يشهد المغرب حالة جدل قانوني حول مقترح قانون تقدم به نائبان برلمانيان عن فيدرالية اليسار الديمقراطي (تحالف يساري معارض)، للعفو العام عن معتقلي احتجاجات استمرت في شمالي المملكة لمدة تجاوزت عام ونصف العام.
وأصدرت محكمة الاستئناف في مدينة الدار البيضاء ، في 26 يونيو الماضي، حكما بالسجن 20 عاما بحق القائد الميداني لـ “حراك الريف”، ناصر الزفزافي، وثلاثة نشطاء آخرين، بتهم بينها “المس بالسلامة الداخلية للمملكة”.
كما أصدرت المحكمة أحكاما بالسجن تراوحت بين سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ و10 سنوات سجنا نافذا بحق أكثر من 50 ناشطا آخرين، بالتهم نفسها.
وجاء مقترح قانون العفو العام، الذي تقدم به النائبان عمر بلافريج، ومصطفى الشناوي، في سياق التفاعل مع هذه الأحكام، التي وصفها منتقدون بـ”القاسية”، فيما اعتبرها قانونيون “مخففة”، على اعتبار أن التهم التي أُدينوا بها “تمس بأمن الدولة”.
ويدعو مقترح القانون، الموضوع لدى مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، إلى تشكيل لجنة برئاسة وزير العدل والوكيل العام (النائب العام) للملك لدى محكمة النقض والوكلاء العامين بمحاكم المناطق التي شهدت احتجاجات اجتماعية، إضافة إلى نقباء المحامين.
وتكون مهمة هؤلاء هي العمل على تنفيذ المادة الأولى من المقترح، التي تطالب بـ”إصدار عفو عام وشامل عن كل الأفعال المرتبطة بالاحتجاجات، التي عرفها المغرب بين 28 أكتوبر 2016، و28 يونيو 2018.
ودعت هذه الاحتجاجات إلى إنهاء التهميش وتنمية المنطقة ومكافحة الفساد، وفق المحتجين.
يُعتبر العفو العام من مستجدات دستور 2011 في المغرب، الذي عمل على توسيع صلاحيات البرلمان، لتشمل التشريع في مجال “العفو العام”، كما نص على ذلك الفصل 71 من الدستور.
بشأن إمكانية استفادة معتقلي “حراك الريف” من العفو العام، قال العربي محمد مياد، دكتور باحث في القانون، للأناضول: “طبقا للفصل 71 من الدستور، فإن منح العفو العام يدخل في اختصاص البرلمان”.
لكنه استدرك: “غير أنه طبقا للفصل 49 من الدستور فإن دراسة مشروع القانون المتعلق بهذا النوع من العفو لا بد أن تُعرض على المجلس الوزاري، برئاسة الملك، من أجل التداول بشأنه”.
وأوضح أن “هذا النوع من مشاريع القوانين يدخل في مجال المجلس الوزاري، وليس المجلس الحكومي”.
وتابع أنه “قد يخرج حتى من مجال مقترحات القوانين، لأن المشرع الدستوري استعمل مصطلح (مشروع قانون العفو العام)، أي خص الحكومة بإعداده، دون اقترحات القوانين التي تتقدم بها الفرق البرلمانية”.
ومضى مياد، قائلا إن “العفو الشامل يمحو العقوبة والجريمة، عكس العفو الخاص، الذي يمحو العقوبة كاملة أو ما تبقى منها، مع الإبقاء على الصبغة الجرمية للفعل الذي توبع من أجلها الجاني”.
في المقابل ذهب عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش ، إلى أن “فكرة العفو العام منصبة على حلحلة الأزمات، سواء كانت قديمة أو جارية”.
وأوضح العلام، في تدوينة على صفحته بموقع “فيسبوك”، أن “الغاية منه (العفو العام) هو الخروج من المأزق الذي تضعنا فيه الأحكام القضائية، وحتى لا يتم الإضرار باستقلالية السلطة القضائية”.
وأردف: “كما أن قانون العفو العام، لا يهدف إلى المحو الأبدي للصفة الجرمية عن الأفعال التي صدرت بخصوصها الإدانة، بل فقط تصبح تلك الأفعال غير مجرّمة خلال المرحلة التي يحددها قانون العفو وفي المنطقة المعنية”.
وتابع: “أما خارج ذلك سواء قبله أو بعده أو خلاله بالنسبة للمناطق غير المحددة في القانون، فالأفعال تبقى مجرّمة.. محاولات القتل وتفجير المنشآت والعنف الطائفي واغتيال الرؤساء لم تصبح مباحة رغم صدور العفو عن المدانين بخصوصها في أكثر من بلد”.
** عفو عام أم خاص؟
ورأى مياد، أن متابعة الزفزافي ومن معه، تستند إلى الفصلين 201 و202 من القانون الجنائي، اللذين يعاقبان على جرائم المس بسلامة الدولة الداخلية عن طريق ارتكاب اعتداء بغرض إما إثارة حرب أهلية بتسليح فريق من السكان أو دفعهم إلى التسلح ضد فريق آخر، وإما بإحداث التخريب والتقتيل والنهب في دوار (قرية) أو منطقة أو أكثر.
كما ينص الفصلان على عقاب من تولى أو باشر بغير حق ولا مبرر مشروع رئاسة مكان محصن أو مدينة، وتكون العقوبة هي الإعدام، وفي حالة تمتع الجاني بظروف التخفيف لا تقل العقوبة عن 20 سنة.
وقال مياد، إن “المحكمة (استئناف الدار البيضاء) أخذت بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والشخصية للجاني (..) ومن معه بظروف التخفيف”.
بينما وصف حقوقيون ومحامون هذه الأحكام بالقاسية، داعين إلى مراجعتها، في وقت تشدد فيه الحكومة على استقلالية القضاء.