أنه حتى لو لم يكن التعليم بضاعة، فهو مكلّف ويستفيد منه البعض على حساب البعض الآخر.
وقال المركز المغربي لحقوق الإنسان إن بعض المدارس الخاصة تعمد إلى توجيه أولياء أمور الطلاب نحو مكتبات بعينها، مما يعد ضربا للتنافسية واستحكاما لأساليب السمسرة والابتزاز في عملية اقتناء الكتب المدرسية، وبالتالي تعريض هؤلاء إلى عمليات نهب أموالهم بلا حسيب أو رقيب، كما أن ارتفاع أثمان الكتب المدرسية هو مؤامرة متعمدة من لدن كافة الأطراف المشاركة في هذه المنظومة، في ظل غياب الرقابة من وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
وقال الناشط الحقوقي محمد الزهاري إنه “في وقت نطمح فيه إلى تعميم التعليم ومجانيته، يتم إغلاق مؤسسات تعليمية ابتدائية”، مضيفا أن الاستثمار في التعليم من أهم الاستثمارات التي يمكن للدولة أن تقوم بها في ظل نقص التجهيزات التربوية، وغلق المؤسسات التعليمية، ومشكلة الاكتظاظ المدرسي، وهو ما يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية للنهوض بالقطاع عن طريق ممارسة الحكامة الجيدة في تدبير المنظومة التربوية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.