العلاقات الفاشلة تدفع المرأة إلى إعادة اكتشاف جسدها
الثلاثاء 2018/09/11
يعتقد الكثير من الناس أن الاعتداء على المرأة يكون إما بالتحرش أو الاغتصاب أي ما كان فعلا جسديا ظاهرا وملموسا، لكن ماذا عن الندوب النفسية العميقة ألا يتتبع أحد آثارها ومخلفاتها؟
المرأة كائن يحمل العديد من المتناقضات قوية وضعيفة، ذكية وغبية، رصينة ومجنونة، مؤدبة ورعناء، وليس معنى ذلك أنها تعاني انفصاما في الشخصية بل كل ذلك مزيج يكوّن أنوثتها لكنه يصطدم بنواميس مجتمعية تبيح وتحرم وهو ما يجعلها تقع عمدا في المفارقة وتفقد بوصلتها لتصبح بين هذا وذاك ويسهل اصطيادها.
في السابق كانت العلاقات تنظم وفق جدول مدروس يقوم أساسا على المقابلات مع عدد من الفتيات أو الفتيان وفي ذلك لا تختلف البنت عن الولد، كلاهما يمكن أن يقع فريسة طرف يحب الجمع بين عدة علاقات عاطفية في آن.
أما اليوم فإن أغلب الشباب وخصوصا الذكور يديرون شبكة من العلاقات الافتراضية وتكاد أقوالهم وأفعالهم تتطابق، حيث تبدأ باستمالة الأنثى بطرق شرعية تقوم على المعسول من الكلام والسلام ثم تتدرج إلى تحديد العلاقة في مدة وجيزة ليرتقي فارس الأحلام المغوار بحبيبته إلى مصاف الزوجة وتنتقل معها أقواله نحو التطرق إلى الحياة الزوجية.
فهل يجوز أن تمتنع الزوجة عن زوجها؟ ويدخل الشاب بحبيبته في تفاصيل تجعلها مقسمة بين مبادئها وأحلامها الوردية، إما أن تذعن وتفتح كاميرا جهازها الذكي لتدخل عروسا مبجلة إلى عالم حبيبها حتى يملّ منها وينقطع عنها بحجة أنهما ارتكبا خطأ لا يغتفر، وإمّا يكون مصيرها الإهمال وبرودة لم تعهدها من صديقها فتتلاشى العلاقة مع الوقت وكأنها لم تكن من الأساس. وفي كلتا الحالتين تصاب الفتاة بآلام نفسية مبرحة.
لا يعني هذا أن كل الفتيات يقعن في شراك أشباه الرجال ولا يؤكد هذا أن جميع الذكور متشابهون لكن للأسف هذه حقيقة صارت واقعا ماثلا بكل تمثلاته وتبعاته.
هناك حجة يركبها الرجال مطية لتبرير ذلك وهي أن المرأة عاطفية ينطبق عليها قول بشار بن برد “الأذن تعشق قبل العين أحيانا”، والرجل بصري بامتياز!
لا أكتب قصة من قصص ألف ليلة وليلة بل ما صارت إليه أغلب العلاقات اليوم بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، فباعتقاد بعض الشباب أن المرأة تحاول الهرب من شبح العنوسة بكل السبل فيسلك بها طريقا وهمية ويقسم لها بأغلظ الأيمان أنها الوحيدة المتربعة على عرش قلبه فتقع في فخ أكذوبته الصادقة.
الحقيقة أن الفخ الوحيد الذي وقعت فيه أغلب الفتيات لم يكن من صنع الشباب بل من صنع عوائلهم ومجتمعاتهم، تلك الأسئلة المتكررة التي ترافق الفتاة منذ أن تنتبه فجأة إلى جملة التحولات الطارئة على جسدها من قبيل متى نفرح بك؟ ومع مرور الوقت ينقلب السؤال إلى “فماش حويجة؟” بمعنى هل يوجد أحد في حياتك؟ ومتى نتذوق قطعة الحلويات؟ وأحيانا تصبح هذه التساؤلات همسات ونظرات تلاحق الفتاة وتتهمها بأنها عاجزة عن إيجاد شريك مناسب.
الزواج هذه المؤسسة التي يجهل أغلب الشباب اليوم كيفية إدارتها ولا يدركون كم المسؤوليات المنجرة عنها تقدم الدليل القطعي على نجاح المجتمعات العربية في المحافظة على تسلسل وترابط نواميسها وأعرافها، فهي تمكنت من صنع أجيال متطبعة بأفكار مغلوطة تسلسل فتياتها بضرورة البحث عن رجل!
أرى أن العنوسة في طريقها إلى أن تكون اختيارا وحرية تحفظ للمرأة كرامتها، فالمرأة اليوم لم تعد فتاة الأمس الغضة التي بدأت للتوّ في اكتشاف جزئيات من جسدها بل امرأة تعيد اكتشاف جسدها من جديد وهذا ما لا يحاول الشباب من حولها فهمه أو إدراكه لذلك تفشل جل العلاقات فشلا ذريعا.
وكل هذا لا يعني أن المرأة فقط من تقع ضحية، فحتى الرجل يكون أحيانا ضحية تلاعب بمشاعره، وبين هذا وذاك تسقط الأقنعة واحدا تلو الآخر، فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين يوفر منصة للخيانة وفرصة لاكتشافها بيسر وسهولة.